نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 27 فبراير 2017 لمناقشة الدوافع التي توجّه سياسة روسيا الخارجية، بخاصة بعد إقرار العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية. شارك فيها أندريه كورتونوف، مدير عام مجلس الشؤون الروسية الدولية؛ وماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية؛ بالإضافة إلى توماس فرير، باحث زميل في شبكة القيادة الأوربية. أدارت الجلسة بيفرلي ميلتون-إدواردز، زميلة زائرة في مركز بروكنجز الدوحة وحضرها لفيف من الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية في دولة قطر.
أوضح كورتونوف وجهات النظر العالمية لروسيا بشأن النظام العالمي، مشيراً إلى أنه بالنسبة للساسة الروس، الفرق بين الخير والشر في العلاقات الدولية ليس بين الديمقراطية والاستبداد، بل بين النظام والفوضى. وأضاف أنّ وجهة نظر صناع السياسة الروسي مشككة أيضاً بشأن العولمة. ففي حين تؤكد وجهة النظر الغربية أن العولمة أمر جيد، فهي تخلق فرصاً جديدة وتفتح المجتمعات وتمكّن الأفراد وتعزز التقدم الاجتماعي، ترى روسيا أنّ للعولمة العديد من الآثار الجانبية المتمثلة بالصعوبات التي تواجه مبادرات على غرار الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) والاتحاد الأوروبي. وشكك كورتونوف بشأن الهيمنة الغربية، متسائلاً إن كنا حقاً دخلنا حقبة ما بعد الحقبة الغربية. وقال إنّه رغم الأهمية التي لا يزال يتمتّع بها الغرب، إلا أنها لم تعد بالحجم التي كانت عليه في السابق. وأكّد كورتونوف أننا في الواقع ندخل مرحلة جديدة من السياسة الدولية.
وأشار كورتونوف إلى أنّ من شأن هذا التباين أن تساعدنا في فهم سياسة روسيا الخارجية تجاه الشرق الأوسط. يبرر الالتزام بالنظام دعم بوتين المستمر لبشار الأسد. وقال إنّ روسيا تدخلت في الأزمة السورية لأسباب جيوسياسية، إذ أراد الروس هزيمة داعش وخشوا أن تتحوّل سوريا إلى ليبيا أخرى أو عراق آخر. ولطالما كانت روسيا مترددة وحذرة بشأن الربيع العربي وتهديده للنظام والفوضى التي قد يخلّفها. ووصف كورتونوف حدود دور روسيا في المنطقة، مؤكدا أنه لا يمكن أن يحل محل دور الولايات المتحدة كداعم أمني كبير، فقدرات روسيا محدودة. وفي نهاية المطاف، سيتعيّن على القوتين التعاون، إلا أنّ ذلك يعتمد على موقف البيت الأبيض.
من جانبه، استهل ماجد التركي مداخلته واصفاً روسيا بأنها لاعب يتمتع بنفوذ في الشرق الأوسط لكن واقعي في الوقت نفسه. وقبل الحديث عن روسيا، أعرب التركي عن استيائه حيال دور اللاعبين الدوليين في المنطقة بشكل عام، وفي خلال العقود التي سبقت الثورات العربية بشكل خاص. وقال إن اللاعبين الدوليين قد جعلوا من قادة المنطقة دمى، ما أفقدهم الشرعية في نظر شعوبهم. وبالتالي، فإنّ هؤلاء اللاعبين قد أثّروا على سلوك الناس تجاه قادتهم في منطقة لطالما كان فيها احترام السلطة محفوراً في العادات والتقاليد. وفي النهاية، أعطوا الأولوية لمصالحهم الضيقة على حساب مصالح شعوب المنطقة ورفاهها.
