في 17 أكتوبر 2011، استضاف مركز بروكنجز الدوحة مناقشة سياسات لبحث ردة فعل الولايات المتحدة تجاه الثورات العربية، ودورها المستقبلي في المنطقة، والعقبات التي تعترض تنفيذ تطلعاتها، وكان من أبرز المشاركين في الحدث كينيث بولاك، مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنجز، وسوزان مالوني، باحثة أولى في مركز سابان، وأدار الحدث سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة، وشارك فيه أعضاء من الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية.
بدأ كينيث بولاك بتوضيح مدى غياب السياسة الخارجية عن جدول أعمال سياسات واشنطن، قائلاً إن خطورة القضايا الداخلية – وخاصةً حالة الاقتصاد الأمريكي – لم تترك مجالاً كبيراً للنقاش حول خيارات السياسة الخارجية، وأشار بولاك إلى أنه لم يكن واضحًا من الخارج مدى قوة وفعالية الأصوات الداعية إلى سياسة خارجية “انعزالية جديدة”. وكان السبب الحقيقي وراء هذه الكلمات الرنانة هو نقص الأموال حيث القيود المتعلقة بالميزانية. أضاف بولاك أن عدد القوات الأمريكية التي ستُترك في العراق بعد الانسحاب – وهي إحدى القضايا التي تم بشأنها عقد اتفاق بين الطرفين – تم خفضه تحت ضغط من الكونجرس إلى 3000 فقط.
وإلى جانب القيود المالية المفروضة على سياسة قائمة على المبادرة بدرجة أكبر في المنطقة، نوَّه بولاك إلى شكوك ومخاوف عامة للشعب الأمريكي حول توجيه الانتفاضات العربية كسبب آخر يدعو إلى تحفظ الإدارة، بشأن سياساتها إزاء العراق والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع ذلك، فقد كان هناك “سوء إدارة بشعة” من جانب إدارة أوباما التي لم “تضع السياسة الخارجية في أولى اهتماماتها،”
كان من الواضح لـ بولاك أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تساعد “عمليات التحول الخطيرة” في الوقت الراهن في العالم العربي، وتحدث بولاك عن حالة الإحباط الكبير التي يعاني منها أولئك الموجودين في واشنطن، مقاطعة كولومبيا باستشرافٍ للمستقبل يضع الاعتبارات الدولية في الحسبان، وعلى الرغم من عجز وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن تقديم حزم مساعدات كبيرة للمنطقة، إلا أن إدارة أوباما سوف تسعى إلى الوصول إلى سبل ابتكارية تدعم التحول إلى الديمقراطية، كما ذكر بولاك.
وفيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في الخليج، ذكر بولاك أن إدارة أوباما “أقرت بالحاجة إلى التغيير” ولكنه استطرد قائلاً أن الروابط الطويلة العهد والعلاقات الوثيقة” بين واشنطن وحكام الجزيرة العربية جعل من الصعب الحث على الوصول إلى هذا التغيير الحقيقي. علاوة على ذلك، رأى أن حدود نفوذ الولايات المتحدة في حالة البحرين، قد انكشف، بإدارته العاجزة عن تحقيق نتائجها المرجوة من خلال الحوار بين النظام والمعارضة.
بدأت سوزان مالوني ملاحظاتها بالقول أن أحد “الآثار المزعجة” للربيع العربي يتمثل في أنه “زاد من حدة التنافس الإقليمي على النفوذ بين إيران والمملكة العربية السعودية.”، واستشهدت بالمؤامرة الإيرانية الأخيرة التي استهدفت السفير السعودي لدى الولايات المتحدة كدلالة على هذا التنافس، وقالت، رغم طبيعة المؤامرة “الخرقاء”، إلا أن رد فعل أوباما الحازم أكد على أن التهديد الذي تمثله إيران يتم التعامل معه بجدية، وهناك احتمال تورط بعض المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى. وذكرت مالوني أن إدارة أوباما الآن “عادت إلى موقفها الأول من إيران،” وعكست نهج سياستها الأولية بالسعي للوصول إلى حوار مفتوح، ويسير أوباما الآن في “سياسة الضغط والإقناع ذات المسارين،” والتي تتضمن فرض عقوبات على إيران أكثر صرامة من أي عقوبات فُرضت عليها من قبل، وربما تكون هذه السياسة “يمكن الدفاع عنها من الناحية السياسية” وربما تعمل على “مستوى استراتيجي” عن طريق إلحاق ضرر بالاقتصاد الإيراني والعمل على تعقيد روابطها التجارية الإقليمية. قالت مالوني أن ذلك لن ينجم عنه التأثير المطلوب على السلوك الاستراتيجي الخاص بإيران وموقفها الأمني، وهناك صعوبات أيضًا في الحفاظ على السياسة الحالية، حيث أن تأييد الصين والهند للعقوبات قد يَضعف نتيجة تردد الدولتين بسبب ازدياد احتياجاتهما من الطاقة.
