نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 20 أكتوبر 2019 حول العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، مع تركيز على الاتّفاق النووي الإيراني والتوتّرات الراهنة بين الدولتين في الخليج. وضمّت اللجنة خبراء وباحثين مرموقين، من بينهم عباس مالكي، أستاذ في سياسات الطاقة في جامعة شريف للتكنولوجيا، وعمر عياصرة، إعلامي وكاتب صحفي، وسوزان مالوني، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية لدى مركز بروكنجز الدوحة. وأدار علي فتح الله نجاد، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة، الندوةَ التي حضرها لفيف من الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية في الدوحة.
بدأت سوزان مالوني النقاش بالتعبير عن تشاؤمها حيال مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، التي قالت إنها عرضة للتصعيد استناداً إلى السياسات السابقة لدى البلدَين كليهما. ووصفت الاتفاق النووي بأنّه الإنجاز الدبلوماسي الأكبر في واشنطن وطهران منذ العام 1981، مُضيفة أنّ الاتفاق أتى نتيجة سنوات من الجهد الدبلوماسي الحثيث الذي بذلته طهران والولايات المتحدة والدول الأوروبية. وقالت مالوني إنّ إدارة ترامب وصفت الاتفاق النووي بأنّه منحاز لصالح طهران وعملت بشكل مُمنهج لفضّ هذا الاتفاق، بدءاً ممّا يُعرف بـ”حظر المسلمين” وانتهاء بقرار العام 2018 بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. وأشارت إلى أنّ قرار الانسحاب من الاتفاق حصل على الرغم من جهود عدّة قوى أوروبية لاستيعاب موقف ترامب إزاء الاتفاق، مُضيفة أنّ القرار عكَس اهتمام ترامب بالاستئثار بالعناوين عوضاً عن فهمه لتفاصيل النشاطات الإيرانية وتداعياتها الاستراتيجية.
وقالت مالوني إنّ العقوبات الأمريكية على إيران كان لها أثرٌ كبير في الاقتصاد الإيراني فيما لم يكن لها أثر يُذكر في الولايات المتحدة أو الاقتصادات العالمية. بناء على ذلك، لن تُرسَم معالم المسار التي تتّخذه التوتّرات الحالية بفعل تغيير في السياسة الأمريكية بل بردّ الفعل الإيراني تجاهه. وأشارت إلى أنّ العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب كانت على القدر نفسه من الفعالية التي اتّسمت بها العقوبات التي فرضها أوباما، حتّى بدون دعم دولي مهم. بيد أنّها وصفت أيضاً تصاعد التوترات في الخليج الذي أعقب قرار ترامب في مايو 2019 باللجوء إلى العقوبات كوسيلة للوصول إلى توقّف تام في صادرات إيران النفطية. فقالت مالوني إنّ إيران، من خلال الهجمات التي شنّتها، برهنت على أنها قادرة على تنفيذ التهديد الذي لطالما تحدّثت عنه القيادة الإيرانية من الثمانينيات، وهو أنّه إن عجزت إيران عن تصدير نفطها، لن يكون باقي المنطقة في أمان لتصدير النفط أيضاً. وحثّ التصاعد في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج فرنسا على قيادة مجموعة من المبادرات الدبلوماسية والولايات المتحدة على البحث عن سبل للخروج من المعمعة التي ولّدتها.
وتابع عباس مالكي النقاش مشيراً إلى أنّ أربعين عاماً من العداوة المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران أفضت إلى شكوك وتصورات خاطئة حدّت من الخيارات حول السياسات لدى الجهتَين. بيد أنّه قال إنّ العداوة من الجهة الإيرانية أقلّ بروزاً من عداوة الجهة الأخرى، مُستذكراً التعاطف الذي أبدته إيران مع الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر ومشيراً إلى احترام الإيرانيين للثقافة والفنون والعلم والتكنولوجيا الأمريكية. وقال مالكي أيضاً إنّ الولايات المتحدة تعتقد أنّ لإيران أجندةً توسّعية في ما يخصّ صواريخها البالستية وبرنامجها النووي وعلاقاتها مع حزب الله وحركة حماس والنظام السوري والصين وروسيا. وأضاف أنّ إيران ترى في الولايات المتحدة قوّةً تعديلية وتعزو معارضتها للبرنامج النووي الإيراني إلى معارضتها للتقدّم الفكري والتكنولوجي في إيران.