وتابع التركي قائلاً إن قيام الثورات العربية قد ترجم “الفوضى الخلاقة” على الأرض، الأمر الذي سمح لتلك الجهات الفاعلة الدولية بتوجيه مستقبل المنطقة وتشكيله. وهنا، أخرجت روسيا نفسها من هذا الدور، لا سيما عندما تعلق الأمر بالشأن السوري، حيث سعت إلى تحقيق هدفين: الأول، إيجاد حل شامل للأزمة السورية؛ والثاني، تأمين حضور قوي لها في المنطقة. ولكن رغم رغبة روسيا بأن يكون لها دور في المنطقة، تساءل التركي عن سبب غياب روسيا عن المشهد العراقي. وأضاف أن دورها المحايد في اليمن يُنظر إليه بإيجابية في منطقة الخليج وأن اللاعبين الإقليميين يتوقون لرؤية آثار اهتمامها الحديث في ليبيا، حيث من المتوقع أن يزور الجنرال حفتر موسكو مرة أخرى قريباً.
ورداً على ما قاله كورتونوف، أشار التركي إلى أن على عكس روسيا، لا ترى الدول الخليجية أن الانقسام بين النظام والفوضى يمكن أن يؤدي إلى استنتاج دقيق بشأن الرفاه في المنطقة. وأضاف أنّه في أيامنا هذه، أصبح الخير والشر في النظام الإقليمي في المنطقة الرمادية بين المفهومين.
من جانبه، وبالحديث عن وجهات النظر، قال توماس فرير إنه لا ينبغي أن يُنظر إلى الغرب على أنه لاعب واحد، بل العديد من اللاعبين الذي يعملون كدول وكمنظمات متعددة الجنسيات على حد سواء. وبالتالي، فإنّ التقييم الغربي لسياسة روسيا الخارجية ليس متجانساً. ومع ذلك، شكّل التدخل الروسي في أوكرانيا وضمها لاحقاً إلى شبه جزيرة القرم تغيراً كبيراً في الأمن الأوروبي. وكانت تلك أول مرة تضيف دولة أوروبية إلى أراضيها من خلال عمل عسكري منذ الحرب العالمية الثانية. وبالتالي، شكّل هذا الحدث مخالفة لمجموعة من الاتفاقيات الدولية الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار العالمي وأدى إلى انتشار عسكري في العديد من المناسبات وسلسلة عقوبات وعقوبات مضادة في جميع أنحاء أوروبا. وهذا ما يفسر قلق الغرب العام حيال سياسة روسيا الخارجية ومعارضته لها، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
وقال فرير إن انتخاب ترامب يضيف جانباً من عدم اليقين إلى هذا الوضع المعقد. وفي الوقت الذي لاحقت وعود ترامب بتعاون أفضل في الشأن السوري ترحيباً روسياً، إلا أنّ الأمر مختلف بالنسبة لتصريحاته حول توسيع الدفاعات الصاروخية الأمريكية التي ركّزت على إيران وكوريا الشمالية واعتراضه على الاتفاق النووي الإيراني. بشكل عام، أي محاولة لتحسين العلاقات بين روسيا والغرب تأتي مع إنذار بالتوقع بأن روسيا ستحترم التزاماتها بموجب القانون الدولي.
أضاف فرير قائلاً إنّ الصراع الحالي قد أظهر التباين الكامن بين تفسير روسيا والغرب للقانون الدولي. إذ إنّ الطرفين يختلفان إلى حد كبير في مسائل على غرار حق تقرير المصير والحق في التدخل في شؤون دولة ذات سيادة. ولسوء الحظ، ستستمر هذه الاختلافات في وضع روسيا ضد الغرب في المستقبل المنظور.
وخلصت الندوة مع أسئلة الحضور وملاحظاتهم حول مستقبل سوريا ومصلحة دول الخليج من العمل مع روسيا، بالإضافة إلى طبيعة علاقات روسيا مع إيران ومداها. كما وأمعن المشاركون النظر في طموحات روسيا لباقي دول المنطقة، بما في ذلك فلسطين وليبيا، وما إذا كانت تملك القدرة الاقتصادية لتحقيق طموحاتها العالمية، لا سيما نظراً إلى انخفاض أسعار النفط الأخير.
-
February 27
-
مديرة الجلسة
Beverley Milton-Edwards زميلة سابقة في بروكنجز -
المتحدثون
-