Commentary

Op-ed

العلاقات الأمريكية السعودية لا تتوقف عند دونالد ترامب

U.S. President Donald Trump takes his seat before his speech to the Arab Islamic American Summit in Riyadh, Saudi Arabia May 21, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في جريدة مكلنس.

زيارة دونالد ترامب للرياض إنما تبرهن على أن العلاقة الخاصة بين أمريكا والسعودية هي أكبر من الأشخاص

وُصفت زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في قمة الرياض بالزيارة “التاريخية” و”نقطة التحوّل”. وقد أُريق الكثير من الحبر على أول زيارة يقوم بها ترامب إلى الخارج إلى إحدى دول الشرق الأوسط – إلى قلب الإسلام، دون غيره. وها هو ترامب، بعد كل ما قاله لتشويه سمعة هذا الدين الذي يعتنقه أكثر من مليار شخص حول العالم، يتحدّث أمام 50 من رؤساء وقادة معظم الدول الإسلامية عن هذا الدين تحديداً. لقد ملأ الدنيا ضجيجاً وصخباً في الحديث عن بناء التسامح والتفاهم.

ولكن الواقع يقول إنه لا يوجد شيء من هذا، فالزيارة ليست تاريخية حتى. واللقاء ما هو إلا استمرار لعلاقة طويلة مستمرة منذ عقود، ويحكمها الاقتصاد العالمي وأمن النظام- وحقيقة أن هذه العلاقة قادرة على الصمود حتى في وجه شخصية متناقضة تحريضية كشخصية الرئيس ترامب، تدل على أن هذه العلاقة هي أكبر من الأشخاص أنفسهم.

إنّ العلاقات الأمريكية السعودية هي طويلة الأمد قائمة على المصالح المتبادلة وقادرة على الصمود في وجه التقلبات الجيوسياسية وتعاقب الرؤساء والملوك. ورغم الاختلاف الجوهري في العادات والتقاليد الثقافية بين الدولتين، إلا أنّ الولايات المتحدة والسعودية عززتا علاقتهما التكافلية القائمة على البترودولار وعلى الضمانات الأمنية منذ بداية السبعينيات. ويجب ألا نتفاجأ إذا ما فشل حظر ترامب لدخول المسلمين إلى أمريكا واستمرار تعليقاته المهينة المعادية لهم، في زعزعة العلاقة الأمريكية-السعودية. 

تعود هذه العلاقة الخاصة إلى السبعينيات، فالسعودية كانت أكبر منتج للنفط في العالم، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة مستهلكة له وأكبر قوة عظمى من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية. وقد عقد السعوديون صفقة لضمان تحرير فواتير النفط بالدولار الأمريكي، أو ما يُعرف باسم البترودولار. إنّ تحرير كافة الفواتير بالدولار الأمريكي أمر تضمنه السعودية جزئياً نظراً لمكانتها كأكبر دولة منتجة ومصدّرة للنفط في العالم، والمتحكّم الرئيسي في منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك).

إنّ إعطاء الدولار الأمريكي المزيد من السيادة الاقتصادية العالمية كفيل بدعم المكانة التي كانت أمريكا تتبوأها كمصنِّع رائد للسلع والخدمات. ورغم تحوّل الإنتاج العالمي نحو الاقتصادات السوقية الناشئة، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تستفيد إلى حد كبير من حاجة العالم إلى الدولار الأمريكي لشراء السلعة الأكثر تداولاً في العالم، أي النفط – ناهيك عن قدرة الولايات المتحدة على تمويل عجزها المتنامي في رأس المال من خلال مراجعة دولية بسيطة لقيمة الدولار. وقد ساعد دعم السعوديين لنظام البترودولار الولايات المتحدة جزئياً على طبع الدولارات لزيادة المعروض النقدي، دون التعرّض لعواقب كبيرة متعلقة بالتضخّم، كما يحدث عادةً في الدول الأخرى خلال فترات الركود الاقتصادي.

وينفق السعوديون منذ عشرات السنين البترودولار على شراء الاستثمارات والبضائع والخدمات الأمريكية، بما أنهم يجمعون كافة دخلها وثروتها تقريباً بالدولار الأمريكي. فبالنسبة للسعوديين، إنّ إعادة استثمار البترودولار في سندات الحكومة الأمريكية يجنبهم مخاطر تحويل العملة، كما يتيح لهم فرصة الاستفادة من امتياز الوصول إلى أسواق السندات الحكومية الأمريكية الممنوحة لهم وفق اتفاق المملكة مع الأمريكيين، تقديراً لعملياتهم الشرائية الكبيرة المستمرة، باستخدام سندات قصيرة الأجل. ومن أجل إعادة توظيف أو إنفاق كمية البترودولار المخزّنة اليوم والتي تقارب 700 مليار دولار، يسعى السعوديون إلى فتح الكثير من الاستثمارات في أمريكا وشراء كميات هائلة من السلع والخدمات.

ومن بين السلع الأكثر تفضيلاً لدى السعوديين هي الأسلحة ذات التقنية العالية والسفن البحرية والطائرات الحربية والمروحيات والأنظمة الدفاعية، وغيرها من المعدّات العسكرية الباهظة الثمن. لا شكّ أن الصناعة العسكرية الأمريكية حصدت وما تزال تحصد الأرباح من السعودية. فخلال فترة حكم أوباما مثلاً، بلغت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية 115 مليار دولار، ورغم أن الصفقة التي أعلن عنها ترامب ببيع أسلحة للسعوديين بقيمة 350 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة على أن يُدفع مبلغ 110 مليار دولار فوراً- تبدو مهمة، إلا أنها تتماشى في الواقع مع العلاقة العسكرية السعودية – الأمريكية، وليست نقطة تحوّل فيها. فالولايات المتحدة الأمريكية كانت أصلاً أكبر مصدّر للأسلحة في العالم حتى قبل هذه الصفقة التي تمّت في الرياض، إذ بلغت صادراتها ثلث كمية السلاح العالمي، وتُعدّ المملكة العربية السعودية أكبر مشترٍ للسلاح الأمريكي، إذ تستحوذ على حوالي 10 بالمئة من جميع صادرات الأسلحة الأمريكية.

