Commentary

Op-ed

تطبيع المغرب الجزئي مع إسرائيل يترافق بمكاسب ومخاطر

King Mohammed VI of Morocco deliveres a speech on occasion of the opening of the parliament, on October 09, 2020 in Rabat, Morocco. Photo via Azzize boukallouch/ABACAPRESS.COM

أعلن الرئيس دونالد ترامب في سلسلة من التغريدات في 10 ديسمبر أنّ الولايات المتحدة تعترف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية المُتنازع عليها وأنّها ستفتح قنصلية لها في الداخلة وأنّها توسّطت لتطبيع العلاقات الجزئيّة بين المغرب وإسرائيل. وقد أكّد الديوان الملكي ووزارة الشؤون الخارجية المغربيّان هذه الاتفاقية المتبادَلة المثيرة للجدل التي سيكون لها تداعيات كبيرة إقليمية ودولية ومحلّية.

وبموجب الاتفاقية، ستستأنف الدولتان العلاقات الدبلوماسية جزئياً في المستقبل القريب وتطلقان رحلات جوّية مباشرة وتعزّزان التعاون الاقتصادي والتكنولوجي. بيد أنّ المغرب لم يتعهّد بفتح سفارة في إسرائيل (بل سيفتح مكاتب اتّصال، مثلما فعل قبل العام 2002) ولن يقيم علاقات دبلوماسية كاملة. وبعد يوم من إعلان ترامب، أرسلت إدارته كتاباً إلى الكونغرس حول صفقة محتملة لبيع أسلحة بقيمة مليار دولار إلى المغرب، في خطوة مشابهة لتلك التي اتّخذتها الإدارة بعد التطبيع الإماراتي مع إسرائيل.

ومع أنّ هذه الاتّفاقية التاريخية فاجأت الكثير من المواطنين في المغرب ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانت خطوةً استراتيجية للنظام، نظراً إلى موقف المغرب السابق حيال المسألة. فأوّلاً، سياسة المملكة الخارجية مجال محصور بالنظام الملكي (وليس بالحكومة المُنتَخبة). وقد استغلّت العاصمة المغربيّة الرباط خروج ترامب الوشيك من البيت البيض لتعزيز مصالحها الدبلوماسية والأمنية. وبالفعل، إدارة ترامب متشوّقة لزيادة شرعية خطّة السلام التي وضعتها وأهمّيتها، ولم يتبقّ لها الكثير للقيام بذلك. واستغلّ هذه الفرصة النادرة النظامُ المغربي الذي تتمحور استراتيجيته الدبلوماسية الإجمالية حول كسب الاعتراف الدولي بحقوقه في الصحراء الغربية.

وقد أثار التطبيع الجزئي سخط بعض الدول المجاورة للمغرب وسيُغضِب على الأرجح الكثير من مواطني المملكة، فقد قال 88 في المئة من المغاربة الذين شملهم استطلاع للرأي إنّهم يعارضون الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل ورأى 70 في المئة القضيّةَ الفلسطينية قضيّةً تهمّ العرب برمّتهم (بحسب تقرير مؤشّر الرأي العربي للعام 2019-2020). وفيما قد لا يتبلور هذا الامتعاض إلى اعتراض فوريّ، سوف يضعضع نظرة المواطنين إلى النظام وقد يغيّر العلاقات بين المجتمع والدولة على المدى البعيد.

بيد أنّ هذه الخطوة الاستراتيجية من النظام الملكيّ المغربيّ ستعزّز مكانته الدولية وتمتّن علاقاته مع الدول الأخرى (من بينها عدّة دول خليجية). علاوة على ذلك، لن تعزل الخطوة المغربية المملكة ضمن منطقتها، لأنّها الدولة الرابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تطبّع جزئياً العلاقات مع إسرائيل في العام 2020 (بعد الإمارات العربية المتّحدة والبحرين والسودان) والسادسة عموماً (مصر في العام 1979 والأردن في العام 1994). وقد تحذو دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حذوها في المستقبل القريب إلى المتوسط، بدايةً مع عُمان ربّما.

