نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة عبر الإنترنت في 13 يناير 2021 حول نتائج قمّة العلا التي عُقدت في المملكة العربية السعودية. وركّز النقاش حول رفع الحصار عن قطر مؤخراً ومعايير المصالحة وإجراءات بناء الثقة اللازمة لتعزيز التقارب بين الدول الخليجية. وشارك في الندوة، التي أدارتها نهى أبو الدهب، زميلة في مركز بروكنجز الدوحة، مجموعةٌ من الخبراء المرموقين، من بينهم عبد الله الشايجي، أستاذ في العلاقات الدولية والسياسة الأمريكية في جامعة الكويت؛ وماجد الأنصاري، رئيس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية (قياس)؛ وابتسام الكتبي، مديرة مركز الإمارات للسياسات؛ وهشام الغنّام، كبير الباحثين في مركز الخليج للأبحاث في كامبريدج.
بدأ هشام الغنّام النقاش بتسليط الضوء على قمّة العلا بصفتها إنجازاً نظراً إلى المحاولات المتعدّدة الفاشلة للوصول إلى مصالحة في السنتَين الماضيتَين. وشرح الغنّام قائلاً إنّ الجهات المتنازعة قدّمت تنازلات للوصول إلى مصالحة لأنّ استئناف العلاقات بات من مصلحتها بشكل ملحّ. وأدركت المملكة العربية السعودية بشكل خاص أنّه ما من سبب لاستمرار الحصار وأرادت أن تظهر أنّها دولة تحلّ المشاكل قبل استلام الإدارة الأمريكية الجديدة شؤون البلاد. ثمّ انتقد الغنّام التضخيم من أهمّية الولايات المتّحدة في هذا الإنجاز، معتبراً عوضاً عن ذلك أنّ الفضل يعود لدول مجلس التعاون الخليجي بحدّ ذاتها نظراً إلى مصالحها الأمنية والاقتصادية المشتركة. وصحيح أنّ القمّة إنجازٌ، لكن ينبغي توخّي الحذر في التحليل والتوقّعات، إذ لم يتمّ وضع خطّة واضحة بعد حول كيفيّة إدارة الخلافات. وشدّد الغنّام على أنّ خطّة كهذه ينبغي أن تشمل اتّفاقاً تدريجياً حول المواقف المتضاربة إزاء تركيا وإيران والإخوان المسلمين وخطوطاً عريضة للتنسيق الأمني ضدّ الجهات الفاعلة من غير الدولة في المنطقة، ولا سيّما في العراق واليمن، وهيكليةً لحلّ الصراعات المستقبلية. وفي المستقبل، يعتقد الغنّام أنّ الحلول الثنائية الجهة ستسود من دون الحاجة إلى وسيط لحلّ النزاعات المحتملة.
وناقشت ابتسام الكتبي أهمّية إجراءات بناء الثقة في المنطقة. ولفتت إلى أنّ المرحلة التالية من المصالحة يمكنها أن تمهّد الطريق لنوع جديد من العلاقات بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. لكن مع أنّ قمّة العلا تمثّل بداية مرحلة جديدة، لم تنته الخلافات والاختلافات. بالتالي، التعاون الجماعي والآليات المترسّخة لحلّ الصراعات ضرورية جدّاً لخطاب فعّال. وأضافت الكتبي أنّ بناء الثقة بين الدول الخليجية يتطلّب عقلنة المؤسّسات الإعلامية بغية استعادة الاحترام المشترك للمجتمعات في دول مجلس التعاون الخليجي وتخطّي التداعيات الاجتماعية للأزمة. ويتضمّن ذلك أيضاً تعزيز التجارة والتنقّل لغايات الاستثمار والسياسة والعمل والإقامة. ثمّ دعت الكتبي إلى تأسيس محكمة أو مجلس لحلّ النزاعات الإقليمية عوضاً عن رفعها إلى مستوى دولي وتأسيس آليات تعاون إقليمية لإدارة الجائحة. وسلّطت الضوء أيضاً على المسائل الأمنية الأساسية التي ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي معالجتها، وتشمل المواقفَ حيال الإخوان المسلمين والمواقفَ حيال إيران وتركيا والنزاعات في وسائل الإعلام. وختمت الكتبي أنّ وثيقة القمّة لم تُنشر بعد لكي تحظى البلاد بما يكفي من الوقت لحلّ المسائل قبل نشر هذه المعلومات.
