Commentary

ردود فعل خبراء بروكنجز على قتل القائد الإيراني قاسم سليماني

Iranian demonstrators react during a protest against the assassination of the Iranian Major-General Qassem Soleimani, head of the elite Quds Force, and Iraqi militia commander Abu Mahdi al-Muhandis, who were killed in an air strike at Baghdad airport, in front of United Nation office in Tehran, Iran January 3, 2020. Nazanin Tabatabaee/WANA (West Asia News Agency) via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.

إثر ضربة بطائرة مسيّرة أذنَ بها الرئيس ترامب في أولى ساعات يوم الجمعة، قُتل اللواء قاسم سليماني الإيراني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في مطار بغداد الدولي. يستعرض خبراء بروكنجز في ما يلي تحليلاتهم الموجزة حول هذه النقطة التحولية الشرق الأوسط، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى العلاقات الأمريكية الإيرانية وموقع الولايات المتحدة الإجمالي في الشرق الأوسط وغيرها من الأمور.

مديحة أفضل (@MadihaAfzal)، زميلة في منصب ديفيد م. روبنشتاين في مركز القرن الحادي والعشرين لشؤون الأمن والاستخبارات ومركز سياسات الشرق الأوسط: ما يقلقني هو مقدار (أو قلّة) التفكير في هذا القرار من جانب إدارة ترامب، ويقلقني ارتباط هذه الضربة بفكرة أنّ هذه السنة سنةُ انتخابات وهوَس ترامب بباراك أوباما (وقتْل أوباما لأسامة بن لادن في العام 2011) وقرْع طبول الحرب لتحفيز القومية الأمريكية والإلهاء عن المشاكل السياسة المحلّية في بلاده. لا يتطلب هذا الأمر مخيّلة خصبة: ففي العام 2011، قال ترامب مراراً وتكراراً إنّ أوباما سيشنّ حرباً على إيران لكي يُعاد انتخابه. طبعاً، لم يتّخذ أوباما خطوة من هذا القبيل. ويكمن الفارق الكبير بين هذه الضربة وقرار أوباما في العام 2011 بشنّ غارة على بن لادن في باكستان في أنّ هجومه قَتَلَ الإرهابي الأكثر فتكاً في العالم آنذاك وترك منظّمته بلا زعيم. وأحرجت هذه الخطوة البلاد التي تمّ العثور عليه فيها. وأتى قرار أوباما واضحاً وكان ليتخذه أيّ قائد أعلى. غير أنّ قتْل سليماني قرارٌ عشوائي بامتياز، فعلى الرغم من أنّه مكروه من الكثيرين، فقد مثّل الجيش الإيراني وستَعتبر إيران هذا التصرّف عملَ حرب. وستتسبّب عملية القتل هذه بردّ ثأري. في النهاية، قد يعرّض ترامب حياة المزيد من الأمريكيين للخطر جرّاء هذه الضربة.

رانج علاء الدين (@RanjAlaaldin)، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة ومدير مبادرة الحروب بالوكالة: يمثّل اغتيال سليماني تغيّراً جذرياً في السياسة الأمريكية في العراق. فقد شكّلت التعقيدات في السياسة العراقية والإخفاقات في عملية إعادة الإعمار وعملية بناء الدولة في البلاد بشكل عام مناخاً مؤاتياً جداً للميليشيات الشيعية، التي ازدهرت نتيجة هشاشة الدولة والمشهد السياسي المتجزّئ. وقد أبدت الولايات المتحدة تساهلاً مع هذه المجموعات بسبب التزامها بهزْم مجموعات إرهابية مثل تنظيم داعش وبتطوير مؤسّسات الدولة العراقية، معتبرةً أنّ استخدام القوّة لن يفيد في إعتاق العراق من هذه الجهات الفاعلة وأنّ بناء مؤسّسات أقوى ودولة عراقية فاعلة مع قيادة عسكرية محترمة ومحترفة هو ما سيؤدّي في نهاية المطاف إلى قمع التنظيمات الوكيلة لإيران.

