لقد لعبت الروابط السياسية الوثيقة بين سوق الأوراق المالية بنيويورك والحكومة دورًا كبيرًا في تهيئة البيئة التنظيمية والتي أصبحت فيها المؤسسات المالية بشكل خطير أكثر عرضةً للمخاطرة. وفي مجال الديمقراطية حيث تعد حملة المساهمات أمرًا حيويًا لزيادة فرص صانعي القوانين في الحصول على أصوات الناخبين، لا يمكن أن نندهش عندما تحصل أكبر وأغنى الصناعات والأكثر فعالية على التمثيل في واشنطن، ولاحين يقوم بعض دعاة هذه الصناعات المأجورين وبصورة روتينية بخداع موظفي الخدمة المدنية ذوي الدخل المتواضع بشأن الإجراءات التنظيمية و قاعة المحكمة. ويعتقد بعض أهم صانعي القوانين القادرين والموظفين العموميين أنهم سوف يجدوا أنفسهم يومًا ما يعملون- مع راتب مكون من 6 أو 7 أرقام- لدى تلك الشركات التي يسنّوا لها القوانين الآن. ومما لا شك فيه أن هذا يصبغ وجهات نظرهم من الدرجة المناسبة للحماسة التي ينبغي تطبيقها على مهمة سن القوانين.
إن الشركات المالية في سوق الأوراق المالية بنيويورك والتي ساعدت على خلق أزمة عالمية تعمل الآن وبجد على منع التغييرات التنظيمية التي يمكن أن تساعد في استعادة قوة النظام المالي على المدى الطويل. وفي حين أن هناك مصرفيين يمكن أن يقبلوا المساعدات الحكومية إذا كان سيؤدي ذلك بمؤسساتهم إلى حالة السوداء مرة أخرى، نجد أن هناك العديد ممن يعارضون وبدون تردد الخطوات التي تم تطبيقها في غيرها من الأزمات المالية لإحياء الاقتصاديات مرة أخرى. ولم يراع الشك الخبير الاقتصادي سايمون جونسون في مخطط الحكومة المناسب للعمل، حيث قال أن ذلك من شأنه “… تأميم المصارف المتعثرة وتقسيمها عند الضرورة”، وصدق أيضًا في تصريحه بشأن بطاقة الأسعار المقدّرة بنحو 1.5 تريليون دولارًا، أو 10 % من إجمالي الناتج المحلى الأميركي، وهذه ليست سوى خطوة أولى؛ فتوصية جونسون الثانية هي تقسيم القوة الاقتصادية والسياسية الأميركية المالية القابعة في يد “القلِّة”. وفي الانتعاش الاقتصادي في المستقبل، لا يمكن السماح للمؤسسات المالية بتحمل المخاطر التي تهدد الاقتصاد الأكبر، فحقيقةً يخشى جونسون من أن المؤسسات المالية حاليًا تقوم باستخدام نفوذها السياسي لمنع أو تقليل الإصلاحات التي من شأنها أن تجعل المستقبل أقل عرضة للأزمات.
ولكن قبل الانتقال إلى الخطوة الثانية، ينبغي علينا أن ننظر بعناية في ما إذا كان لدينا قوانين تجعل من الممكن معها اتخاذ خطوة أولى. يثق عدد من المراقبين، ومن ضمنهم جونسون، في أن عددًا من البنوك الكبرى تتطلب التأميم الفوري. وأنا أشك في أن عملية التأميم يمكن تحقيقها من الناحية القانونية أو من الناحية السياسية؛ حيث ينص التعديل الخامس بحماية سكان الولايات المتحدة ضد استيلاء الحكومة بدون تعويض على ممتلكاتهم: “… لا يجوز أن يُحرم… أي شخص من حياته ، أو حريته ، أو ممتلكاته ، دون إتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ولا يجوز أن تؤخذ ملكية خاصة للاستخدام العام دون تعويض عادل” وهذا يعني أنه لكي تتم عملية التأميم بصورة قانونية يتعين على الحكومة إما أن ترضى ببنك متعسر، أو منح تعويض عادل لأصحابه. وكما قال زميلي دوغلاس إليوت أن إيجاد ما يدل على إعسار البنك لن يكون أمرًا سهلاً، كما أن تقديم تعويضات لأصحابه لن يكون ثمنًا رخيصًا ( “عملية تأميم البنوك: ما هي؟ هل ينبغي أن نقم بها؟” و “عملية تأميم البنوك التحفظية ستثير مشكلات شائكة“).
