تستضيف تركيا، التي توفّر الملاذ الآمن لأكثر من 3,5 مليون سوريّ أُجبروا على الفرار، الحصّة الأكبر من اللاجئين في العالم. ويعيش أكثر من 90 بالمئة من هؤلاء السكان خارج المخيّمات في المناطق الحضريّة. ونظراً للتوجه السائد دوليّاً لللاجئين إلى العيش في المدن، قد تتبيّن مدى فائدة جهود تركيا في تعزيز فرص العمل والخدمات الاجتماعيّة. وعلى المسؤولين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أن يدرسوا تجربتها كجزء من عمليّة تطوير ميثاق عالميّ بشأن اللّاجئين. وفي خلال زيارتي إلى بلديّات تركيّة في أوائل الشهر الجاري مع زميلي في بروكنجز، كمال كيريسكي، والبروفسور مرات أردوغان من الجامعة الألمانية- التركية، استخلصت ثلاثة دروس.
أوّلاً، لم يستفد المسؤولون في المفوّضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذين يطوّرون ميثاق عالميّ جديد بشأن اللّاجئين، بشكل مناسب من رؤى البلديّات في تركيا – وهو إغفالٌ مفاجئٌ نظراً لخبرتها في هذا المجال. وكان انسحاب السلطات المحليّة التركيّة من عمليّة الميثاق الخاصّة بالأمم المتّحدة ملموسةً. فلم يصرّح أيّ ممن قادة هذه السلطات الذين التقينا بهم عن متابعة العمليّة بتمعّن، أو المساهمة فيها. حتّى أنّ بعضهم لم يكن على علم بالأمر. وإنّه لأمر مؤسف، نظراً للخبرة التنفيذيّة الكبيرة التي اكتسبها هؤلاء القادة في خلال الأزمة السوريّة. وفيما تغصّ مدنٌ كنيويورك بالمكاتب التي تتمتّع بفريق عمل كامل والتي تختصّ بالشؤون الدولية وشؤون النازحين، غالباً ما تفتقر إليها البلديّات الصغيرة. وقد يجعلها هذا الأمر، إلى جانب عوامل أخرى، غير مجهّزة للمساهمة في عمليّات عالميّة متعدّدة الأطراف، خاصّة عندما لا تتلقّى تشجيعاً استباقياً من قبل حكومتها الوطنيّة والوكالات كالمفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين.
وتستضيف ستة من أصل البلاد الثلاثة عشر التي تختبر فيها المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين الإطار الشامل الجديد – بليز، وكوستاريكا، وغواتيمالا، وهندوراس، والمكسيك، وبنما – أقلّ من 30,000 لاجئ مجتمعة. بالمقابل، تستضيف بشكطاش، إحدى مناطق إسطنبول، وفقاً للمسؤولين الذين تكلّمنا معهم، أكثر من 51,000 لاجئ سوريّ بمفردها. وفي إسطنبول بشكل كاملٍ، يتجاوز عدد اللاجئين 550,000 لاجئ. ولا يتمّ تنفيذ هذا الإطار الجديد – الذي يسعى إلى شمل المجتمع بأكمله واعتماد نهج تعدّد أصحاب المصلحة، والذي يخصّ “كلّ حالة تضمّ عدداً كبيراً من اللّاجئين”- في أيّ مكان في المنطقة. ومع أكثر من 3 مليون لاجئ في البلديّات التركية، يبدو أنّ إشراك القيادة المحليّة مسألة حذرة. وبالرغم من أنّ التشاورات حول الاتّفاق شارفت على نهايتها، لم يفت الأوان بعد على القيام بذلك. يمكن للمفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين أن تضمن استضافة هؤلاء القادة في أوّل منتدى عالميّ للّاجئين، المقرّر عقده بحلول العام المقبل. وعلى المفوضّية أيضاً أن تتشاور معهم بشأن عمليّة تطوير مؤشّرات أساسيّة للمراقبة والتقييم، التي تعهّدوا بوضعها قبل المنتدى.
ثانياً، يشيد فريق المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين الذي يعمل على الأرض في تركيا بضرورة التعاون مع السلطات المحليّة. وفي العام 2015، نظّم المكتب الميدانيّ للمفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في إسطنبول ورشة عملٍ مع بلديّات مرمرة تناولت موضوعات ذات اهتمام مشترك، بما فيها المساعدة الاجتماعيّة وسبل العيش والحماية الدوليّة والترابط الاجتماعيّ. ففي العام المنصرم، نظّم الاتّحاد ورشة عمل مماثلة مع الأكاديمية العالمية للحكومة المحلية والديمقراطية (WALD)، بهدف تطوير أفكار ملموسة للتعاون والتنسيق. وقد سمحت ورش العمل للمفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين بتحديد قنوات لدعم البلديّات. وقد سعى فريق إسطنبول التابع للمفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين بشكلٍ منفصلٍ للتّأكّد من أنّ العمّال الاجتماعيّين للبلديّات يساهمون في عمليّة التعرف على اللّاجئين وإحالتهم إلى مراكز الخدمات الاجتماعيّة المتوفّرة. وأدّى هذا الأمر إلى ارتفاع هائل في عدد المستفيدين بين العامين 2016 و2017. وتواجه القيادات المدنيّة والفريق الميدانيّ للمفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين الواجب نفسه: تطوير حلول عمليّة وتنفيذها للتصديّ للتّحديّات الطارئة. وربّما لهذه الأسباب، يعمل الفريق على الأرض في تركيا مع القادة المحليّين، حتّى لو لم يدمجهم المشرّعون في المستويات الأعلى بشكل منتظم.
ثالثاً، تتوق البلديّات التركيّة – كغيرها من المدن التي تواجه ضغوطات إثر استضافة فائض من اللاجئين – لتبادل الممارسات السليمة والابتكارات مع بعضها البعض. وكما لاحظ زميلي السابق بروس كاتز قائلاً: “تراقب المدن بعضها البعض عن كثب. فعندما تبتكر إحداها خطّةً ما، تقوم الأخريات بتقليد هذا الابتكار، أو اعتمداه، أو تعديله كيفما يناسبها”. وتنطبق هذه الحالة على اتّحاد بلديّات مرمرة، الذي أطلق مركز سياسة الهجرة بهدف السماح للإدارات المحليّة بمشاركة المعلومات والخبرة، وبالاستفادة من تبادل الممارسات السليمة العالميّة. ويقترح مشروع الميثاق العالميّ الراهن بشأن اللّاجئين أن يدعم كلّ من المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من الجهات المعنية التبادلات بين المدن حيال هذه المواضيع، بما فيها نهُج التوأمة. وهذا تطوّر مرحّب به.
تقف البلديّات التركية في الخطوط الأمامية لأزمة اللّاجئين السوريّين. وقد نستخلص دروساً مهمّة من تصوّراتها يمكن تنفيذها في أماكن أخرى لللاجئين المدنييّن. وفيما يتهيّأ المجتمع الدوليّ لإطلاق الميثاق الجديد بشأن اللّاجئين لاحقاً في خلال هذا العام، تستحقّ تلك الدروس الإصغاء.
Commentary
موقف القادة الأتراك من أزمة اللّاجئين السوريين
الأربعاء، 23 مايو 2018