لكن يبدو جلياً الآن أنّ الولايات المتحدة، في ظلّ الإدارة الحالية، لم تعد ترغب في استنفاد المزيد من الموارد والوقت وأرواح الأمريكيين من أجل مشروع بناء دولة لم يُحقّق إلا عائدات محدودة للغاية، على الرغم من كلّ الدماء والأموال الأمريكية المُستثمرة في السنوات الأخيرة. وستترك التداعيات الفورية لهذه السياسة الاستباقية الهادفة إلى التخلّص بشكل وقائي من التنظيمات الوكيلة لإيران أثراً في العراق قبل غيره من البلدان، إذ سنشهد فيه تعزيزاً لسلطة الجهات الفاعلة الحليفة لإيران ونفوذها. ومن المستبعد الآن بروز أيّ إمكانية جدّية بالوصول إلى حوكمة وإصلاح جيّدَين في العراق، ولعلّنا سنشهد نهاية الديمقراطية الهشة في العراق. ويمثّل قتل سليماني نعياً لحركة الإصلاح بقيادة مدنية التي سيطرت على البلاد في الأشهر الأخيرة.

دانيال بايمان (@dbyman)، زميل أوّل في مركز سياسات الشرق الأوسط: كما فصّلتُ أكثر في مقالة أخرى، من المحتمل أن يشكّل اغتيال سليماني، الذي قاد لفترة طويلة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، نقطة تحوّل في علاقات واشنطن مع العراق وإيران وسيؤثر بشكل كبير في موقع الولايات المتحدة الإجمالي في الشرق الأوسط. وقد يكون ردّ الفعل ضخماً، وستعتمد الكثير من الأمور على مدى استعداد الولايات المتحدة للردّ الإيراني وردّ جهاتها الوكيلة الكثيرة في الشرق الأوسط.

لكن بالاستناد إلى تاريخ إدارة ترامب في المنطقة، لا يدعو الأمر إلى الاطمئنان.

من الصعب التشديد بما فيه الكفاية على نفوذ سليماني. فبما أنّ القوّات التقليدية الإيرانية ضعيفة، غالباً ما تعمل طهران من خلال الميليشيات والمجموعات الإرهابية وغيرها من الجهات الوكيلة لتحقيق مصالحها في الخارج. ويقود الحرس الثوري الإيراني الكثير من هذه العمليات. ففي العراق، وفي الدول الأخرى التي تؤدّي فيها إيران دورَين عسكري وسياسي على حدّ سواء، على غرار اليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان ومع الفلسطينيين أيضاً، غالباً ما يكون الحرس الثوري الجهة الفاعلة المسيطرة في السياسة الخارجية الإيرانية، أو صوتاً مهمّاً في أدنى المستويات.

وفي أبريل، اتّخذت إدارة ترامب خطوة غير اعتيادية عبر وضع الحرس الثوري الإيراني رسمياً على لائحة المجموعات الإرهابية على الرغم من أنّه ذراعٌ للدولة الإيرانية، وهو بالتالي ليس جهة فاعلة من غير الدول، على عكس معظم الكيانات المُدرجة على لائحة المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة.

وكان سليماني المهندس للكثير من مسائل السياسة الخارجية الإيرانية الخلافية، وهو وفيلق القدس مسؤولان عن مقتل الكثير من الأمريكيين.

ويؤمّن فيلق القدس، الذي يضمّ ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف مقاتل، التدريب والسلاح والتوجيه التنظيمي وغيره من أنواع الدعم لعدد من المجموعات المؤيّدة لإيران.

