Research

حصص الإدارة بصندوق النقد الدولي: المبادئ والخطوط العريضة والوضع الراهن

موجز

ستعيد حكومات الدول الأعضاء في الأشهر القادمة عقد المفاوضات حول أسعار الحصص والحصص الخاصة بحقوق التصويت – أو بعبارة أخرى “حصص الإدارة “- في صندوق النقد الدولي. ويأتي هذا المقال مُسلطًا الضوء على المبادئ والخطوط العريضة التي تقف كمعايير مثالية يتعين الآخذ بها إبان عقد المفاوضات.

ومن منطلق التأكيد على المبادئ الأساسية وتقديم أفكار حديثة، يتعارض هذا التحليل مع المنهج الحالي للمفاوضات. إلا أن بعض المشاركين والمراقبين يروا أن هذا التحليل قد يكون مفيدًا إذا ما تم استخدامه كمرجع يساعدهم على تكوين رؤية كلية لحقيقة الأمور. إضافة إلى هذا، ستجد الحكومات نفسها في نهاية المطاف مضطرة لأن تحدد حصص الإدارة بصندوق النقد الدولي في ظل خطوط عريضة تكون أكثر صمودًا وأفضل استمرارية على المدى الطويل. ويجب أن يعد هذا التحليل على الأقل بمثابة علامة تحذير ضد النزعة إلى اختيار حلول قصيرة المدى تزيد المشكلات المستقبلية سوءًا.

تبدأ هذه الدراسة بالمبادئ ذات الصلة ثم تفسر الحاجة إلي وضع “معادلة للحصص” استنادًا إلى تقييم موضوعي يقيس الحالة النسبية للبلدان في ضوء الأوضاع العالمية للسياسة والاقتصاد والنظام المالي. ولا توجد معادلة واحدة نستطيع أن نجزم بأنها الأفضل دون أن يُحوطها علامات الاستفهام. ولكن توجد مؤشرات قوية لإمكانية الوصول إلى معادلة مُرضية تمثل نقطة بداية موضوعية للتفاوضات. إن المعادلة الموضوعية تعد مفهوم افتراضي يتفوق على الاجراءات البديلة التي تتجاهل التقييم الموضوعي للوضع النسبي الخاص بدول الأعضاء. فالنتيجة النهائية للتفاوضات يجب أن تكون مزيجًا متقنًا من حسابات المعادلة والتفاوض السياسي البنّاء.

إن الهيكل المفضل لمعادلة توزيع الحصص يجمع متغيرات يعبر عنها من خلال الحصص الجزئية التي تمتلكها الدولة العضو في صندوق النقد الدولي من مجموع الحصص الكلي. ويجب أن تضم هذه المعادلة متغيرات قائمة على نسب الحصص إلى جانب متغيرات قائمة على مستويات الحصص. ويمكن للمتغيرات القائمة على نسب الحصص أن تُعد الأفضل من حيث تحديد السمات التي تميز المعالم السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء والتي تكون متميزة في جودتها بالمقارنة مع تلك المعالم التي تتعين في الغالب من منظورحجم الاقتصاد.

وإن أكثر المقاييس شمولاً تعتمد في تقديرها للوضع النسبي لاقتصاد البلدان على إجمالي الناتج القومي أو الدخل القومي- الذي يُقاس وفقا لأسعار السوق وأسعار الصرف أو وفقا لتعادل القوى الشرائية أو يُقاس وفقا لكلا الأمرين . وتعد المتغيرات المبنية على إجمالي الناتج القومي أهم فئة في المتغيرات التي تشتمل عليها معادلة الحصص . في حين يُنظر إلى المعايير الأخرى على إنها ذات صلة. ومبدئيا، ينبغي دمج متغيرات النشاط المالي (بالرغم من أن عدم توافر معلومات كافية عن كافة دول أعضاء صندوق النقد الدولي قد يحول دون إتمام ذلك في المستقبل القريب). وتستحق الحصص من تعداد سكان العالم أن تؤخذ في الحسبان (على الرغم من فشل المحادثات الرسمية في مناقشة هذا الاحتمال). ويوجد ثمة متغيران من المتغيرات القائمة على نسب الحصص جديران بوضعهما في الاعتبار ألا وهما إجمالي نسبة معاملات الحسابات الجارية عبر حدود الدول إلى إجمالي الناتج القومي بسعر السوق (إجراء أكثر تحليلاً ومناسب بشكل أكبر للانفتاح الحسابات الجارية بالمقارنة مع المتغير الخاطئ “للانفتاح” الجاري استخدامه حالياً) ومعيار قياسي لمتغير المعاملات عبر الحدود (معدل حسابات الانحراف المعياري للمتغيرات المقاسة بسعر السوق لإجمالي الناتج القومي ). وبالطبع يمكن أن تؤدي رؤى بديلة للمفاهيم إلي اختيارات مختلفة عن المتغيرات التي تندرج بمعادلة الحصص.

