October

05
2017

1:00 am AST - 2:30 am AST

تحقيق السلام أم العدالة في العالم العربي؟

Thursday, October 05, 2017

1:00 am - 2:30 am AST

ماس 1 و 2

سيتي سنتر روتانا الدوحة
الدوحة, DC

استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة حوارية في 4 أكتوبر 2017 ناقشت إمكانيات تحقيق العدالة الانتقالية والتحديات التي تواجهه في العالم العربي. شارك في الندوة نهى أبو الدهب، زميلة زائرة بمركز بروكنجز الدوحة؛ فرج فنيش، المدير السابق لمكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في آسيا ومنطقة الباسيفيك والشرق الأوسط وفرع شمال أفريقيا؛ وعبد السلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث؛ وماريكا ويردا، المستشارة السابقة للعدالة الانتقالية في بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا. وأدارت فولي با تيوه، المذيعة الرئيسية في قناة الجزيرة الإنجليزية، الجلسة التي حضرها لفيف من الشخصيات الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية في الدوحة.

قدّمت با تيوه المتحدثين وموضوع النقاش، واصفةً الأحداث الكبرى التي رافقت الربيع العربي في العام 2011 والأوضاع الراهنة في كلٍ من تونس ومصر واليمن وليبيا. وطرحت السؤال حول كيفية تطبيق العدالة الانتقالية في سياقات ما بعد الربيع العربي، لاسيّما في غياب المؤسسات الديموقراطية، ثم دعت فنيش إلى شرح أسباب اعتبار تونس نموذجاً مناسباً.

بدأ فنيش مداخلته بالقول إنّ تجربة تونس في عملية العدالة الانتقالية أصابت شيئاً من النجاح، وإن الحكومة الانتقالية التي انتُخبت في العام 2011، بضغط من الشارع، اتخذت تدابير عاجلة، مثل التعويض عن جرحى الثورة وإصدار عفو عن السجناء السياسيين. وتابع أنه كانت هناك إرادة سياسية بين الأفرقاء الذين شكّلوا اللجان المولجة حماية أهداف الثورة. وقد أضفت مشاركة بعض الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان نوعاً من المصداقية على هذه اللجان.

وتابع فنيش أنّ الأهم من ذلك هو أنّ منظمات المجتمع المدني أدّت دوراً أساسياً في الدفع باتجاه تنفيذ آليات مستقلة للتحقيق في الجرائم ومحاسبة الجناة والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب وتعويض الضحايا. وقد نتج عن ذلك تشكيل هيئة الحقيقة والكرامة وإصدار قانون بشأن العدالة الانتقالية، إلى جانب وضع دستور جديد لتونس. وأكد فنيش أن نجاح الهيئة إنما جاء نتيجة حصولها على دعم قوي من قبل البرلمان، بما في ذلك الحصول على الحصانة وصلاحيات معاقبة الأشخاص الذين يحجبون المعلومات.

أشار فنيش بعد ذلك إلى بعض الخصائص التي ميزّت التجربة التونسية، فقال إن الهيئة تعاملت مع بعض الجرائم الكبرى مثل التعذيب والاغتصاب، لكن وبسبب تسييسها صرّحت أيضاً أن جميع الانتخابات التونسية التي أعقبت الاستقلال كانت مزورة وتعاملت مع قضايا الفساد، وهو دور نادر لمثل هذا النوع من الهيئات. وختم فنيش بذكر بعض العقبات قائلاً إنّ أربع سنوات لم تكن كافية لكي تنهي الهيئة عملها، وأنها أخذت تفقد الدعم الشعبي والحكومي.

من جانبها، رفضت أبو الدهب الفكرة السائدة بأنه “لا يمكن تحقيق عدالة انتقالية من دون حدوث انتقال سياسي”. وبالإشارة إلى ملاحقة الرئيسين المصريين السابقين مبارك ومرسي، قالت إنّ “السعي إلى تحقيق العدالة الانتقالية يمكن أن يكون في عمليات انتقالية غير ديموقراطية، وقد حدث ذلك بالفعل”، أحياناً من أجل ترسيخ الحكم السلطوي وأحياناً أخرى لمقاومة عودة السلطوية من جديد.

وأوضحت أبو الدهب أنه في مصر كان التركيز على الانتقال بحد ذاته وليس على العقود من الانتهاكات التي سبقت الثورة. وقد شكّل هذا التركيز حمايةً لعناصر النظام السابق بثلاث طرق. الأولى، هي أنه سمح للسلطات المؤقتة أن تتجنب المساءلة عن دورها في الجرائم التي سبقت العملية الانتقالية. والثانية، هي أن الملاحقات القضائية الشديدة الرمزية لكبار المسؤولين عملت على “التضحية بجزء من النظام لإنقاذ النظام كله”. أما الثالثة، فكانت تصوير الأيام الثمانية عشر التي استغرقتها الثورة على أنها فترة استثنائية، للإيحاء بأن انتهاكات السنوات السابقة لم تحدث.