تربط بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية مصالح اقتصادية متشابكة، لكن من الواضح أنّ هناك بعداً أمنياً أيضاً. فقد استمرت الولايات المتحدة على مدى عقود بتقديم ضمانات أمنية لدول الخليج المصدّرة للنفط. وفي الواقع، وعدت أمريكا بمساعدة أية دولة عربية خليجية تتعرّض للهجوم داخلياً كان أم خارجياً. جاءت هذه السياسة الأمريكية، المعروفة باسم عقيدة كارتر، كردٍّ مباشر على فقدان أمريكا أحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة، وهو شاه إيران، الذي أطاحت به ثورة العام 1979. وربما يكون تحرير أمريكا للكويت من قبضة الرئيس العراقي صدّام حسين عام 1991 هو أشهر تطبيق لعقيدة كارتر.

وعلى مدى عقود، ظلّت القوة البحرية الأمريكية في الخليج هي الضامن الأكبر لأمن حلفاء الخليج العربي ولمرور ناقلات النفط المجاني عبر مضيق هرمز وصولاً إلى بحر العرب. واليوم تضمّ القاعدة البحرية الخامسة التابعة للبحرية الأمريكية في البحرين 30 سفينة حربية أمريكية، إلى جانب حاملات طائرات ترصد 2,5 مليون ميلاً مربعاً من البحار لحماية حلفاء أمريكا في الخليج العربي. إن وفرة النفط في الأسواق العالمية هو عامل إيجابي للاقتصاد العالمي، وهو جيد دون شك للاقتصاد الأمريكي أيضاً- وهذا كفيل بتعزيز هذه العلاقة الاقتصادية – الأمنية.

كما وأنّ زيارة ترامب ليست المرة الأولى التي يكدّر فيها رئيس أمريكي هذه العلاقة، فدول الخليج اليوم تدّعي أن إيران ووكلاءها في المنطقة يحاولون زعزعة استقرار مملكاتها. ولهذا السبب انزعج العديد من قادة السعودية والخليج من الاتفاق الذي أبرمه أوباما مع إيران للحد من قدرتها النووية في الشرق الأوسط، واقتصار استخدام هذه القدرة على الأغراض السلمية، لاعتقادهم أنّ لإيران مخططات عدوانية في المنطقة. ويرى الحلفاء الخليجيون أنّ الحركات المدعومة من إيران هي السبب وراء الاضطرابات المحلية والدعوات للثورة- بدلاً من الاعتراف بأن ذلك ما هو إلا تعبير عن خيبة أمل الأقليات الدينية من معاملتهم كطابور خامس في أوطانهم ومجتمعاتهم. لقد تمكّنت البحرين، بمساعدة السعودية، من سحق حركة الربيع العربي في أراضيها، رغم انزعاج أوباما من هذا الأمر. وكان الاستياء السعودي من دعم أوباما لحركات الربيع العربي، وتردده في معالجة الشأن السوري واضحاً جداً- لكن هذا لم يزعزع العلاقة الأمريكية – السعودية، إذ قام أوباما بأربع زيارات للسعودية خلال فترتيه الرئاسيتين.

وقد ثبتت صحة النظرية، لكن بالعكس هذه المرة. فبعد سنوات قليلة من هجمات 9/11 الإرهابية التي نفذّها مواطنون سعوديون في المقام الأول، احتضن جورج بوش الأبن، الذي كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك، يد الملك السعودي عبدالله أثناء تنزّه الإثنين في مزرعة بوش في تكساس. ورغم النداءات المتكررة التي أطلقها الكونغرس الأمريكي لإجراء تحقيق حول تورّط السعودية بهجمات 9/11، إلا أنّ الإدارات المتعاقبة حاولت إغلاق هذا الملّف والمضي قدماً. كذلك اعتبر العديد من المسؤولين والمثقفين الأمريكيين التأويلات الوهابية للدين الإسلامي مسؤولة عن إذكاء نار التطرف في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من القاعدة وصولاً إلى داعش. لكن رغم ذلك، لا تزال العلاقة الثنائية بين الرفيقين البعيدين- القريبين مستمرة.

ففي العلاقات الأمريكية السعودية، يفوق الاقتصاد والأمن على القيم والأعراف الاجتماعية وحقوق الإنسان وحقوق الجنسين، إلى جانب طائفة من الأسباب الأخرى، فتصمد في وجه التقلبات الجيوسياسية وتغيّر الوجوه نظراً لجوهرها الأساسي. لذا، دعونا ألا نصدق هذه المبالغات، وألا نتفاجأ برقصة ترامب بالسيف نهاية هذا الأسبوع، وبالتزلّف الذي أغدقه عليه مضيفوه السعوديون. فكلا البلدين يستفيدان من علاقة تكافلية تثبّت مكانة أمريكا الاقتصادية العالمية وترسّخ نظام الأمن السعودي، وهذه علاقة ليس بوسع حتى ترامب نفسه أن يزعزعها.

Author