Commentary

هل يمكن لرئيس الوزراء التونسي الجديد أن يعالج مسألة غياب الثقة؟

A person holds up a Tunisian flag and shouts slogans during celebrations marking the fourth anniversary of Tunisia's 2011 revolution, in Habib Bourguiba Avenue in Tunis January 14, 2015. REUTERS/Anis Mili

من المتوقع أن يعلن رئيس الوزراء التونسي المكلّف يوسف الشاهد هذا الأسبوع عن تشكيل حكومته، وذلك قبل الموعد النهائي المحدد في 3 سبتمبر. تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الشاهد الذي عينه الرئيس الباجي قائد السبسي في 2 أغسطس بعد أن فشل رئيس الوزراء السابق الحبيب الصيد في تصويت حجب الثقة. ففي حال نجح في تشكيل حكومة والحصول على موافقة مجلس نواب الشعب، سيكون عليه أن يقود أجندة تشريعية تتضمن معالجة الوضع الاقتصادي المتدهور بسرعة في تونس وتطوير إجراءات وقائية ضد الهجمات الإرهابية في المستقبل. وكان الشاهد قد قال علناً إنه سيضع على رأس أولوياته مكافحة الفساد و “كسب الحرب على الإرهاب”. بيد أنّه قد تكون مهمته الأصعب هي إعادة بناء الثقة في الحكومة المنتخبة ديمقراطياً الوحيدة في العالم العربي.

وفي حين تتلقى تونس الإثناء على التزامها في العملية الديمقراطية باستمرار من قبل المراقبين الخارجيين، بمن فيهم أنا، إلا أنّ ثقة التونسيين في حكومتهم قد وصلت إلى مستويات منخفضة بشكل مذهل، مما يدل على أن التجربة الديمقراطية هي أبعد ما تكون عن الاكتمال. وخلال المقابلات التي أجريتها في شهر يونيو مع تونسيين من مختلف الانتماءات السياسية داخل الحكومة وخارجها، لاحظت خيبة أمل عارمة من مجلس نواب الشعب. إذ أدّت المناورات الداخلية في الحزب، والتي أسفرت عن الاطاحة بالصيد، إلى تقاعس تشريعي وفي المقابل تدني مستوى ثقة الشعب. وقد وصف التونسيون الشباب، بشكلٍ خاص، مجلس نواب الشعب بأنه غير فعال وبعيداً كل البعد عن احتياجاتهم. وقال لي أحد المسؤولين، “هناك جدار بين الشباب والدولة”. واعترف العديد من الشباب الذين تحدثت إليهم بأنهم قد انسحبوا تماماً من السياسة خلال السنوات القليلة الماضية، إذ امتنعوا عن التصويت وتركوا الأحزاب السياسية. أما أولئك الذين يرغبون في البقاء في مجال السياسة غالباً ما يقومون بذلك من خلال المجتمع المدني أو النشاط غير الرسمي، بدلاً من المجال السياسي الرسمي.

وفي بلدٍ حيث ثلث الشباب عاطلون عن العمل بالإضافة إلى مغادرة 6,000 إلى 7,000 شخص للانضمام إلى داعش، فإنّ استمالة الشباب ليست مجرد أداة لكسب الأصوات (بخاصة لأنهم يميلون إلى عدم التصويت)، بل ضرورة للأمن القومي. يبدو الشاهد أنه مدركٌ لهذه النقطة، وقد وعد بإعطاء الأولوية لاحتياجات الشباب. إلا أن صغر سنه، 41 عاماً، بالمقارنة مع الصيد، 67 عاماً، قد لا يكون كافياً لكسب ثقة الشعب التونسي.

وبحسب بيانات الاقتراع، لقد فقد التونسيون من جميع الفئات العمرية الثقة في حكومتهم. وجاء في أحدث استطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي أنّ حوالي 60 بالمئة من التونسيين يعتقدون أن الحكومة “لا تفعل شيئاً” من أجل تحقيق مصالحهم. كذلك، وجدت منظمة الباروميتر العربي مؤخراً أنّ 20 بالمئة فقط من التونسيين يثقون في البرلمان. والأرقام أسوأ بين الشباب. أفاد البارومتر العربي أن الشباب (بين 18 و34عاماً) “يثقون أقل بـ 17 نقطة أقل في الحكومة من أولئك الذين هم بسن الـ 35 وأكثر”.

لن يكون من السهل على الشاهد التغلب على هذه الاتجاهات خاصّة وأنه بدأ فترة ولايته مع عائقين كبيرين. أولاً، وبحسب التقارير فإن هناك صلة قرابة بعيدة تجمعه بالرئيس السبسي، من خلال الزواج. رغم أن السبسي ينفي هذه التقارير، إلا أنّ مجرّد فكرة أنه قد يعين قريباً له رئيساً للوزراء قد نفّرت العديد من التونسيين، بما في ذلك من داخل حزب نداء تونس الذي يقوده السبسي. ولا بد للإشارة إلى أنّ الحزب قد شهد انقساماً داخلياً كبيراً في وقت سابق من هذا العام يرجع في جزء كبير منه إلى تكهناتٍ بأن السبسي كان يحاول إعطاء ابنه حافظ القيادة في الحزب.

ثانياً، لا تساعد خلفية الشاهد غير السياسية قضيته، فهو، مثل سلفه، تكنوقراطي لديه خلفية في الزراعة. صحيحٌ أنه شغل منصب وزير الشؤون المحلية في حكومة الصيد، إلا أنه قد عمل خلال معظم مسيرته المهنية خبيراً في السياسات الزراعية الدولية يقدّم المشورة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول التنمية الزراعية. رغم أن علاقاته الدولية القوية قد أكسبته الثناء في الخارج، إلا أنّ عمله لحكومات أجنبية لا تثير نفس المشاعر الإيجابية في الداخل. هذا وقد خلق غياب خبرة الشاهد في الساحة السياسية تكهنات بأن رئيس الجمهورية، وليس رئيس الوزراء، سيمسك بزمام الأمور.

إنّ الشاهد محق في تركيز اهتمامه على الفساد. مما لا شكّ فيه أنّ أمامه مهمة صعبة، إذ يتعين عليه أن يوازن بين المضي قدماً (كالتخلص من ثقافة الفساد التي ورّثها عن نظام بن علي) والتعامل مع الماضي (كتوفير آلية لعدالة انتقالية ومصالحة للشعب التونسي). حتى الآن قوبلت الجهود المبذولة لوضع مسودة قانون مصالحة اقتصادية بغضب المجتمع المدني والاحتجاجات الشعبية. يتعين على الشاهد أن يعمل مع المجتمع المدني لتطوير قانون يرضي حاجة الشعب إلى إغلاق ملف جرائم النظام السابق.

ومن أجل أن تكون أي قوانين أمنية ناجحة، لا بد من موافقة الجميع مشاركتهم. وهنا، على الشاهد، أن يحقق التوازن بين حماية سلامة الشعب التونسي وحماية حرياتهم التي عملوا جاهداً لتحقيقها. ولكن حتى لو كانت حكومة الشاهد قادرة على تحقيق التقدم التشريعي الذي لم تتمكّن حكومة الصيد تحقيقه، إلا أنّ من دون معالجة مسألة غياب ثقة الشعب ودعمه، سيبقى الخطر يحيط بالنجاح الديمقراطي في تونس.