Commentary

هل حان الوقت لكي تؤدّي الهند دوراً في عملية السلام الإسرائيلي- الفلسطيني؟

India's Prime Minister Narendra Modi waves upon his arrival to meet with Palestinian President Mahmoud Abbas (not pictured) in Ramallah, in the occupied West Bank February 10, 2018. REUTERS/Mohamad Torokman - RC1E60B31120
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في موقع ذا ديبلومات.

توضّح الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى فلسطين بعد أسابيع قليلة من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للهند، لما يمكن لقوى صاعدة، مثل نيودلهي، أن تؤدّي دوراً هاماً في بناء السلام بين إسرائيل وفلسطين، وفي الشرق الأوسط الأوسع. لقد دمَّر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بشكل لا رجعة فيه، صورة الولايات المتحدة الأمريكية كحَكَمٍ وسيطٍ موثوق في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وفي المقابل، أخذت بعض القوى الصاعدة، كالهند مثلاً، تلقى قبولاً من قبل شريحة واسعة من اللاعبين الإقليميين.

ومع أن دلهي قوَّت علاقاتها الأمنية مع إسرائيل، إلا أنها عزَّزت فى الوقت نفسه علاقاتها مع السلطة الفلسطينية. وقد مكَّنت صورة “صديقة الجميع” هذه نيودلهي من الحصول على دعوة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للمشاركة في “منتدى متعدد الأطراف” تم اقتراحه لإجراء مفاوضات حول اتفاق سلام بين فلسطين وإسرائيل – وهو دور أصبحت الهند أكثر قدرةً على شغلِه.

الموضوعية

لقد قيَّم الكثيرون الفخامة والمراسم التي رافقت زيارة نتنياهو إلى نيودلهي، واعتبروها دليلاً على التقارب المتزايد بين الهند وإسرائيل، وهذه المودَّة العامة عكست مصالح نيودلهي الاستراتيجية. يعتمد الجيش الهندي على التكنولوجيا الإسرائيلية في ساحة المعركة؛ فقد وقَّعت الهند وإسرائيل العام الفائت صفقة بقيمة ملياريّ دولار ثمن نظام صواريخ متقدِّم أرض – جو متوسط المدى. وقدّمت إسرائيل نفسها كأحد أكبر مصادر تسليح الهند، مع حصّة بلغت 7,2 في المئة من واردات الهند من الأسلحة بين عاميّ 2012 و2016.

لكن ورغم أن المخططات الأيديولوجية لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا الحالية وبعض المصالح الأمنية تشير إلى استقبال المبادرات الإسرائيلية بالترحيب الحار، إلا أنّ هناك عوامل هيكلية هامة تدفع الهند إلى المحافظة على نهجٍ متوازن تجاه القضية الإسرائيلية –الفلسطينية. إنّ الخطاب البلاغي حول “الفصل” الإسرائيلي – الفلسطيني هو محاولة لتبرير هذه الموضوعية أمام الساعين إلى دفع الهند لدعم طرفٍ على حساب طرفٍ آخر. وفي حين لا توجد علاقة ثنائية مستقلة تماماً عن العلاقات الأخرى، فإن صدَّ القوى التي تعتمد على صانعي السياسات الهندية تؤكد اتخاذ نيودلهي نهجاً محايداً نسبياً.

يشعر صنَّاع السياسة الهنود أنه في عالم يشهد ازدياداً مطرداً في التعددية القطبية، فإنّ الطريقة المُثلى لتحقيق أقصى قدرٍ من النفوذ تكون بجعل الدول الأخرى تعمل من أجل مصلحة واحدة، بدلاً من أن تكون مواقفها تحصيل حاصل نتيجة تحالفها مع الآخرين. وهكذا، فإنّ ما كان يُروَّج له على أنه عدم انحيازٍ مثالي قد تطور الآن وتغيَّر اسمه إلى استقلال استراتيجي واقعي.

وفي سياقٍ متصل، فإنه يوجد تباين جوهري وطويل الأمد في الأجندات الاستراتيجية لكلٍ من الهند وإسرائيل. فمع أنّ المصالح الإسرائيلية تركّز على الاستفادة بشكل كبير جداً من الهيمنة الغربية المستمرة، إلا أنّ الهند تسعى للوصول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.

من الزاوية السياسية، نرى أنه ورغم التقارب السياسي المتزايد لقاعدة دعم حزب بهاراتيا جاناتا مع إسرائيل، إلا أنّ الحزب يحتاج إلى دعم الأقلية المسلمة الكبيرة في الهند لكسب السلطة في بعض المقاطعات. وعلاوة على ذلك، لا تزال مؤسَّسة السياسة الخارجية والجماهير اليقظة تحمل شعوراً عميقاً بضرورة مقاومة القوى الاستعمارية، والاعتراف بالقضية الفلسطينية.

الأهم من ذلك هو أنه يُنظر إلى الهند على أنها قادرة على العمل بشكل مستقل أكثر من العديد من الدول الغربية، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ويتجلى ذلك في حقيقة أنه عندما تتصادم أفضليات إسرائيل مع استقلالية نيودلهي الاستراتيجية، فإن الأخير ينتصر دائماً. وزيارة مودي إلى فلسطين هي مثالٌ مهمٌ على هذه الحقيقة. والأهم من ذلك هو أنه، ورغم إصرار إسرائيل والولايات المتحدة على تقليص الهند علاقاتها المتعلقة بالطاقة والدفاع مع إيران، إلا أنّ الهند لا تزال تعتمد على النفط الإيراني وتشارك في التعاون الدفاعي. حتى إنّ مودي قام بزيارة لإيران في العام 2016، ووصل الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الهند هذا الأسبوع في زيارة خاصة. تضمَّنت الخطابات التي ألقاها مودي خلال زيارتيه لإيران وفلسطين إشارات تؤكد عمق العلاقات التي تربط بين الهند والبلدين، وبدت شبيهة بالخطابات التي أُلقيت خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي لإسرائيل.