وتزعم مالوني أن التحول في السياسة والانتقال إلى مرحلة استخدام القوة لا يزال أمرًا مستبعدًا، على الرغم من أن التطورات التي حدثت مؤخرًا توحي بالصراعات بالوكالة على المسارح الأخرى – ومنها أفغانستان – التي “لم تكن خارج نطاق الممكن.” وفيما يتعلق بسياسة أوسع نطاقًا في المنطقة، أكدت مالوني على أن عام 2011 كان بمثابة السنة الفاصلة. إذا كانت واشنطن في “وضع مستقر” بشأن علاقتها بإيران، فإن إعادة النظر المستمرة في سياستها تجاه الدول العربية كانت بمثابة تحول حقيقي، وقالت مالوني، أيضًا، أننا الآن نرى التغييرات في العالم العربي مماثلة لتلك التي حدثت مع سقوط جدار برلين، وسوف يتعين على الولايات المتحدة أن تكون انعكاسًا للأوضاع الجديدة وتعبر عنها وأن تراعي التغييرات الملموسة، وذكرت مالوني أيضًا، أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تُدرك أنها ليست الطرف الوحيد أو الطرف الأكثر فعالية القادر على التأثير في عملية التغيير في المنطقة، وينبغي عليها أن تعتمد على حلفائها في المنطقة وكذلك في الاتحاد الأوروبي لدعم التغيير التحويلي في العالم العربي.
وفي أعقاب العروض المقدمة من جميع المتكلمين، أُفسح المجال لطرح الأسئلة، وسأل المدير، سلمان شيخ، عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم، في الواقع، بدور أكثر فعالية في المقام الأول في المنطقة. فيقول كينيث بولاك أنه على الرغم من أن واشنطن لم يكن لها دور ايجابي في الماضي، إلا أن التحديات التي تطرحها الانتفاضات العربية تُبين بوضوح الحاجة الملحة لمشاركة الولايات المتحدة ودعمها، ويمكن أن يكون هذا الدعم في شكل موارد (على سبيل المثال، المساعدة في سد العجز الكبير في ميزانيات البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية); أو المعرفة العملية (في المساعدة على استخلاص أفضل الممارسات من عمليات التحول الناجحة); والحماية من “القوى الخارجية المفترسة” التي تسعى للاستفادة من وقت تسوده حالة من عدم الاستقرار.
وردًا على سؤال عما إذا كان الربيع العربي قد ساعد في تنظيم قيم ومصالح الولايات المتحدة، قال بولاك إن صناع القرار قد حافظوا على الانقسام الزائف بين الاثنين خلال السنوات الأربعين الماضية، وكان الخلاف الحقيقي بين المصالح قصيرة الأجل وطويلة الأجل.” لقد أصبح واضحًا، كما يزعم هو، أن التغير الديمقراطي كان في مصالح واشنطن الطويلة الأجل، رغم أن بولاك أصر على أن هذا الإصلاح، وليست الثورة، كان يُشكل أفضل السبل لتحقيق هذا التغير، بالنظر إلى الشكوك والمخاطر الكامنة في عدم استقرار الاضطرابات، ويرى بولاك أن تقديم الدعم لهذه الإصلاح ينبغي أن يرقى حتى يصبح المبدأ الذي تنتظم حوله السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه المنطقة، وأن “كافة السياسات ينبغي أن توجه للمساهمة في تحقيق هذا الهدف الرئيسي.” كان نقص الأدوات اللازمة لدعم القيم والمصالح هو سبب وراء الصعوبة التي تواجهها الإدارة الحالية.
وفي ذات الوقت، ترى مالوني أن هذا التحول في السياسة قد بدأ بالفعل، فربما يكون التصريح الذي أدلت به هيلاري كلينتون لدعم حق المرأة في قيادة السيارة في المملكة العربية السعودية مجرد كلمات منمقة ورنانة، ولكنه يمثل “تحولاً شديدًا”، ويشير إلى تسليم واشنطن بأن مصالحها على المدى الطويل تكمن في التغير التدريجي وتثبت أنه “لم يعد هناك جدار واقٍ حول أي بلد من البلدان.”
وعندما سُئلت ملواني عن المحفزات الممكنة التي تشجع إشراك الرأي العام الأمريكي بصورة أكبر وتحقق سياسة خارجية حاسمة، أشارت إلى أن مدى الإحباط وانعدام الثقة في الداخل يعني أنه من غير المحتمل أن أي شيء يفتقر إلى المواصفات “حدث مأساوي” سوف يتسبب في إحداث تحول حقيقي – وقد لا يكون هذا التحول بالضرورة إلى الأفضل. وفيما يتعلق بمسألة صعود الأحزاب السياسية المعتدلة، قال بولاك أن صانعي القرار في الولايات المتحدة لا يعترضون على الحكومات ذات الغالبية الإسلامية “التي تسعى إلى خدمة مصالحها الخاصة، ولا يحيدون عن طريقهم ليعادوا الولايات المتحدة.” وإذا انتهجت هذه الحكومات سياسات يمكن التنبؤ بها ولكنها صعبة، فلن يكون ذلك سببًا لعدم البقاء حلفاء.
-
October 17
-
المدير
Salman Shaikh زميل سابق في بروكنجز -
المتحدثين
Kenneth M Pollack زميل سابق في بروكنجز
-