Research

بطاقة بريدية من القدس ورام الله

Martin S. Indyk
Martin S. Indyk
Martin S. Indyk زميل سابق في بروكنجز

July 12, 2010

في زيارته التي دامت من 24 إلى 30 حزيران/يونيو 2010 إلى القدس ورام الله، والتي التقى خلالها بكبار القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، شعر مارتن إنديك بتحول في المزاج، والذي قد يُعد مؤشرًا جيدًا على النضوج المتزايد على عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

رام الله تبدو وكأنها مدينة مزدهرة. ولا يزال اقتصاد الضفة الغربية آخذاً في النمو بمعدل قوي يبلغ 11 بالمائة، مما يشعل رغبة الفلسطينيين في حياة طبيعية بعد عشر سنوات من المعاناة التي خلفتها الانتفاضة. وليس هناك رغبة لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية في العودة إلى العنف؛ وهو شعور يتقاسمه معهم نظرائهم في غزة على ما يبدو، حيث تخفيف إغلاق إسرائيل لقطاع غزة يحمل الأمل في بداية جديدة.

ومن المستغرب أن أزمة أسطول غزة يبدو أنها قد عززت الشعور لدى قيادة الضفة الغربية بأن الوقت قد حان لمحاولة إبرام اتفاق مع إسرائيل. ويبدو أن أبو مازن، مدعومُا بلقاءاته مع البيت الأبيض ومع الزعماء اليهود الأمريكيين، على استعداد للانتقال إلى مفاوضات المباشرة مع بيبي نتنياهو. إنه يتحلى بالمرونة إزاء ورقة التين الضرورية لجعل ذلك ممكنا – حيث أنه يبحث فقط عن تفسير موثوق يستطيع أن يقدمه لجامعة الدول العربية التي كلفته بالمشركة في “محادثات التقارب” الجارية. وإذا كانت إسرائيل ستسمح للشرطة الفلسطينية باستئناف السيطرة على “قرى” المنطقة ب (حيث سيحتفظ جيش الدفاع الإسرائيلي بالسيطرة الأمنية الكاملة)، وتعلن أنه لن يكون هناك توغلات لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدن المنطقة أ (حيث من المفترض أن تتولى قوات الأمن الفلسطينية المسؤولية الكاملة) فهذا من المحتمل أن يحل الأزمة. إنه يعتزم مواصلة حملة الدبلوماسية العامة التي تهدف إلى إقناع الإسرائيليين ومؤيديهم من اليهود الأمريكان أن لديهم شريك فلسطيني في عملية صنع السلام. حتى أنه مستعد للتصدي للكنيست.

أما في إسرائيل، نجد أن المزاج العام في حالة تغير مستمر. ففي حين كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستعد للمغادرة لاجتماع آخر مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، كانت هناك مسيرة إلى مقر إقامته تضم 20000 مواطن إسرائيلي يطالبون بالتفاوض على عودة الجندي جلعاد شليط الذي تحتجزه حماس. ومن المعروف جيداً ثمن هذا الاتفاق: إنه الإفراج عن 1000 سجين فلسطيني من بينهم 425 من إرهابيي حماس المسؤول بعضهم عن أسوأ الهجمات على المدنيين الإسرائيليين. فيبدو أن الشعب الإسرائيلي يريد زعيمهم لمجرد المواصلة معه.

كما يعرف الشعب الإسرائيلي ثمن الاتفاق مع الفلسطينيين؛ وهو التخلي عن جميع أراضي الضفة الغربية، باستثناء الكتل الاستيطانية، وتقاسم السيادة على القدس، والتوصل إلى اتفاق بشأن اللاجئين الفلسطينيين يعوضهم عن معاناتهم ولكن يحرمهم من القدرة على العودة إلى إسرائيل. وحتى الآن لم يبدي الإسرائيليون اهتماماً يذكر بحث الزعماء على إبرام هذا الاتفاق. إنهم يشعرون بأنه “لا يوجد شريك” في الجانب الفلسطيني، لذلك لم يكن هناك سببًا يدفعهم لذلك. يبدو أن ذلك كان قبل مجيء رئيس أميركي يعرّف مصلحة الولايات المتحدة الوطنية بأنها تقتضي التوصل إلى تسوية للمشكلة الفلسطينية. وكان ذلك قبل أن تسيء حكومتهم التصرف باعتراض أسطولاً يحمل مساعدات لغزة ، مما أثار موجة من الإدانة الدولية لإسرائيل.