وتطرّق ماجد الأنصاري إلى التداعيات الاجتماعية غير المسبوقة للأزمة، بما في ذلك انفصال الأسر ومستوى العداء الشديد الذي برز على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت هذه ظاهرة غريبة نظراً إلى أنّ الدول الخليجية قد شهدت صراعات واختلافات سياسية في السابق، وهذا أمر طبيعي لأنّها دول متجاورة. ثمّ قال الأنصاري إنّ مجلس التعاون الخليجي تأسّس بسبب الإحساس التاريخي والمعاصر المتشاطَر بالتهديد من عوامل داخلية وخارجية. وقد ولّد هذا الإحساسَ في البداية اندلاعُ الثورة الإسلامية في إيران واستمرّ باجتياح الكويت وانتشار التطرّف في المنطقة والربيع العربي ومع جائحة فيروس كورونا المستجدّ حالياً. ومع أنّ تفشّي الفيروس بدأ في خلال الحصار، التقى مسؤولو القطاع الصحّي في مجلس التعاون الخليجي بانتظام قبل قمّة العلا لتنسيق الجهود لأنّ سلامة المنطقة ووضعها الصحّي كانا أهمّ من الخلافات السياسية. وفسّر الأنصاري أيضاً أنّ انخفاض أسعار النفط حثّ الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على التفكير في كيفية المحافظة على ازدهار المنطقة والحرص على ألا تكون السياسات المالية المحلّية والاستثمارات في الخارج عرضة للخطر. وقال إنّ مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى إعادة تفكير جدّية في عقده الاجتماعي وإعادة طرح سياسات مالية متناغمة أكثر في كلّ الدول الأعضاء. وختم الأنصاري عبر التشديد على الحاجة إلى إعادة النظر في آليات حلّ الصراعات في شرعة مجلس التعاون الخليجي لإدارة الخلافات المستقبلية بشكل أفضل.
وتابع عبد الله الشايجي النقاش قائلاً إنّ تحالف مجلس التعاون الخليجي تلقّى ضربة موجعة بسبب الأزمة. وفيما تُشكّل قمّة العلا بداية جيّدة نحو المصالحة، حذّر الشايجي من أسسها الركيكة. فقبل شهر من القمّة، المصالحة مع قطر “لم تكن على أجندة أيّ من الجهات” تبعاً للسفير الإماراتي في الولايات المتّحدة، ممّا يشير إلى تغيير جذري وسريع في المواقف. وشرح أنّ خسارة الرئيس ترامب حثّت دول مجلس التعاون الخليجي، والمملكة العربية السعودية بالتحديد، على النظر إلى الخلاف من منظور جديد، مع مقاربة أقلّ تشدّداً. ثمّ لفت الشايجي أنّ قطر لم تذعن لمطالب الدول الأربعة، ولم يتمّ وضع أيّ خطط لمعالجة المواقف المتباينة المهمّة لدى دول مجلس التعاون الخليجي في ما يخصّ مسألة الإخوان المسلمين وغيرها من المسائل. وأعرب الشايجي عن قلقه لغياب المعلومات العامة حول تفاصيل الاتّفاق والفعاليّات في قمّة العلا. وحذّر أنّ ذلك سيفتح المجال أمام المزيد من الاحتكاكات إن لم يتمّ حلّ القضايا الخلافية الأساسية. وختم بالاقتراح أنّه في وسع قطر زيادة المصالحة عبر تمويل عجوزاتها الاقتصادية في الدول الأخرى والعمل معاً لمكافحة الإرهاب.
وركّزت جلسة الأسئلة والأجوبة اللاحقة على التحديات والفرص المحتملة للعلاقات المستقبلية في مجلس التعاون الخليجي والنسيج الاجتماعي لمنطقة الخليج بعد القمّة. فشدّد الغنّام على أنّ غياب التواصل الفعّال داخل مجلس التعاون الخليجي والثقة بين الدول الأساسية يعرّض أمن المنطقة للخطر، لكنّه كان متفائلاً لهذا التغيير بعد قمّة العلا. ثمّ فسّر الأنصاري أنّ تقدّم قطر الراسخ في مجال الأمن الغذائي وأمن السلع سيحدّ على الأرجح من عودة مستويات التبادل التجاري في المنطقة إلى تلك المسجّلة قبل العام 2017. وشدّد الشايجي على الحاجة إلى إدارة السياسات الاستراتيجية المتباينة لدول مجلس التعاون الخليجي. أخيراً، عبّرت الكتبي عن أملها بإنشاء مؤسّسات لمجلس التعاون الخليجي، على غرار محكمة إقليمية، لتعزيز النقاش الناشط والفعّال. ولفتت أيضاً إلى أنّ النسيج الاجتماعي المتداخل لمنطقة الخليج يعد بعودة العلاقات الطبيعية في المستقبل القريب.