والحرس الثوري الإيراني، وعلى رأسه فيلق القدس، هو الصلة الإيرانية الرئيسية بحزب الله اللبناني، المنظمة شبه العسكرية الأقوى في لبنان والجهة التي هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة بأمر من إيران. ويعمل فيلق القدس أيضاً مع مجموعات إرهابية فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، وغيرها من المنظمات العدوانية الأخرى في دول أخرى. وعندما اشتبكت الولايات المتحدة مع القوّات المؤيّدة لإيران في العراق، جعل فيلق القدس من هذه القوّات قوّة أكثر فتكاً عبر منحها بعد العام 2005 متفجّرات متطوّرة يمكنها خرق العربات المدرّعة الأمريكية، مما أسفر عن مقتل قرابة مئتَي أمريكي.

ومنذ أن استلم سليماني زمام قيادة فيلق القدس في العام 1998، أنشأ شبكة نفوذ في إيران ذاتها وعبر الجهات الوكيلة الكثيرة لدى الحرس الثوري الإيراني. فغدا رمزاً لقوّة إيران ومكانتها ومجال نفوذها.

علي فتح الله نجاد (@AfathollahNejad)، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة: من خلال القتل المستهدَف لسليماني، القائد المعروف لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في إيران والشخصية التي تجسّد السياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية، إلى جانب أبو مهدي المهندس، العسكري الأول لإيران في العراق، تمكّنت الولايات المتحدة من عرقلة سياسة إيران الإقليمية التوسعية الناجحة. في غضون ذلك، اضطر المرشد الأعلى إلى النزول إلى مستوى أدنى. فللمرّة الأولى، حضر اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن القومي (وقد كان طارئاً في هذه المرحلة). لذا فإنّ قادة الجمهورية الإسلامية في حالة صدمة ولأسباب مُبرّرة.

ولتحفظ طهران ماء الوجه، تستلزم هذه العملية الأمريكية المؤثرة ردّاً سريعاً. غير أنّ طهران تفتقر إلى الخيارات المقبولة، وهي على علم بهذا الأمر. فقد تُعرّض حربٌ شاملة مع الولايات المتحدة صمودَ النظام للخطر وقد يحرمُ تصعيدٌ في الخليج العربي إيرانَ مما تبقّى من عائداتها الشحيحة من النفط. لكن في العراق ولبنان، قد تبرز الفرصة للردّ بشكل من الأشكال. في جميع الأحوال، انفتح باب المشاكل على مصراعيه.

في غضون ذلك، على الرغم من الاحترام الكبير الذي حظي به سليماني في أنحاء إيران باعتباره مشغِّلاً عبقرياً، أدّى قتله إلى ظهور احتفالات في شوارع العراق وفي سوريا، حيث يُكنّ له كره شديد بصفته العقل المدبّر الأكبر في جلب الموت والدمار إلى هذين البلدين.

جيفري فيلتمان، زميل زائر في منصب جون سي وايتهيد في الدبلوماسية الدولية: كان لسليماني دورٌ صغير في تقرير مثير للجدل للأمم المتحدة في ديسمبر، مع أنّه بالكاد تنبّه أحد للأمر آنذاك، على غرار الأدوار التي اضطلع بها في التقارير السابقة. ففي 10 ديسمبر 2019، رفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن تقريره الثامن حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2231 (العام 2015) وتدوين الاتفاق النووي الإيراني (خطّة العمل الشاملة المشتركة) في القانون الدولي والتدابير ذات الصلة. ونظراً إلى الانقسامات بين القوى العظمى، تناول التقرير بتأنٍّ موضوع الانسحاب الأمريكي من خطّة العمل الشاملة المشتركة والانتهاكات الإيرانية للقرار رقم 2231 والمسائل المتمحورة حول الصواريخ البالستية. وبموجب القرار رقم 2231 أيضاً، الذي اعتُمد بالإجماع وأُقرّ بموجب الفصل السابع (أي مع صلاحيات التطبيق) من ميثاق الأمم المتحدة، منع مجلس الأمن سليماني من السفر خارج إيران.

