September

11
2018

1:00 am AST - 2:30 am AST

التنوّع الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي: دروس الماضي وتحديات المستقبل

Tuesday, September 11, 2018

1:00 am - 2:30 am AST

قاعة الوجبة

فندق إنتركونتيننتال الدوحة (بجانب كتارا)
الدوحة, DC

نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 10 سبتمبر 2018، لمناقشة التنوّع الاقتصادي في ما بين دول مجلس التعاون الخليجي. وتناولت هذه الندوة المسائل التالية: كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تنوّع اقتصاداتها كي تواجه أسعار الهيدروكربونات المتدنيّة والمتقلّبة؟ وما هي التداعيات الاقتصاديّة والجيوسياسيّة لوفرة الامدادات النفطيّة العالميّة على مجلس التعاون الخليجي؟ وكيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تحرّك تحوّلاتها الاقتصاديّة المتعثّرة وتزيد من سرعتها؟

وضمّت الندوة مجموعة من الخبراء البارزين، بمن فيهم حاتم الشنفري، أستاذ الاقتصاد والماليّة في جامعة السلطان قابوس؛ وخالد الخاطر، باحث في معهد الفكر الاقتصادي المستجد في جامعة كمبردج؛ ونادر قبّاني، زميل أوّل ومدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، بالإضافة إلى سامانثا جروس، زميلة في مبادرة بروكنجز الشاملة حول الطاقة والمناخ في معهد بروكنجز. وقد أدار الجلسة طارق يوسف، وهو زميل أوّل ومدير في مركز بروكنجز الدوحة.

وقد افتتح يوسف النقاش بتسليط الضوء على بقاء التنوّع الاقتصادي هدفاً رئيسيّاً ومصدر وحدة في ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من وجود اختلافات شتّى في السياسة الخارجيّة. فقد كَمنت أحد أهداف مجلس التعاون الخليجي، كمنظومة، في تحقيق تكامل اقتصادي بعيداً عن النفط والغاز وفي تشجيع التنوّع الاقتصادي. غير أنّ الحصار قد حال دون بلوغ هذا الهدف، وقد وجّهت أزمة الخليج ضربة سياسيّة واقتصاديّة قويّة إلى التنوّع الاقتصادي.

ثمّ تحدّثت جروس عن القلق الذي أصاب دول المنطقة على المدى القصير إزاء انهيار أسعار النفط في سنة 2014، إذ أُجبر عدد كبير منها على تنفيذ خفض الإنفاق واستعمال الاحتياطات الماليّة. وعلى المدى الطويل، تحدّثت عن كيفيّة انتقال أسواق الطاقة إلى “عصر الوفرة” بفعل تغيّرات في الولايات المتّحدة الأمريكيّة على الأغلب. وفيما يستحيل التنبّؤ بأسعار النفط، من المؤكّد تقريباً أن يشهد الطلب على النفط ارتفاعاً حادّاً. ومع ذلك، ستبقى منطقة الخليج مصدراً كبيراً للطاقة في المستقبل المنظور. وقد شدّدت سامانثا جروس على نقتطيْن رئيسيّتيْن لدى تحليلها موقع مجلس التعاون الخليجي في عالم وفرة الطاقة.

أوّلاً، في حين لا يزال إنتاج النفط والغاز زهيد التكلفة، إنّ الأسعار اللازمة لتحقيق التوازن في ميزانيّات الحكومات، أو “الأسعار الضريبيّة للنفط والغاز التي تحقّق تعادلاً بين التكلفة والربح”، تفوق تكاليف الإنتاج إلى حدّ كبير. ولهذا السبب، يبقى للتنوّع الاقتصادي والإصلاح الضريبي أهميّة بالغة. فهُما ضروريّان لتخفيض الأسعار الضريبيّة التي تحقّق تعادلاً بين التكلفة والربح وللمحافظة على الميزة التنافسيّة التي تتمتّع بها المنطقة، تحسّباً لهبوط الطلب والأسعار في المستقبل. وقد أشارت ثانياً إلى أنّ التكيّف مع عالم وفرة الطاقة ينطوي على تغيير في العقد الاجتماعي مع المواطنين والهيكل العام للاقتصاد. ويعني هذا جعله أقلّ توجّهاً من الحكومة وإفساح المجال أكثر للشركات الخاصّة. وقد نوّهت بالدور المهمّ الذي تضطلع به الشفافيّة وسيادة القانون خاصّةً في هذه العمليّة.

وقد شدّد الخاطر على العوامل السياسيّة الضروريّة لتحقيق التنوّع الاقتصادي والإصلاح الجوهري. وقال إنّ حكومات مجلس التعاون الخليجي تركّز إجمالاً على المحافظة على السلطة عوضاً عن تحسين المجتمع، وهذا ما يولّد تضارب مصالح في ما بين المحكومين والحاكمين. ثمّ طرح الخاطر سؤالاً: ما مدى كُبر الفجوة ما بين هذيْن الطرفيْن؟ واقترح زيادة التنمية لتشجيع قيام نظام ديمقراطي بشكل أكبر، كما حصل في قضيّة الدول الآسيويّة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية. فَمع زيادة التنوّع الاقتصادي، يزداد الاستقلال الذاتي في شتّى القطاعات. وعلى العموم، قال إنّ قرار التنوّع الاقتصادي يبدو أشبه بقرار سياسي عوضاً عن قرار اقتصادي، بما أنّ السياسيّين هم من يقرّرون إصداره أم لا.

