نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 11 نوفمبر 2020 حول أثر منظّمة الأمم المتّحدة في الشرق الأوسط. وتمحور النقاش حول صوابية تفويض الأمم المتّحدة وميثاقها في يومنا الراهن. وأولي انتباه كبير للبدائل التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار لمعالجة الوساطة في الصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وشارك في الندوة، التي أدارتها نهى أبو الدهب، زميلة في مركز بروكنجز الدوحة، مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، من بينهم ليلى بكر، مديرة مكتب التنسيق الإنمائي للأمم المتحدة للدول العربية؛ وحبيب نصّار، مدير قسم السياسات والبحوث في مجلة “إمبيونيتي واتش” (Impunity Watch)؛ وجاكي سيلييرز، مؤسّس معهد الدراسات الأمنية.
افتتحت ليلى بكر النقاش عبر تسليط الضوء على أنّ التفويض الشامل للأمم المتّحدة هو المحافظة على السلام والأمن العالميَّين. ولفتت إلى أنّه لا يمكن تحقيق ذلك من دون إرادة إقتصادية وسياسية تبديها الدول الأعضاء للاستثمار في الحوكمة الرشيدة والتنمية المُنصِفة. وقالت إنّ الأمم المتّحدة هي الكيان العالمي الوحيد الذي يمثّل منظّمة محايدة يمكنها تأمين الحلول القصيرة والطويلة الأمد. مثلاً، في خلال جائحة فيروس كورونا المستجدّ، وفيما غضّت منظّمات دولية كثيرة الطرف عن السكّان المهمَّشين، بقيت الأمم المتّحدة وساعدت. علاوة على ذلك، شدّدت بكر على الحاجة إلى العودة إلى تعدّدية الأطراف في عالم معقّد، تحوّل فيه المشهد السياسي إلى الفردانية. كذلك، ناقشت ثلاثة أسس مهمّة للإصلاح بالنسبة إلى الأمم المتّحدة، فذكرت أوّلاً التعاون المتزايد بين الأقسام المعنيّة بالسلام والأمن والتنمية والشؤون السياسية. وقالت ثانياً إنّ الأمم المتّحدة أعادت النظر في طريقة تسيير أعمالها على الأرض وأولت انتباهاً أكبر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة. ولفتت أخيراً إلى أنّ عملية الإصلاح تبحث في تمويل التنمية. في هذا الخصوص، قالت إنّ الأمم المتّحدة مكانٌ قد يجري فيه حوار بين المواطنين والحكومة والمجتمع المدني وغيره من الجهات.
وأضاف حبيب نصّار أنّ حال العالم سيكون أسوأ بكثير لولا الأمم المتّحدة. لكنّه قال أيضاً إنّه في الكثير من الحالات، فشلت هذه المنظّمة، ومجلس الأمن بالتحديد، في حماية المدنيّين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتوسّع انعدامُ الحماية هذا ليطال المسائل الإنسانية، والحاجةُ اليوم إلى المساومة للحصول على المساعدات الإنسانية تشير إلى أزمة خطيرة. وناقش نصّار عمل الأمم المتّحدة على المستوى الميداني وزعم أنّ المقاربة التكنوقراطية من أعلى إلى أسفل التي يعتمدها هذا الجهاز في التعاطي مع الجهات الفاعلة المحلّية غيرُ مرنة على الإطلاق وسياسيةٌ للغاية. ولفت إلى غياب للفعالية لدى مجلس الأمن وناقش مجالات بديلة تكلّلت بالنجاح، على غرار تحويل المسائل إلى الجمعية العامة التي تبيّن أنّها منظّمة أكثر ديمقراطية. أخيراً، شدّد نصّار على الحاجة إلى المزيد من الإبداع في العملية الآيلة إلى تحقيق الإصلاح، ولا سيّما نظراً إلى السياسات الوطنية والأجنبية لدى عدّة دول. ومن بين الإصلاحات التي اقترحها تحسين انخراط ضبّاط الأمم المتّحدة مع المجتمع المدني. وقال إنّ الأمم المتّحدة تخشى الانخراط مع المجتمع المدني لئلا تثير حفيظة الحكومات المحلّية.
وناقش جاكي سيلييرز مجلس الأمن في الأمم المتّحدة بعمق أكبر. ولفت إلى أنّ نظام التمثيل وهيكليات القوى التي تُملي عليه وظائفه عالقةٌ في العام 1945. وقال إنّ الدول الخمسة الدائمة العضوية لم تعد تمثّل كلّ القوى العالمية الأهمّ. وتبقى الصين والولايات المتّحدة أساسيّتَين، لكنّ الأعضاء الثلاثة الأخرى ليس بمستوى الأهمّية ذاته. وتبعاً لسيلييرز، تتألّف الأمم المتّحدة حالياً من 190 عضواً تتعايش وتتنافس في عالم مختلف عن عالم العام 1945، ممّا يعكس تغييراً كبيراً في القوة المادّية والعسكرية. وتُبيّن هذه الديناميات الجديدة تعدّديةً في الأقطاب لا تجري معالجتها من خلال تعدّدية الأطراف. علاوة على ذلك، حدّد سيلييرز تحديات القرن الواحد والعشرين على أنّها الجائحة وتغيّر المناخ والتهديدات المتزايدة على السلام والأمن. ويقع مجلس الأمن في قلب بنية الأمن العالمي، ومن دون نهاية للعضوية الدائمة وحقّ النقض لن يتمكّن المجلس من معالجة هذه المسائل. في هذا الخصوص، المسار الوحيد هو طرح مقترحات مفصّلة تضع مجلس الأمن في موقع أفضل في القرن الواحد والعشرين. وينبغي التفاوض بشأن هذه الاقتراحات خارج منتدى التفاوض الحكومي الدولي ثمّ تُطرح على الجمعية العامة كتعديل غير قابل للتفاوض لميثاق الأمم المتّحدة.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة على الأمم المتّحدة كقوّة تفاعلية وعلى المساعدات الإنسانية وأثر الدول الأعضاء في فعالية المنظّمة. ولفتت بكر إلى أنّ للأمم المتّحدة استجابة عالية للأزمات الإنسانية كالفيضانات أو الهجرة القسرية، وأنّه ما من كيان عالمي آخر في موضع أفضل من الأمم المتّحدة للتعامل مع مسائل كهذه. علاوة على ذلك، أعربت عن قلقها من أنّ فترة الانخراط في عمليات السلام والأمن ارتفعت إلى ما معدّله 21 سنة. وقال نصّار إنّه فيما لا تتحمّل الأمم المتّحدة مسؤولية مباشرة لاستعمال المساعدات الإنسانية كسلاح، سمحت إلى حدّ ما بحدوث ذلك. فمن جهة، تقديم المساعدات الإنسانية من دون التنسيق مع السلطات الوطنية انتهاكٌ للقانون الدولي، ومن جهة أخرى، عرقلة الدول تسليمَ هذه المساعدات انتهاكٌ أيضاً. وختم سيلييرز قائلاً إنّ الأمم المتّحدة لا تستطيع فعل سوى ما تسمح لها الدول الأعضاء بفعله مادياً وسياسياً.