ويدرس هذا البحث، مقابل الإطار المرجعي للمبادئ والخطوط العريضة العامة، معادلة الحصص الحالية التي سبق الاتفاق عليها وقت اعتماد مجموعة الإصلاحات بالإدارة في نيسان/ابريل 2008. وقد ورد في البيان الرسمي في أيلول/ سبتمبر 2009 للقاء الدول العشرين الكبرى في بيتسبورغ أن “نحن [زعماء الدول العشرين الكبرى] ملتزمون بتحويل نسب الحصص إلى السوق الناشئ الديناميكي والدول النامية بنسبة 5% على الأقل من الدول فائفة التمثيل إلى الدول قاصرة التمثيل استنادًا للمعادلة الحالية لتوزيع حصص صندوق النقد الدولي كأساس للعمل (أُضيفت بأحرف مائلة). كما أننا ملتزمين بحماية الحصص التصويتية للدول الأكثر فقرًا في صندوق النقد الدولي”. وللأسف لا يوجد طريقة مباشرة – مع اختلاف التأويلات- لاستخدام المعادلة الحالية كأساس يُمكن من الإيفاء بهذا الالتزام. وتُقدم المعادلة الحالية مبررًا لحساب زيادة كبيرة في نسبة حصة الصين وزيادات كبيرة لحساب دول مثل المكسيك والبرازيل وتركيا وزيادات متوسطة للعديد من الدول ذات الأسواق الناشئة. ولكنها تسجل انخفاضًا في حصص دول مثل الهند وروسيا وباكستان وبيرو. وترصد المعادلة لتكتلات كافة الدول انخفاضًا في نسب الحصص إلى ما يصل إلي 3.09% نقطة باستثناء الصين والهند والبرازيل والمكسيك وروسيا التي تصنف كدول غير متقدمة والأقل دخلا. وبحساب الدول السبعة الكبرى معًا نجد أنهم ذات تمثيل زائد بمقدار ضعيف يصل إلي 0.31% نقطة مئوية. وبالنسبة للدول الأحدى وسبعين المؤهلة بدءًا من أواخر عام 2009 للاقتراض من الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقرالتابع لصندوق النقد الدولي، نجد المعادلة تُظهر انخفاضًا في الحصة الكلية بنسبة 1.74 نقطة مئوية.

وتفرض المعادلة الحالية آلية رياضية عشوائية تعتمد على “عامل الضغط”. وإذا حُذف هذا العامل من حسابات المعادلة، ستزداد حدة المشكلات الناتجة عن استخدام هذه المعادلة. فعلى سبيل المثال تحسب الدول السبع الكبرى على أنها قاصرة التمثيل بنسبة 2.35 نقطة مئوية! والنسبة للدول الأحدى وسبعين في الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر نجد أن المعادلة الحالية دون عامل الضغط تشير إلي انخفاض أكبر في الحصة الكلية بمعدل 2.16 نقطة مئوية.

ولا مفر هنا من أن نجمع على أن المعادلة الحالية تعد أساسًا غير كافيا يمكن العمل من خلاله إذا كانت هناك رغبة حقيقة في زيادة الحصة الكلية للأسواق الناشئة الديناميكية والدول النامية بمعدل 5 نقاط مئوية. وإذا كان الهدف هو منع تقليل أسهم الحصص للدول الأكثر فقراً الأعضاء في صندوق النقد الدولي فالمعادلة الحالية إذا في الاتجاه الخاطئ . وبغض النظر عن التعبيرات اللغوية الجميلة فإن المفاوضين سيتحتم عليهم أن يهجروا المعادلة الحالية ويجدوا طريقة أفضل لصياغة قراراتهم وتفسيرها.