ثمّ أردف الخاطر كلامه بوصف المناطق التي تفتقر فيها الإصلاحات في دول مجلس التعاون الخليجي. فعلى سبيل المثال، يواجه رأس المال البشري مشكلة مرتبطة بالطلب وليس بالتوريد. كذلك، من المهمّ التركيز على نوعيّة التعليم عوضاً عن الإمداد بالخدمات التعليميّة، إذ أنّ حصول المتخرّجين على وظائف ملائمة ضرورةٌ. وينبغي للقطاع العام أيضاً أن يرتبط بالإنتاجيّة، ومن المهمّ تعيين الموظّفين المؤهّلين القادرين على توفير رأس المال البشري وتنفيذ سياسات اقتصاديّة متنجة، خدمةً للتنوّع الاقتصادي.

وأشار الشنفري إلى أنّ دول مجلس التعاون الخليجي تتمتّع بميزة تنافسيّة في النفظ، نشأت على مدى السنوات، ومن الطبيعي بالتالي اللّجوء إلى القطاع النفطي لتحقيق التنوّع. غير أنّ دول مجلس التعاون الخليجي لم تفلح في إنشاء قيمة محليّة كي تعود إلى ما تبرع فيه، أي النفط والغاز، لتقود التنوّع. ويتميّز النفط والغاز بقوّة عاملة محليّة ماهرة يمكنها الذهاب في اتّجاهات متباينة. وقد أعطى مثلاً عن عُمان، حيث من الضروري ضخّ المياه للوصول إلى النفط والغاز، وقد أسهم ذلك في الحصول على فرص في مجال الطاقة الحراريّة. والجدير بالذكر أنّه يجب التركيز على الطاقة المتجدّدة أيضاً كونها قطاع ضروري. بالتالي، تبرز فرص كبيرة في القطاعات المنوطة بالنفط والغاز، بما فيها معاهد البحث والتنمية والمال التي تغطّي النفط والغاز والتي يمكنها أن تساعد في قيادة جهود التنوّع.

وقد أقرّ الشنفري بوجود قيود سياسيّة تحول دون تحقيق التنوّع، إلّا أنّه تتوفّر أمثلة عن محاولات تحقيقه كما هو الحال في قطر. واقترح ضرورة القيام بمزيد من العمل في المنطقة لإضافة قيمة إلى المنتجات وتعزيز التوطين، كي تصبح جزءاً من سلسلة التوريد العالميّة. وهذا ما تفوّته دول مجلس التعاون الخليجي، وقد أشار إلى أنّه لا وقت للهدر الآن. فحتى هذه اللّحظة، الحظّ محالفٌ بالنسبة إلى أسعار النفط، لكنْ كم يتبقّى من هذا الحظّ؟

أمّا قبّاني، فتطرّق إلى مسألة التنوّع الاقتصادي من خلال النّظر إلى الحالة القطرية، مناقشاً ثلاث نقاط. أوّلاً، لا بد أن تحوّل التوظيف من القطاع العام إلى القطاع الخاص، إذ تعمل قُرابة 89 بالمئة من القوّة العاملة القطريّة في القطاع العام أو في قطاع مختلط. إلّا أنّه أشار إلى وجود قصور في عمليّة التقطير الحالية. فتتّسم قطر بعدد سكّان وبمعدّلات بطالة أقلّ من الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي. وينبغي لها بالتالي التركيز على بناء رأس المال البشري عوضاً عن تحديد الحصص التي من الممكن أن تفضي إلى ظروفٍ تشجّع فيها الأعمال الشباب القطري بسرعة قبل أن يكون مستعدّاً، أو تقنعه بتغيير عمله مع أرباب عمل آخرين قد يناسبونه أكثر.

أما نقطة قبّاني الثانية، فتمحورت حول تنمية القطاع الخاص. يمكن لقطر أن تقوم بالمزيد لتهيئة بيئة سليمة لهذا القطاع. وغالباً ما تستعمل الشركات القطريّة الراسخة، التي ترغب في تجنّب الأحكام، المناطق الخالية التي أُنشئت لتشجيع تنمية الأعمال. وتقع قطر ضمن الدول التي تتميّز بأعلى معدّلات نشاط تنظيم المشاريع في المرحلة المبكرة، غير أنّ حصّة الشركات الراسخة (أي عمرها أكثر من 3 سنوات) متدنّية. في هذا الصدد، ذكر قبّاني المشاكل المتعلّقة بتنفيذ العقود والحصول على الائتمانات. أمّا النقطة الرئيسيّة الثالثة التي تطرّق إليها، فكمنت في إدارة الثروة. والجدير بالذكر أنّ قطر تحتلّ مرتبة عالية جدّاً في الثروة على المستوى الوطني. غير أنّه يجدر بقطر أن تنوّع في أساس مداخيلها من خلال زيادة صناديق الثروة السياديّة الخاصّة بها، وأن تشجّع إدارة ثروتها بشكل أفضل على صعيد الأسر المعيشيّة. فالدَّين مرتفع لدى الأسر القطريّة المتوسّطة، وتتطلّب الاستدامة الطويلة الأمد انتقال الثروة للأجيال القادمة على نحو ناجح.

وقد ركّزت أسئلة الحضور على التحدّيات الهيكليّة المتنوّعة أمام التنوّع الاقتصادي وعناصره السياسيّة وعلى التحدّي الرئيسي الذي يكمن في التنفيذ. فالإمكانيّة موجودة، إلّا أنّه من الضروري تناول المناقشات المهمّة حول العقود الاجتماعيّة في هذه الدول والنماذج المطلوبة للنهوض بالإصلاحات، وبناء إجماع جديد ما بين النُخب السياسية والعامّة. وعلى العموم، شدّدت الجلسة على أهميّة أن يواكب الإصلاحُ السياسي الإصلاحَ الاقتصادي.