وبالنسبة للجمهور العالمي، تقدِّم الهند صورة للاعتدال في ما يتعلق بمواقفها من الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط. فرغم أنّ دلهي تعطي الأولوية للسيادة وعدم التدخل، إلا أن تقديم الدعم المعسول لسوريا والعراق ما قبل العام 2003، في مواجهة الغرب، ودخول روسيا من جديد إلى المنطقة ودفاعها القوي عن دمشق يجعل موقف نيودلهي وسطياً أكثر.

النفوذ للتأثير

وبما أنّ إسرائيل هي الطرف الأكثر قوة في الصراع غير المتوازن مع فلسطين، فإنّ أي حَكَم في عملية السلام يجب أن يكون قادراً على ممارسة بعض النفوذ على الحكومة الإسرائيلية، حتى لو تمَّ ذلك بالتعاون مع قوى أخرى كجزء من منتدى متعدد الأطراف. تتجلَّى أهمية الهند وتأثيرها بالنسبة لإسرائيل في الجهد الدبلوماسي الذي يبذله نتنياهو لإنجاح العلاقة، رغم تصاعد السطوة الإقليمية النسبية لإسرائيل (فالأطراف المناوئة لها في المنطقة مثل سوريا وحزب الله مشغولان بحروب بالوكالة، والعالم العربي منقسم، وهناك انفراج في العلاقات الدبلوماسية بينها وبين المملكة العربية السعودية، واعتبارها شريكاً ضد العدو المشترك، إيران). ويرجع ذلك جزئياً إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فالهند هي سوق للتكنولوجيا الدفاعية الإسرائيلية، إذ إنّ 40 أو 45 في المئة من صادرات الدفاع الإسرائيلية تذهب إلى الهند.

وقد يكون الخبراء الاستراتيجيون الإسرائيليون مدركين، على الأرجح، بأن الديناميات الحالية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الهيمنة الأمريكية، سوف تتغير على المدى الطويل، ويجب إيلاء المزيد من الاهتمام للقوى الآسيوية. وهذا يجعل العلاقة مع الهند ذات أولوية جزئية لحكومة نتنياهو (رغم توازن هذا الأمر مع محاولات إسرائيل الأكثر حذراً لزيادة تجارتها الدفاعية مع الصين). ومع ازدياد المشاركة الاستراتيجية للقوى الصاعدة في الشرق الأوسط، فإن تدخّلها يمكن أن يهزّ القاعدة الوطيدة للوضع الراهن، الذي يضمن هيمنة استراتيجية منيعة لإسرائيل. تتمتع إسرائيل في الوقت الحاضر بتأثير كبير على عملية صنع القرار التي يضطلع بها أقوى لاعب في الشرق الأوسط، أي الولايات المتحدة الأمريكية. فروابطها مع أمريكا متينة ومتعددة الأوجه، وهي تشمل العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية والمؤسساتية، ناهيك عن العلاقة بين شعبيّ البلدين، لكنها لا تتمتع بأية علاقةٍ من هذا القبيل مع أيٍ من القوى الصاعدة.

مصالح الهند

رغم أنّ الهند لا تملك الموارد الدبلوماسية أو الطموح للقيام بدور مستقل في عملية السلام، إلا أنّ المشاركة بشكلٍ أكبر، من خلال العضوية في منتدى متعدد الأطراف، قد تكون مسألة جديرة باهتمام نيودلهي. هناك مصالح استراتيجية كبيرة للهند على المحك – وهي شبيهة بالمصالح التي جعلت القوى الصاعدة في القرن الماضي، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تعزِّز تدخُّلها في المنطقة. وبالمقارنة مع القوى العظمى الأخرى، فإنّ الهند تعتمد اعتماداً كبيراً على مصادر الطاقة الأجنبية. إنّ عدم الاستقرار يهدّد هذه المصالح وانتشارها في المنطقة. سيعزّز تأثير الهند على عملية السلام صوت نيودلهي في مراكز القوى الإقليمية، بما في ذلك الأطراف المشاركة في حروب بالوكالة – سواء أكانت إسرائيل أو الدول العربية أو إيران. وتسعى السياسة الخارجية الهندية أيضاً إلى تعزيز مكانة الهند ومهابتها في العالم. أما الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي يُعتبر أهم صراع في العالم فيتيح لنيودلهي فرصةً كبيرة لتقديم أوراق اعتمادها كزعيم عالمي، وللتنافس مع الصين كبطل من أبطال العالم الجديد.

إنّ الاضطرابات الحالية تعني أنّ دعوات عباس المتكررة لقيام الهند أو غيرها بدور محتمل في عملية السلام تبدو صالحة للاستمرار على نحو متزايد، إذ تبدو كافة الدروب الأخرى مسدودة. تتمتع القوى الصاعدة، كالهند مثلاً، بتاريخٍ أكثر رفقاً بالمنطقة، وصورةٍ محايدة، وتزايدٍ في القوة والفاعلية. وكما أظهرت الخطوة التي قام بها ترامب بشأن القدس، فإن إطار العمل الراهن للاعبين الدوليين في المنطقة قد فقد مصداقيته على المستويين الدولي والإقليمي. إنّ تحوّل القاعدة الأساسية نحو شرق أوسط متعدد الأقطاب ربما بات يقدّم الآن، رغم ما قد يرافقه من مخاطر مجهولة، طريقاً جديرةً بالاستكشاف، لتحقيق السلام في أكثر صراعات المنطقة تعقيداً.

Author