وربما يكون منتقدو سوق الأوراق المالية بنيويورك على صواب، فالتقييم المتزن للأصول المصرفية يمكن أن يبين أن العديد من المصارف الكبرى لا تفي بمعايير معقولة للسيولة أو تقدم رأس المال الكافي. ومع ذلك، يتعين على الحكومة وضع أدلة جيدة لإثبات أن هذا صحيحًا إذا كانت لا تريد أن تثير الذعر في المصارف الموسرة أو بين المستثمرين أصحاب الأسهم والسندات. وتعد اللوائح التي تغطي المصارف معقدةً، ففي بداية هذا العام، تبين أن كل البنوك الكبرى كان لديها سيولة بالإضافة لوجود رأس المال الكافي لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات المالية؛ وبطبيعة الحال يمكن للكونجرس أن يقوم بتغيير القوانين في الإطار الذي يحكم كفاية رأس المال؛ ومع ذلك ، فإن الاستيلاء الذي ينص عليه التعديل الخامس يعني أن الحكومة قد تضطر لتعويض أصحاب السندات والأسهم المصرفية إذا ما قررت المحكمة أن عملية التأميم تمثل استيلاءً غير مسموح به. وفي حل أزمة الادخار والقروض في أواخر الثمانينات، اتخذ الكونغرس إجراءات حاسمة لإعادة تعريف كيفية تقييم أصول الادخار والقروض لأغراض تقييم القدرة الإيفائية للمؤسسة. وقد أضعفت عملية إعادة التعريف هذه من ميزانيات العديد من حالات الادخار والقروض والتي تعتبر صحية بموجب قواعد التقييم قبل الإصلاح . وقد أقام المتضررون دعوى قضائية ضد الحكومة للحصول على تعويضات، وقد انحازت المحاكم الفدرالية في نهاية المطاف إلى جانب أصحاب الادخار والقروض وألزمت الحكومة بدفع تعويضات لأصحابها عوضًا عن الخسائر التي تكبدوها عندما تم تغيير القواعد.
والبديل عن الاستيلاء الإلزامي للحكومة هو شراء البنك من ملاكه الحاليين. ولكن هذا، وكما يذكرنا دوغلاس إليوت من المرجح أن يكون مكلفًا؛ فلو كانت المعاملة تطوعية، سيطالب مالكي الأسهم بزيادة فوق سعر السوق الحالي للسهم، كما أن حملة السندات المصرفية سيشهدون تقديرًا قيمة سنداتهم، لأن الحكومة يُتوقع منها أن تدفع 100 سنتًا على الدولار على مدفوعات الفائدة الرئيسية في المستقبل. وفي ظل الوضع الغير مرغوب فيه للبنوك والمصرفيين، يصعب تصور أن الكونغرس سيقوم بتخصيص مبالغ ضخمة من شأنها أن تثري مباشرةً موظفي المصارف وأصحاب الأسهم وحملة السندات بهذه الطريقة الواضحة. وخلاصة القول، فإن عملية تأميم المصارف الرخيصة ربما تكون غير قانونية و أن التأميم التطوعي لهذه المؤسسات قد يكون باهظ التكاليف، وأكثر من ذلك، وفي ظل البيئة الحالية، يعتبر التأميم التطوعي غير قابلاً للتطبيق سياسيًا.
والحقيقة الواضحة هي أن تأميم المصارف يتطلب إرادة سياسية والكثير من المال. وإلى أن يوفر لنا منتقدو الإدارة الأموال اللازمة، قد تضطر الأمة إلى انتظار إخفاق بضعة بنوك كبيرة قبل أن تصبح عملية تأميم المصارف إمكانية حية.
Commentary
Op-edالأزمة المالية وسيادة القانون
April 14, 2009