ومع صور ذاتية مُجرِّمة التقطها سليماني في ميادين المعارك في سوريا والعراق ومع مقالات طنّانة حول دوره في الإعلام الإيراني والسوري والعراقي، لفت كلّ تقرير من تقارير القرار 2231 إلى إغفال سليماني الفاضح (لكن غير المفاجئ) لقرار حظر السفر. وفي ديسمبر، وجّه غوتيريش باللغة البيروقراطية الجافّة التي تتّصف بها هذه التقارير أصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى العراق لعدم تنفيذه هذا الحظر. ففي الفقرة 14 من تقرير شهر ديسمبر، ذكر غوتيريش ما يلي: “تشير المعلومات المستمدة من وسائل الإعلام العراقية إلى أن اللواء سليماني قام بأسفار تخالف أحكام حظر السـفر الواردة في القرار. وإني أدعو جميع الدول الأعضاء إلى بذل العناية الواجبة في تنفيذ التدابير التقييدية المفروضة على الأفراد والكيانات المدرجين في القائمة المحتفظ بها عملاً بالقرار 2231”. ووردت إشارة أكثر مباشرة في الفقرة 38 التي تضمنت ما يلي: “في خلال الفترة المشمولة بهذا التقرير، ظهرت معلومات تتعلق بأسفار إضافية قام بها اللواء قاسم سليماني. واستنادا إلى وسائل الإعلام العراقية، فإنه سافر عدة مرات إلى بغداد في تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وحاولت الأمانة العامة الحصول على توضيحات من البعثة الدائمة للعراق، وسأقدِّم تقريرا عن ذلك إلى مجلس الأمن في الوقت المناسب”.

تانفي مادان (@tanvi_madan)، مديرة المشروع الهندي وزميلة أولى في مشروع النظام والاستراتيجية الدوليَّين: كما فصّلتُ أكثر في مقالة أخرى، عبّرت الهند عن ردّ فعلها على قتل سليماني في بيان مُصاغ بعناية. وستراود الهند هواجس جدّية حيال بروز المزيد من التصعيد، إذ لها مصالحُ مهمّة في الشرق الأوسط. ففي منطقة الخليج وحدها، يعيش 8,5 مليون مواطن هندي. وتشكّل هذه المنطقة مصدراً مهماً للواردات الهندية من النفط والغاز (تستورد الهند غالبية النفط الذي تستهلكه)، بالإضافة إلى أنّها مصدرُ استثمار متنامٍ في الاقتصاد الهندي. وأمِلت أيضاً نيو دلهي أن تشكّل هذه المنطقة طريقَ عبور إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، مروراً بميناء جابهار الإيراني الذي تساعد على تطويره، والذي من أجله أُعفيت من العقوبات الأمريكية. علاوة على ذلك، لا تؤثّر الأطراف في هذه المنطقة في الأعمال الإنمائية المتعلقة بأفغانستان وباكستان فحسب بل في هواجس الهند حول مكافحة الإرهاب أيضاً.

فسيعقّد أيّ تصعيد أمريكي إيراني وضع هذه المصالح الهندية. وستشعر نيو دلهي بالقلق حيال أيّ تداعيات محتملة، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في أماكن أخرى أيضاً (بحسب طبيعة الردّ الثأري الإيراني). وفي حال تدهور الوضع أكثر، يمكن أن يؤثّر ذلك في مصالح الهند مع إيران والولايات المتحدة. ولحماية هذه المصالح، توازن نيو دلهي بعناية شديدة بين علاقاتها مع واشنطن وطهران (ومع بلدان مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل أيضاً). لكنّ أيّ تصعيد يمكنه أن يضغط على الهند لاتخاذ خيارات لا تودّ اتخاذها.

سوزان مالوني (@MaloneySuzanne)، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية وزميلة أولى في مركز سياسة الشرق الأوسط: كما كتبتُ في صحيفة ذي واشنطن بوست اليوم، وصلت حرب الظلّ الطويلة والمُتغيّرة المعالم بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تحوّل مفصلي مع وفاة سليماني، القائد العسكري الإيراني الشهير. فمع قتل العقل المخطّط وراء نفوذ إيران المتوسّع في أنحاء الشرق الأوسط، صعّدت إدارة ترامب التوتّرات الكامنة بين واشنطن وطهران ونقلتها من هجوم اقتصادي إلى عمل حربي من المرجّح أن يتسبّب بردّ فعل إيراني خطير لا يمكن التكهّن به.