وفي معرض الحديث عن الدبلوماسية بين البلدَين، قال مالكي إنّ إيران تعتمد دبلوماسية الردع، فيما تلجأ الولايات المتحدة إلى الدبلوماسية القسرية. ووصف دبلوماسية الولايات المتحدة تجاه إيران بمقاربة “الجزرة والعصا” التي من خلالها تعامل الولايات المتحدة إيران على أنّها دولة معادية لا تستجيب إلا بالإكراه. واعتبر مالكي أنّ المفاوضات بين الدولتَين يمكن تفسيرها برغبتهما في المحافظة على الوضع الراهن، لأنهما تظنّان أنّ الوضع الحالي هو الأنسب. فللولايات المتحدة قدرة وصول إلى دولٍ مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، فيما لإيران حلفاء مثل حزب الله في لبنان والحكومة العراقية والنظام السوري وحركة حماس في فلسطين. وخلُص إلى أنّه في حال أرادت الدولتان التركيز على القيم والمصالح المشتركة، يمكن أن يفتح ذلك ربّما قنوات تواصل مباشر وأن يُرسي الثقة، مشدّداً على أهمّية مراكز البحوث حول السياسات في السير قدماً بالعلاقات الأمريكية الإيرانية.
ووصف عمر عياصرة العلاقة الأمريكية الإيرانية بعلاقة غير اعتيادية، مشيراً إلى أنّ إيران تحت الحصار منذ أربعين عاماً لكنّها مع ذلك تمكّنت من تحقيق إنجاز جيوستراتيجي. وأعطى تخميناته حول ما إذا كان مردّ هذا الإنجاز العبقريّة والدبلوماسيةُ الإيرانية أم طبيعة العقوبات والسياسات الأمريكية تجاه إيران. فقال عياصرة إنّ طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية الراهنة أقنعت الإيرانيين أنّه لن تندلع حربٌ شاملة، مُضيفاً أنّ إيران والولايات المتحدة على حدّ سواء مقتنعتان أنّ الحوار هو النتيجة المحتومة وأنّه يتوقّع أن تُقدّم الجهتان كلتاهما مساومات. وقال إنّ دول الخليج منقسمة حيال الطريقة التي عليها أن تعتمدها في مقاربة إيران، فالمملكة العربية السعودية تعمل على معارضة استراتيجيات إيران فيما تبحث دولٌ أخرى، مثل عمان وقطر، عن وساطة. وأشار عياصرة إلى أنّ إسرائيل جهة فاعلة نافذة في ما يخصّ العلاقات الأمريكية الإيرانية، قائلاً إنّ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي يتراصف مع المصالح الإسرائيلية، وتساءل إن كانت الجهتان ستجلسان يوماً إلى طاولة المفاوضات وإن كانت إيران ستعتبر يوماً قوّة إقليمية.
وألقت جلسة الأسئلة والأجوبة الضوء على أثر العقوبات الأمريكية في قطاع الطاقة الإيراني واحتمالية التصعيد بين طهران وواشنطن ومسائل حول السياسات. وكرّرت مالوني تشاؤمها في ما يخصّ تطوير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مشيرة إلى أنّ الثقة على مستوى القيادتين مفقودة. وردّاً على سؤال عن التظاهرات وسياسة إيران الداخلية، قال مالكي إنّ الحكومة الإيرانية استنتجت أنّه من الأفضل السماح للمواطنين التظاهر والتعامل معهم بصبر، مشيراً إلى التظاهرات الأخيرة حول قطاعات التعليم والصناعة والزراعة. وختم عياصرة الجلسة بالتأكيد على أنّ إيران بالفعل قوّة إقليمية لكنّها ستبقى على الأرجح معارضة للولايات المتحدة، مستبعِداً حصول تسوية ودّية بين البلدَين.