Research

العراك السياسي في العراق

Kenneth M Pollack
Kenneth M Pollack زميل سابق في بروكنجز

June 30, 2010

سافرت إلى العراق في نهاية حزيران/يونيو 2010 في رحلة لم تزد مدتها عن أسبوع وكان برفقتي أحد الخبراء المعروفين في الشرق الأوسط. كانت هذه هي الرحلة التاسعة لي لدولة العراق منذ سقوط نظام صدام، ولكنها كانت رحلتي الأولى منذ ثمانية أشهر. كان للقيادة العسكرية الأمريكية الدور الأكبر في تنظيم هذه الرحلة وتمويلها – هذه القيادة المعروفة الآن باسم القوات الأمريكية في العراق. ورغم ذلك، كان لاتصالاتنا الوثيقة بالقوات العسكرية الأمريكية دور بارز اتسم بالمرونة والكرم في السماح لنا بإعداد جدول أعمالنا في هذه الرحلة، إذ كان لنا امتيازات كثيرة في الوصول إلى القيادة الأميركية والموظفين المدنيين من كافة المناصب القيادية، بالإضافة إلى قيادات السفارة الأمريكية وأفراد المخابرات المدنية. وقد التقينا كبار موظفي الأمم المتحدة في العراق وقمنا أيضًا بعدد كبير من المقابلات الخاصة مع كبار الموظفين العراقيين ورؤساء أقوى الأحزاب السياسية هناك. وقد وجدنا صعوبة بالغة في مقابلة القادة العراقيين البارزين باستثناء قادة التحالف الكردستاني فكان الأمر ميسرًا. وقد مكثنا فترات قصيرة في مدن تكريت وكركوك وماهمور (القريبة من مدينة الموصل)، ولكننا قضينا معظم الوقت في مدينة بغداد. وسوف أعرض لكم فيما يأتي انطباعاتي واستنتاجاتي وتحليلي لهذه الرحلة.

العراك السياسي على تشكيل الحكومة

وصلت النظم السياسية في العراق إلى طريق مغلق. كانت نتائج انتخابات السابع من أيار/مايو بمثابة انتصارًا ساحقًا للعراق، وللمصالح الأمريكية في العراق نظرًا لتصويت معظم العراقيين لحزبي الأغلبية اللذين هما أقل ارتباطًا بالميليشيات وبالطائفية الممقوتة للحرب الأهلية، وأكثر رغبة في مواجهة المتطلبات السياسية والاقتصادية فضلاً عن الاستقرار والتقدم الاجتماعي. [1] وبكل أسف، كان اعتماد العراق على نظام التمثيل الانتخابي النسبي بمثابة السبب المباشر في عدم حصول أي حزب من الأحزاب على أغلبية مطلقة في الانتخابات. وكبديل عن ذلك، فقد حصل حزب العراقية بقيادة إياد علاوي على 91 مقعدًا من أصل 325 مقعد وحصل ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي على 89 مقعدًا. وهذا المشهد يصور لنا عملاقين يحوم حولهما اثني عشر قزمًا أو أكثر. وهذا جعل كل حزب بحاجة إلى الحصول على 163 مقعدًا على الأقل لتأمين الأغلبية. فضلاً عن أن الاقتراع الأول سوف يُجري لاختيار رئيس الدولة الذي سيقوم بتكليف أحد قيادي حزبي الأغلبية لتشكيل الحكومة، وهذا يتطلب حزب له أغلبية لا تقل عن الثلثين من أجل انتخاب رئيس للدولة. في الوقت الذي يتبارى فيه الجميع على منصب الرئيس والذي من المحتمل أن يكون جزءًا من “الصفقة” الإجمالية للحكومة الجديدة، فإنه من المتوقع أن يقوم كل حزب بتشكيل قوى ائتلافية ليحظى بالسلطة.

 

يوضح لنا الموقف الحالي بقاء الغالبية العظمى من الأحزاب الصغيرة على الحياد تنتظر ائتلافًا مع الأحزاب الأكثر قوة. كما إنهم يتطلعون إلى من سيحظى بالأصوات التي تمكنه من تشكيل الحكومة نظرًا لأنه إذا ما اتضح من سيكون بمقدوره القيام بذلك، فإن جل هذه الأحزاب الصغيرة ستحاول الانضمام له عسى أن تحظى بنصيب من المناصب الوزارية والحكومية (كي تضمن بقائها في تلك المناصب الوزارية والحكومية).

تكمن المشكلة في أنه ليس بمقدور أي من حزبي الأغلبية إقناع هذه الأحزاب الصغيرة في دعمها إذا ما شكلت الأولى الحكومة. وقد أبلى رئيس الوزراء نور المالكي بلاءً حسنًا في هذا الأمر حيث أبرم اتفاقًا مع الوفاق الوطني العراقي والذي يضم التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي. بيد أن هذا الاتفاق يفتقد قرارًا مهمًا ألا وهو من سيكون المرشح عن هذا الاتحاد في مجلس الوزراء. فكل من التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي لا يرغبون في ترشيح المالكي كرئيس للوزراء (حيث يرغب المجلس الأعلى الإسلامي في ترشيح عادل عبد المهدي، في الوقت الذي يرشح فيه التيار الصدري إبراهيم الجعفري). في حين لن يقبل ائتلاف دولة القانون بديلاً عن نور المالكي كرئيس للوزراء.