وعلى نطاق أوسع، لحظت أبو الدهب أنه خلافاً للسياقات الانتقالية الأخرى، فإن معظم العالم العربي لم يكن لديه مؤسسات ديمقراطية أو شفافة. ولذلك، فإن هذه البلدان واجهت تحدياً رئيسياً تمثّل في محاولة استخدام مؤسسات الدولة العميقة لمحاسبة الجرائم السابقة، وإدارة توقعات العدالة للضحايا وفقا لذلك.

وفي نبرة أكثر تفاؤلاً، سلّطت أبو الدهب الضوء على الجهود البطولية التي بذلها الأفراد والمنظّمات في سوريا لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب هناك منذ 2011. تعتبر هذه الوثائق بمثابة سجل تاريخي، لا وبل هي “مادة ذهبية” يمكن استخدامها في المحاكمات المقبلة والمستمرة. وفي ختام مداخلتها، دعت أبو الدهب إلى الصبر في ترقب نتائج عملية العدالة الانتقالية، مشيرةً إلى أن الأرجنتين والبرازيل لا تزالان تتعاملان مع جرائم وقعت منذ ثلاثين عاماً. وخلُصت إلى أن الانتظار أفضل من التسرّع في ظل الأنظمة الظالمة.

تناول محمد بعد ذلك موضوع اليمن، مؤكّداً أن العدالة الانتقالية لا يمكن تحقيقها في ظل الافتقار إلى دولة فعلية. وأوضح أن الاحتجاجات السلمية في العام 2011 مهّدت الطريق لنشوء صراع بين الدولة والمجتمع، وأنه عندما قبل اليمنيون مبادرة مجلس التعاون الخليجي من أجل انتقال سلمي للسلطة، كان هذا نوعاً من التحايل على العدالة الانتقالية. وكان الرئيس السابق علي عبد الله صالح وكل من عمل من أجل حصوله على الحصانة، “سيفاً ذا حدين”، إذ شجّع الدولة على “المضي قدما في سفك الدماء”. وكانت النتيجة النهائية انهيار الدولة، وتولّي الميليشيات السلطة، واندلاع الحرب.

وتابع محمد قائلاً إن أي حديث عن العدالة الانتقالية هو ترفٌ لا يمكن أن يتحمّله اليمنيون في الوقت الراهن. ويجب بذل كل الجهود لإنهاء الحرب، ومن بعدها لا بد من إنشاء دولة. كذلك نوّه محمد إلى أنّ السياسيين اليمنيين قد فشلوا في تحويل النظام القبلي إلى نظام مدني منظم، وفي بناء دولة قوية بما فيه الكفاية للعمل في غياب النظام القبلي. وقال إنّ تدخل المجتمع الدولي للمساعدة على تحقيق السلام واستعادة الدولة، يمكن أن يساعد القبائل والأطراف اليمنية على المصالحة والعدالة الانتقالية، أو يمكن تطبيق القانون الدولي.

انتقل النقاش بعد ذلك إلى ليبيا، حيث أشارت ويردا إلى التفاؤل الأولي الناجم عن التغيير الشامل للنظام. لقد مرّت ليبيا بالكثير من اقتراحات العدالة الانتقالية، بما في ذلك محاكمة المسؤولين، وتعويض السجناء السياسيين، وإنشاء وزارة للمفقودين، وتشريع إصلاحات مؤسساتية. غير أن ويردا تمسكت بأن العدالة الانتقالية تتمحور حول “الكيفية” أكثر من “الماهية”، فقد فشلت هذه الجهود في تجديد العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، وفي استعادة ثقة الليبيين بالمؤسسات العامة.

وأوضحت ويردا أنه بعد 42 عاماً من تفكيك القذافي للمؤسسات وشرذمة الدولة، لم يتمكن المواطنون الذين شهدوا هذه المعاناة من الوثوق بالدولة من جديد، لذا انحازوا أكثر إلى المجموعات والانتماءات المحلية بدلاً من الانتماء للهوية الليبية. وهذا ما سمح للمليشيات بالازدهار. واعترفت ويردا بأنها والأمم المتحدة أخطأتا فى افتراض أن الميليشيات ستستسلم فى نهاية المطاف الى الدولة، وهو أمر لم يحدث.

ورأت ويردا أيضاً أن “ليبيا عانت من نشوة ثورية”. وقد مهّد ذلك الطريق لظهور مناخ انتقامي تجلى في عمليات الاحتجاز الجماعي وقانون العزل السياسي. تزايدت قوة الميليشيات مع ممارستها للانتقام، وهذا ترك الناس من دون حماية، ولم تتمكن الجهات الفاعلة المحلية من التعاون لتصحيح الأمور. وانتقدت ويردا الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لاصطفافها مع هذه النشوة الثورية، وفشلها في التركيز حتى على عدالة منصفة.

وبنظرة تفاؤلية، قالت ويردا إنّ ليبيا تحتاج للعودة إلى مفهوم العقد الاجتماعي، وإلى صيغة سياسية تعمل لصالح مجتمعها. ودعت إلى وضع خارطة طريق للمصالحة الوطنية تشمل زيادة التركيز على الضحايا، والعفو عن آلاف السجناء، والمحاسبة على الجرائم، كما تحتاج إلى رواية وطنية تواجه إرث القذافي، وتنفيه في غياهب التاريخ.