وشعر الإسرائيليون فجأة بأنهم وحدهم في العالم، فخافوا بالخوف على مستقبلهم. وقد عاشوا دائمًا يساورهم شعور من الفزع إزاء وجودهم، ولكن في السنوات الأخيرة، ومع تضاؤل الانتفاضة، ومع انتعاش الاقتصاد الإسرائيلي من الركود عالمي – لم يسبقها في ذلك سوى الصين فقط – بدأ الإسرائيليون يتمتعون بازدهارهم والهدوء اللذيْن يعهدوهما من قبل. إلا أن هذا الشعور المتنامي بالأمن قد فتر الآن، دافعًا إياهم في البداية إلى إذعان جماعي، ومستجمًعا إياهم بشكل غريزي وراء حكومتهم المُحاصَرة.

لكنهم تأملوا في الظروف التي يمرون بها، فالشعب بدأ صبره ينفد. إنهم يشعرون أن شؤون الدولة لم تعد مستقرة. ففي الآونة الأخيرة أساء الموساد ومعه جيش الدفاع الإسرائيلي التصرف في عمليات مباشرة مما أدى إلى الإضرار بشكل كبير بعلاقات إسرائيل الإستراتيجية مع تركيا، وسمعتها في العالم العربي. وإذا كانت إسرائيل تواجه تلك الإدانة الدولية بسبب اعتراضها لأسطول صغير، فما الثمن الذي ستدفعه إذا شنت هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، أو قصفت البنية التحتية اللبنانية ردًا على هجمات حزب الله الصاروخية؟ الإسرائيليون يفكرون الآن في هذه الأمور ويتساءلون عما إذا كان الاعتماد على الردع والقوة وحدهم كافٍ لتأمين مستقبلهم. ولعله ينبغي لرئيس وزرائهم أخذ زمام المبادرة الدبلوماسية؟

وهذا بالتأكيد الأمر الذي يحاول مستشارو نتنياهو المعتدلون أن يحثوه عليه . الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ووزير الدفاع إيهود باراك، ونائب رئيس الوزراء دان مريدور، جميعهم يرون أن إسرائيل لم تعد قادرة على البقاء على موقفها الدفاعي على الرغم من أنها تحظى بقدر كبير من التعاطف مع الظروف نتنياهو السياسية. إنهم جميعا على قناعة بأنه يجب إيجاد وسيلة مشتركة للمضي قدماً مع الرئيس أوباما. وكان اجتماع الأسبوع الماضي في البيت الأبيض في غاية الأهمية في هذا الصدد لأن نتنياهو يبدو أنه قد انقاد لرأيهم، واقترح سلسلة من الإيماءات تجاه الفلسطينيين التي من المتوقع أن تؤدي إلى المفاوضات المباشرة وربما تجنب رأي آخر بشأن مد قرار وقف المستوطنات عندما يحين موعد انتهائه في أيلول / سبتمبر. فهل كان يشير أيضاً إلى أن أوباما يعرف ما يتعين عليه القيام به على أراضي الضفة الغربية؟ وإن دل هذا المشاعر الفياضة التي تنتاب الرئيس بعد اجتماعاتهم الثنائية على شيء، فإنما يدل على أنه هناك احتمال كبير بأن يفعل ذلك.