 المكانة الإقليمية والدولية

على الأرجح أنّ قرار الولايات المتّحدة بالاعتراف بأحقّية المغرب بالصحراء الغربية وتطبيع العلاقات الجزئي بين المملكة وإسرائيل لن يغيّرا موقف الاتّحاد الأوروبي والأمم المتّحدة حيال الخلاف. فسوف تتابع الأمم المتّحدة بالحثّ على تطبيق قرارات مجلس الأمن، فيما سيحاول الاتّحاد الأوروبي الوصول إلى توازن بين المحافظة على علاقاته المتينة مع المغرب ودعم عملية الأمم المتّحدة للسلام. لكن ضمن الاتّحاد الأوروبي، قد يكون الوضع مختلفاً بالنسبة إلى فرنسا، حليف المغرب الأقرب والدولة الأكثر تعاطفاً بين دول الاتّحاد مع موقف المملكة حيال الخلاف. فمع أنّ فرنساً تدعم رسمياً التوصّل إلى حلّ سياسيّ يتمّ التفاوض عليه برعاية الأمم المتّحدة، من غير المرجّح أن تتّخذ موقفاً معارضاً للمغرب نظراً إلى العلاقة الوثيقة بين قيادتها والنظام المغربي.

وضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انتقدت كلّ من الجزائر، منافِسة المغرب، وإيران قرار المملكة، وسيصدر على الأرجح المزيد من الانتقادات من دول أخرى لها علاقات متوتّرة مع إسرائيل، مثل لبنان وسوريا والعراق. بين أنّ هذه الدول ليست الجهات الحليفة المستهدَفة للمغرب، بل تعطي المملكة الأولوية في المنطقة إلى علاقاتها مع الدول الخليجية، التي تقدّم الدعم المالي والتأييد في المنتديات الإقليمية مقابل التدريب الأمني والدعم الدبلوماسي. ولن تغيّر هذه الاتفاقية علاقات المغرب بدولة قطر، وهي من أقرب الدول الحليفة للمغرب وستمتنع على الأرجح عن التعليق على الموضوع.

والمهم أنّ الاتّفاقية سترسّخ علاقات المغرب العاصفة مع الكتلة السعودية الإماراتية لأنّ الإمارات العربية المتّحدة والبحرين سبق أن طبّعتا العلاقات. وأسّست كلتا الدولتَين أيضاً قنصليتَين لهما في مدينة العيون، في اعتراف منهما بأحقّية المغرب في تلك الأرض. وفيما لا تزال المملكة العربية السعودية صامتة بشأن إمكانية التطبيع، هي واحدة من الدول الحليفة الأقرب إلى إدارة ترامب في المنطقة وقد تحذو حذو المغرب في المستقبل، ولا سيّما إن جرى لقاء نيوم المزعوم فعلاً بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أما عمان، وهي دولة خليجية أخرى قد تكون مرشحاً مرجَّحاً للتطبيع الجزئي، فسبق أن أشادت بقرار النظام المغربي.

 التأثير الداخلي

محلّياً، يسلّط إعلام النظام الضوء على مكسب الصحراء الغربية ولا يذكر الكثير عن الاتّفاقية مع إسرائيل. في الواقع، يموضع النظام الملكي نفسه كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويشدّد إعلام الدولة على أنّ المملكة تستأنف الرحلات ومكاتب الاتّصال والعلاقات الدبلوماسية لا أكثر.

وفوراً بعد الإعلان الذي أطلقه ترامب، أصدر الديوان الملكي بياناً صحافياً يناقش اتّصالاً هاتفياً جرى بين الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس والملك محمّد السادس، الذي يصدف أنّه رئيس لجنة القدس (لجنة برعاية منظّمة التعاون الإسلامي مسؤولة عن مناقشة القرارات المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي وتطبيقها). وخلاصة هذا الاتّصال والإعلام الصادر عنه هو أنّ المسألة الفلسطينية ما زالت مسألة مهمّة للنظام المغربي وأنّ الروابط ما زالت متينة بين الجهتَين. وقد زعمت وزارة الشؤون الخارجية أنّ موقف المغرب حيال فلسطين لم يتغيّر، فهو ما زال يدعم حلّ الدولتَين ويعزّز المفاوضات بين الجهتين التي ستؤدّي إلى سلام نهائي.