فلفيلق القدس والحرس الثوري مجموعة كبيرة من القادة المتمرّسين القادرين على تولّي مسؤوليات سليماني، وتهدف الترقية السريعة لنائب سليماني، إسماعيل قآني، ليحلّ محلّه إلى تعزيز فكرة الاستمرار بالعمل كالمعتاد. فصمود الجمهورية الإسلامية بعد مرور ثلاثة عقود على وفاة مؤسّسها ذي الشخصية الملهمة آية الله روح الله الخميني شهادةٌ على ابتعادها عن الاعتماد على أيّ شخصية منفردة.

ولا دليل يُذكر على أنّ إدارة ترامب وضعت استراتيجية لإدارة هذا النوع من المواجهة المطوّلة التي لا يمكن التكهّن بها مع طهران. فلوفاة سليماني في العراق، الذي بات فعلياً مضماره الخاص، إلى جانب شريك عراقي أساسي، وإلقاء القبض على قادة الميليشيات الأقوى الحليفة لإيران في البلاد تداعياتٌ وخيمة على الحضور الأمريكي في العراق. وتترك الضربة أيضاً الحكومة في بغداد في موقف أضعف، ولا سيّما أنّها متضعضعة أصلاً جرّاء أشهر من الاحتجاجات على الفساد والنفوذ الإيراني. فهل من خطّة للتعامل مع التداعيات في العراق ضمن خطوات تتخطى مجرّد دعوة الأمريكيين السريعة إلى مغادرة البلاد؟

وحري بإدارة ترامب أن تتفادى أيّ تبجّح متسرّع بالانتصار. فببساطة، ما من حلول سهلة للتحديات التي تشكّلها إيران. فمقتل سليماني سيُفسد حتماً الأجواء لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة إلى حدّ بعيد. وترامب وطهران كلاهما لا يريد حرباً حقّاً، غير أنّ كلّ جهة بيّنت أنّها غير مستعدة أو غير قادرة على الابتعاد عن مسار سيؤدّي لا محالة إلى صراع أوسع وأكثر كلفة.

مايكل أوهانلون (@MichaelEOHanlon)، زميل أول ومدير الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز: كما فصّلتُ أكثر في مقالة أخرى، أجد صعوبة في معارضة قرار إدارة ترامب باستهداف سليماني وقتله. في الواقع، ومثلما شرح زملائي دان بايمان وسوزان مالوني وبروس ريدل وغيرهم، كان سليماني القائد العسكري الأهم في إيران وربّما ثاني أقوى قائد في البلاد ككلّ. وقد أدّت مؤامرات سليماني إلى مقتل مئات الجنود الأمريكيين في العراق (منذ أنّ سلّم فيلق القدس أجهزة خارقة متشكّلة انفجارياً وغيرها من التقنيات إلى الميليشيات والمتمرّدين الذين يحاربوننا في معظم فترات العقد الأول من القرن وبعده). وكان قتله شبيهاً باستهداف طائرة الأدميرال الياباني ياماموتو في الحرب العالمية الثانية أكثر منه استهداف قائد مدني.