هل يمكن لنتنياهو صنع السلام مع الحفاظ على ائتلافه اليميني؟ يبدو أن آخر الجهود المبذولة لتأمين غرفة صنع السلام بشكل أكثر عن طريق جلب حزب كاديما في ائتلاف حاكم أوسع محكومًا عليها بالفشل. كما يبدو أن تسيبي ليفني حريصة على الانضمام إلى الحكومة إذا أبدى نتنياهو جدية في صنع السلام، ولكن بيبي على ما يبدو خائفًا من ألا يثمر الاتفاق عن أي مكاسب للطرفين: وإذا انضمت ليفني إلى الحكومة الإسرائيلية، فأغلب الظن أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان سيترك الحكومة، وهذا من شأنه أن يجعل نتنياهو معتمدًا على ليفني من أجل بقاء ائتلافه. فمن الواضح أنه لا يفضل أن يتسبب في اضطراب الوضع المستقر. وهذا يعني، حتى وهو يدخل المفاوضات المباشرة، أنه سيظل مقيدًا من قبل شركائه في الائتلاف الذين لا يؤمنون بحل الدولتين.

ليبرمان يصور نفسه على أنه من أتباع هذا المعسكر، وأعلن عشيةً زيارة جورج ميتشل الماضية أنه ما من فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في العامين المقبلين. لكن ليبرمان ليس من المرجح أن يترك الحكومة إذا واصل نتنياهو مفاوضاته المباشرة مع أبو مازن، لأن بيبي وقتها سوف لن يكون لديه خيار سوى أن يضم حزب كديما إلى الائتلاف الحاكم، تاركًا ليبرمان ليقبع في المعارضة. ومع ذلك، فهو يتفهم أيضًا الحاجة إلى القيام بشيء يمكن إسرائيل من الخروج من الزاوية. وقد أطلق مبادرته للاستعاضة بالاتحاد الأوروبي عن إسرائيل لتوفير المياه والكهرباء إلى غزة، تماشيًا مع مبدأه الذي يسترشد به والمتمثل في الانفصال عن الفلسطينيين. وثمة علامة أخرى على اعترافه بتحول المزاج الإسرائيلي تتمثل في أن ليبرمان قد جدد علنًا اقتراحه بإدخال القرى العربية في منطقة الجليل في إسرائيل في مبادلة الأراضي التي يتطلبها حل الدولتين.

ومن المثير للاهتمام أن إيران لا تشغل عقول قادة إسرائيل في الوقت الحاضر (على ما يبدو أن بيبي قد وضعها جانبًا خلال لقائه مع أوباما ليركز على القضية الفلسطينية). وأحد أسباب ذلك أنهم راضون عن فرض عقوبات دولية جديدة وعن الخطوات الانفرادية التي تتخذها الولايات المتحدة وأوروبا لمنحهم بعض الأسنان الحقيقية. كما أنهم قد لاحظوا الخطاب شديد اللهجة الذي ألقاه أوباما (“إنني مصمم على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية”) ورفضه للمبادرة البرازيلية التركية لإسقاط العقوبات. وهم يرون أن الإيرانيين يناضلون من أجل برنامج التخصيب بالطرد المركزي. الهدف الذي أعلنه أحمدي نجاد هو تشغيل 15000 جهاز طرد مركزي في 10 مواقع لإنتاج 10000 طن من اليورانيوم المنخفض التخصيب. وحتى الآن لم يتم تشغيل سوى 3000 جهاز طرد مركزي في اثنين من المواقع ولم تنتج هذه الأجهزة إلا 2000 طن فقط من اليورانيوم المنخفض التخصيب. وبحسب تقدير إسرائيل، فإن الإيرانيين سيكونون بحاجة طفرة قوية في قدرتهم على جعل مخاطر امتلاك أسلحة نووية جديرة بالاهتمام وهم لا يملكون القدرة على فعل ذلك – على الأقل في الوقت الحاضر. وهذا هو السبب في أن بعض الإسرائيليين يتحدثون عن الجمع بين فرض عقوبات أكثر صرامة مع جهود سرية أكثر قوة للحد من تقدم الإيرانيين.

وخلاصة القول، تركز الآن إسرائيل اهتمامها على القضية الفلسطينية، حيث هناك تأييد في الرأي العام لمبادرة دبلوماسية، وأبو مازن يبدو على استعداد أيضاً للدخول في مفاوضات مباشرة. حتى في الشرق الأوسط، يمكن أن تفرج الأزمات في بعض الأحيان عن فرص.