ومواقف الجهات الفاعلة السياسة المحلّية منقسمة حيال هذه المسألة. فقد عبّر البعض عن أنّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما هو إلا منحَ شكل رسمي لعلاقة قائمة وتاريخية. وبالفعل، يتحدّر أكثر من مليون مواطن إسرائيلي من جذور مغربية، وهم يشكّلون ثاني أكبر مجتمع في إسرائيل بعد المجتمع اليهودي الروسي. وبين البلدَين أيضاً تعاون اقتصادي قائم. ففي الواقع، تصل قيمة التبادل التجاري السنوي بينهما إلى 30 مليون دولار تقريباً. علاوة على ذلك، تعاونت الجهتان سرّاً في السابق في مسائل الأمن، فقد ساعدت إسرائيل النظام المغربي على الحصول على معلومات استخباراتية وأسلحة. أما المغرب، فقد توسّط في عهد الملك حسن الثاني الراحل لقيام المفاوضات بين إسرائيل ومصر من العام 1977 إلى 1979 وبين الإسرائيليين والفلسطينيين في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.

في المقابل، ينظر فاعلون آخرون إلى الاتّفاقية بحماس أقلّ ويقولون إنّ أحقّية المغرب في الصحراء الغربية شرعية وليست المملكة بحاجة إلى اعتراف الولايات المتّحدة بذلك أو إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويتماشى هذا الرأي أكثر مع رأي الشعب، إذ يؤيّد 9 في المئة فقط من المغاربة معاهدات السلام بين إسرائيل والإمارات العربية المتّحدة والبحرين، فيما يظنّ 13 في المئة فقط أنّه من المفيد للمنطقة العربية أنّ بعض الدول تنسّق سياساتها الخارجية مع إسرائيل. وقد استنكر الجناح الديني في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة التطبيع الجزئي للعلاقات، فيما كانت قيادة الحزب أقلّ انتقاداً وأكثر مراعاة لقرار الملك.

واستباقاً للانتقادات الداخلية، قال الملك محمّد السادس إنّ موقفه حيال فلسطين لم يتغيّر وإنّ المغرب يضع مسألة أراضيه والقضيّة الفلسطينية على المستوى ذاته وإنّ النظام سيستغلّ موقفه الجديد للتوصّل إلى السلام في المنطقة. لكنّ النظام المغربي لا يمكنه أن يجمع بين الأمر ونقيضه، فالرأي العام لن يرضى بخطاب مؤيّد لفلسطين في الداخل فيما يصوّر النظام نفسه على أنّه غير معادٍ لإسرائيل على الساحة العالمية.

التطلّعات المستقبلية: أهو قرار ذكي؟

في الداخل، يعوّل النظام المغربي على أن يطغى الشعور القومي القوي لدى مواطنيه إزاء الصحراء الغربية على دعمهم الكبير للفلسطينيين. لكن قد يجد النظام أنّ المغاربة غير مستعدّين للتعامل مع الوضع على أنّه لعبة صفرية النتيجة. فقد يرى الكثير من المغاربة، الذين يدعمون أحقّية المغرب في الأراضي المتنازع عليها والقضية الفلسطينية، الاتّفاقيةَ خطوة غير لازمة (نظراً إلى أنّهم يعتبرون أحقّية المغرب شرعية أصلاً) وخيانة للفلسطينيين على حدّ سواء. وفيما لن تؤدّي خيبة الأمل الشعبية إلى طعن فوري، قد تغيّر العلاقاتِ بين المجتمع والدولة على المدى البعيد.

لكن أكبر إمكانات قرار المغرب تكمن في الخارج. فضمن مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، سيساعد القرار المملكة على تعزيز روابطها، أو على الأقل لن يضرّ بالتحالفات القوية أصلاً. أما في ما يخصّ الولايات المتّحدة، فاعترافها فوز للمغرب، لكنّ توقيت هذه الاتفاقية التاريخية ودلالتها تطرح أسئلة مهمّة: ماذا سيفعل الرئيس المنتخب جو بايدن بعد استلامه الحكم في 20 يناير؟ طبعاً تبرز إمكانية نقضه اتفاقية ترامب، لذا على الأرجح أن ينتظر المغرب قبل تأسيس العلاقات. وعندما يؤسّس النظام هذه العلاقات سيستعين بالتطبيع الجزئي الذي أجراه مع إسرائيل لتعزيز مصالحه على الساحة الدولية.

Authors