تهدف غاية استراتيجية المفاوضات التي يقوم بها المالكي إلى إبرام اتفاقية مع حركة الوفاق الوطني العراقي يكون بمقتضاها مرشحهم لرئاسة الوزراء، ثم بعد ذلك يتحول إلى التفاوض مع القائمة العراقية بقيادة علاوي لبحث إمكانية اتحادهما معًا وتشكيل ائتلاف بديل. سيكون للمالكي في هذه المفاوضات حق الامتياز نظرًا لأنه سوف يستخدم اتفاقه مع حركة الوفاق الوطني في الضغط على القائمة العراقية من أجل الحصول على تنازل – وفي الواقع سوف يقول لعلاوي: “إذا ما اتحدت مع حركة الوفاق الوطني فسوف أظل في رئاسة الوزراء، فإذا ما أردتني أن أتحد معك، يقصد مع القائمة العراقية، فسوف تكون بحاجة إلى أن تفعل ما هو أفضل من ذلك”. لذلك فإن نجاح المالكي في إبرام مع حركة الوفاق الوطني سوف تجعله في مقعد القائد لكل هذه المفاوضات.

ولكن نظرًا لأن المالكي ليس بمقدوره بعد أن يبرم اتفاقًا مع حركة الوفاق الوطني يجعله مرشحًا لرئاسة الوزراء، فلن يتمكن من بدء مفاوضات جدية مع العراقية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل يستطيع المالكي أن يجد طريقة يرشي أو يقنع أو يجبر بها التيار الصدري (القوة الأكبر في الوفاق الوطني) أن يقبلوه مرشحًا لهم في رئاسة الوزراء. توجد إلى الآن قناعة لدي التيار الصدري ومرشحهم إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق ألا يتعجلوا وأن يجبروا المالكي على نسيان كونه مرشحهم لرئاسة الوزراء مجددًا. لا توجد هناك معالم واضحة تشير إلى إمكانية تغير رأيهم حول ذلك الأمر. ولكن بدأ بالفعل المالكي محادثات مبدئية مع العراقية بعد ضغط من كل من الولايات والأمم المتحدة. ويأمل المالكي من وراء ذلك أن يستشعر التيار الصدري خطر اتفاقه مع علاوي والذي قد يؤدي إلى خروج حركة الوفاق الوطني العراقي بلا ناقة ولا جمل من تشكيل الحكومة، ولكن قد يدفع ذلك التيار الصدري إلى أن يرشحوه رئيسًا للوزراء في الحكومة التي تضم كلاً من الوفاق الوطني وقائمة ائتلاف دولة القانون.

نهج القائمة العراقية الوطنية

تحاول من جانبها القائمة العراقية الوطنية والتي يترأسها إياد علاوي وضع استراتيجية مزدوجة بغية أن تربح الرهان. أولاً قد كان لهذه القائمة بصيرة نافذة في توقع انقسام الشيعة على نفسها إلى أحزاب وأن منها من سيُكون ائتلافًا معها. وقد كان هناك بالتأكيد دليل على دعم هذه المناورة، حيث إن بجعبتهم أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب وإن أيديولوجيتهم التكنوقراطية والعلمانية جعلتهم بسهولة أن ينقادوا للعديد من الأحزاب العراقية. فيرى بعض من قيادي القائمة العراقية الوطنية أن التنافس الأيديولوجي والشخصي بين الشيعة بعضهم البعض سوف يقود الأمور نحو هذا الاتجاه.

بالرغم من ذلك كله إلا إنه من الصعب القول بأن استراتيجية القائمة العراقية سلبية بالكلية أو تفتقر إلى الصبر. فيضغط الكثيرون من قادتها البارزين من كل اتجاه وبطريقة أكثر فاعلية. فقد حظت القائمة العراقية على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان العراقي، حيث يدعي مناصروها بأن الدستور قد أعطاهم الحق لأول مرة في تشكيل الحكومة. هذا الإدعاء موجه في الأساس نحو الولايات المتحدة والقوات التابعة للأمم المتحدة وغيرها من القوى الأجنبية الأخرى (لاسيما الدول المجاورة للعراق) حيث إن لكل واحد منهم تأثير بالغ على الفصائل العراقية المختلفة. فلقد حشدت القائمة العراقية الأدلة التي تُكذب البيان الذي ألقاه قاضي القضاة مدحت آل محمد والذي يقترح فيه أنه قد يُعهد إلى الحزب الذي يحرز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، أو يندمج بعد الانتخابات مع أكبر عدد من المقاعد، بتشكيل الحكومة. فندت القائمة العراقية ذلك كله بأنه مجرد رأي ناتج عن ضغط سياسي وغير دستوري. كما أنها نشرت على نطاق واسع كيف أن التصويت الساحق للعراقيين لها في الانتخابات البرلمانية كان من أجل التغيير ومن أجل العلمانية ومن أجل التكنوقراطية – وجُلها تحمل لواؤه القائمة العراقية – وإذا ما نجح نور المالكي في تكوين ائتلاف مع التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي والحزب الكردستاني (هو نفسه الائتلاف الذي حكم البلاد منذ عام 2005 حتى الآن) فإن ذلك سيعد بمثابة خيانة لتصويت الشعب العراقي في الانتخابات. كما أشارت إلى الاحتجاجات الأخيرة في مدينة البصرة حول فشل الحكومة في توفير أكبر قدر من الكهرباء كنذير لما سيحدث إذا ما سلم الشعب العراقي بسرقة الكهرباء وفساد الديمقراطية العراقية فضلاً عن تجاهل إرادة الشعب.