وقد يشير أحد الاحتمالات إلى الإطاحة بجميع المعادلات ومناقشة حل وسط في إمكانه أن يفوز بإجماع الآراء من قبل دول الأعضاء الكبرى بصندوق النقد الدولي وأكثرهم نفوذًا. إلا أن هذا المسار يمكن أن يُضعف الجهود الرامية إلى بلورة مفهوم افتراضي يستند عليه التقييم الموضوعي لوضع الدول النسبي.

وتشرح هذه الدراسة، من أجل تشجيع التفكير في عمل مراجعات ممكنة على معادلة الحصص، معادلة توضيحية وتنقل النتائج المترتبة على استخدامها. تشير هذه المعادلة التوضيحية إلى أهمية لاعتماد على الجوانب المرتبطة بمتغيرات إجمالي الناتج القومي وتقلل من الارتكاز على التعاملات العابرة للحدود في ضوء متغيرات غير مقاسة و الاحتياطات الدولية وتضيف متغير جديد للحصص في تعداد السكان وتقدم متغيرات التي تعتمد على نسب الحصص للانفتاح الحسابات الجارية ومتغيرات مقاسة. ولا يمثل نموذج هذه المعادلة أمرًا يوصي باعتماده بقدر ما يمثل حافزًا للتفكير في كيفية تحسين قدرة معادلة الحصص على تحقيق الأهداف العامة لصندوق النقد الدولي.

وتنتج المعادلة التوضيحية نتائج مختلفة للغاية عن تلك التي تنتج من المعادلة الحالية. فعلى سبيل المثال، الدول السبعة الكبرى زائدة التمثيل بنسبة كبيرة تصل إلي 4.72% نقطة. وتُحسب حصة الصين بنسبة عالية للغاية، وتتفوق الحصص المحسوبة للهند والبرازيل والمكسيك بدرجة كبيرة. أما دول الأعضاء الأكثر فقرًا في صندوق النقد الدولي البالغ عددهم 78 دولة والمصرح لهم بالاقتراض من الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر فهي تعد ذات تمثيل منخفض بنسبة 5.02% نقطة (بدل من أن تكون زائدة التمثيل بنسبة 2.25% نقطة).

وتمثل المعادلة التوضيحية تطورًا في جوانب عدة إلا أن بعض النواحي الأخرى لا تزال شائكة. وبالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي فإن الزيادات الطفيفة المحسوبة في الحصص يمكن أن تكون محورًا للجدل. ولاشك في أن العديد من المساهمين الرسميين في المفاوضات سينظرون على هذا النموذج التوضيحي على أنه بعيد كل البعد عن هدف تحويل الحصص من الدول المتقدمة نحو الأسواق الناشئة والدول النامية.

وتُعد التعديلات في نسب الحصص المجمع إقرارها في المفاوضات القادمة فضلا عن التغيرات المترتبة على حصص التصويت ما هي إلا مجرد جزء من لقضية أكبر تتعلق بإصلاح النظام الإداري لصندوق النقد الدولي. إن حجم وتكوين المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، ومن ثم تنظيم الأعضاء إلي دوائر، يكونان على نفس القدر من الأهمية. وتشمل الأمور المهمة الأخرى حجم زيادات الحصص المتوقعة ومخصصات حقوق السحب الخاصة SDR وتطبيق المجلس الوارد كاحتمال في بنود الاتفاقية.

تنصب هذه الدراسة على بؤرة اهتمام محددة ولا تسعى إلى تغطية الأبعاد الأخرى لإصلاح النظام الإداري. إلا أن هذه الأبعاد متداخلة بشكل متقارب مع ما تم تحليله هنا. ويُعد الوصول إلى معادلة وطرق محسنة لتوزيع أسهم الحصص من الشروط الضرورية- إن كان ضروريا فهو ليس كافيا- لحسم جملة قضايا الإدارة حسمًا مرضيًا.
يجب على المجتمع الدولي عند عقد المفاوضات القادمة في 2010 أن يكون صادقًا في إقراره بعدم فعالية معادلة الحصص الحالية وأن يحاول أن يتوصل إلي اتفاق على منهج عمل أفضل لتحديد حصص الإدارة.