يأمل الكثير من قيادي القائمة العراقية إذا ما حدث ذلك الأمر أن تتدخل الولايات المتحدة (والأمم المتحدة والعديد من القوى الخارجية) في حل هذه الأزمة لصالح إياد علاوي. وبالرغم من انخفاض تأثير الولايات المتحدة على الحراك السياسي داخل العراق، إلا إنه ما يزال مهمًا، ونظرًا للإخفاق السياسي فإن ذلك التأثير سيظهر مرة أخري من وجهة نظر العديد من العراقيين الذين ينظرون للولايات المتحدة على أنها الوسيط الوحيد القادر على فك هذا النزاع.

وإذا كان على الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، فلا شك ولا ريب أن فرصة إياد علاوي سوف تكون كبيرة في تشكيل الحكومة. أولاً، سوف يرى العراقيون أن ذلك أكبر برهان على رغبة الولايات المتحدة في توليه منصب رئيس الوزراء (وليس بالضرورة أن يكون ذلك صحيحًا، وإن كان مفروض على كثير من العراقيين) ولذلك سوف يصبح مطلبًا شرعيًا لهؤلاء المنضمين لعلاوي على الولايات المتحدة تأديته. ثانيًا، بعد ذلك سيكون علاوي في موقف تشكيل مجلس الوزراء والذي من الممكن التكهن بسيناريو هذا التشكيل: فالعديد من الأحزاب العراقية سوف تفكر في احتمالية انضمام الآخرين لحكومة علاوي كي لا تكون خارج الحراك السياسي، وإن من سينضم أولاً فإنه قد يحصل على المناصب الوزارية الأهم. والنتيجة ستكون في الأخير سلسلة من التفاعلات والانضمامات تجنبًا للتهميش السياسي، ومن ثم وجود الحافز القوي الذي يعمل على تصارع الأحزاب من أجل السبب نفسه.

فوضى مستمرة

لم يتضح إلى الآن ما إذا كان التيار الصدري سيختار المالكي مرشحًا له كرئيس للوزراء، ولا تشير الدلائل إلى وجود ضغط أمريكي على علاوي من أجل أحقيته في تشكيل الحكومة. وبالتالي، تلتفت الأنظار الآن إلى المباحثات التي تدعمها كل من الولايات المتحدة وتقودها الأمم المتحدة والتي سوف سيقوم بعقدها المبعوث الخاص للأمم المتحدة بحشد جمع من خبراء جميع الأحزاب ذات الأغلبية والتي ستقوم بإعادة صياغة مناصب وهيئات السلطة التنفيذية العراقية من أجل تشكيل ائتلافات جديدة من المستحيل دمجها في الوضع الراهن.

فعلى سبيل المثال، قد ناقشت العديد من الأحزاب السياسية العراقية فكرة تقليل أو تقييد السلطات المخولة لرئيس الوزراء ومنح بعضها لمنصب رئيس الجمهورية، وبعضها لمنصب نائب رئيس الوزراء (تتمثل إحداها في القضايا الأمنية، وأخرى في الطاقة، وأخرى في القضايا الاقتصادية التي حظيت بقدر كبير من المناقشة)، ويعاد منح بعضها لمنصب نائب رئيس الجمهورية. تتضمن بعض الأفكار الأخرى عملية التخلص من المراكز العسكرية المشتركة، والتي تعمل خارج نطاق التسلسل القيادي المخول دستوريًا، ومنح رئيس الجمهورية حق الفيتو في استصدار التشريع. تكمن الفكرة الأساسية في وجود العديد من المناصب ذات النفوذ القوي، في الوقت الذي لن يحظى فيه منصب رئيس الوزراء بكل القوى، ولذلك فقد تنتهز الأحزاب الفرصة إذا ما سنحت لها.

_______________________________________

[1] فمن المبالغة القول بأن السنة وحدهم من صوتوا للقائمة العراقية وأن الشيعة قد صوتوا لدولة القانون. والدليل على ذلك أنه المرشحين الشيعة قد أحرزوا ما يعادل ربع مقاعد البرلمان من المدن الشيعية الكبيرة.