وأدّى أيضاً إمعان إيران في قتل الأمريكيين إلى إلغاء تبريرٍ واحد مهمّ ضدّ الاغتيال السياسي بشكل عام، ألا وهو الخوف من تشريع نوع من الهجوم سيُستخدم عندئذٍ ضدّ بلادنا أو مواطنينا. ومع أنّ الخوف من الثأر شديد في هذه المرحلة، فقد كان سليماني، وليس الولايات المتحدة، هو مَن تخطّى معايير الاغتيال أولاً وقام بذلك مراراً، مُمعناً في مهاجمة الأمريكيين (وغيرهم). وقد خلَف قادة إيرانيين سابقين ارتكبوا أعمالاً فظيعة بحقّ الأمريكيين في بيروت في العام 1983 وفي أبراج الخُبر في المملكة العربية السعودية في العام 1996. ولا شكّ في أنّ التاريخ الأمريكي إزاء إيران شهد تقلبات جرّاء دعمنا للشاه قبل العام 1979 ودعمنا لصدّام (في بعض الأحيان) في خلال الحرب بين إيران والعراق. لكن على مدى الثلاثين سنة الماضية بشكل خاص، كانت إيران الجهة التي تستخدم القوّة القاتلة ضدّنا أكثر مما استخدمناها نحن ضدّها. وفي خلال السنوات الاثنين والعشرين الماضية، كان سليماني المخطّط والعقل المدبّر الرئيسي لمعظم هذه النشاطات. ونظراً إلى تقارير الأجهزة الاستخباراتية المعقولة التي تشير إلى أنّه كان يخطّط للمزيد من الهجمات على مواقع وعناصر أمريكيين في العراق، ونظراً إلى دوره الأساسي على مدى السنوات في الكثير من الأعمال الوحشية المماثلة، لا أستطيع أن أعترض على تصرّف الولايات المتحدة هذا.

لكن المسألة الملحّة الآن هي الحفاظ إذا أمكن على شراكة الجيش الأمريكي مع العراق. ففي حال طرَدنا مجلس النواب العراقي من البلاد نتيجة هذا التصرّف، سيشكّل ذلك فوزاً بحتاً لإيران، نظراً إلى أنّ البلاد ستفتقر بعد ذلك إلى قوة أجنبية موازِنة بنفوذ مماثل لإيران. وسيترك أيضاً هذا الأمر العراق أكثر عرضةً لمزيد من النزاع الطائفي و/أو لهجوم من تنظيمَي داعش والقاعدة. لقد اضطلع الجنود الأمريكيون الخمسة آلاف بدور مهمّ في التدريب وتأمين القوّة الجوية والمعلومات الاستخباراتية وبدور وسيط سياسي صادق ساعد العراقيين من مختلف الطوائف على العمل معاً. ولعلّ الأوان قد فات للحفاظ على دورنا وحضورنا في العراق، لكن علينا أن نحاول. الأهمّ من ذلك كلّه، علينا أن نستعدّ للقبول ببعض القيود المفروضة على أيّ استخدام أمريكي مستقبلي للقوّة في العراق.

بروس ريدل، زميل أول في مركز سياسات الشرق الأوسط ومركز بروكنجز للقرن الحادي والعشرين لشؤون الأمن والاستخبارات: لا شكّ في أنّ المملكة العربية السعودية مسرورة برؤية عدوّتها اللدودة إيران تخسر قائدها الأعلى وخبيرها الاستراتيجي الأفضل. فقد كان سليماني ناشطاً في دعم الحوثيين ضدّ المملكة العربية السعودية وربما أدّى دوراً أساسياً في الهجوم الذي جرى في سبتمبر الماضي والذي ألحق ضرراً كبيراً بمنشأة النفط في بقيق. في العلن، دعا السعوديون جميع الأطراف إلى ضبط النفس.

وتشغل القصر الملكي هواجس شديدة إزاء الخطوة التالية: كيف ستثأر إيران؟ وأين؟ ومتى؟ سيسعى الإيرانيون بلا شكّ إلى التخلّص من الحضور الأمريكي في العراق. وفي حال نجحوا، لن يدوم أيضاً الحضور السعودي في تلك البلاد. بذلك، ستكون إيران قد عزّزت نفوذها على الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية. ولن تقتصر هذه الهواجس على السعوديين فحسب، بل ستشغل بال الكويت والبحرين والإمارات أيضاً.

وفي الجنوب، يعمل السعوديون على التخفيف من حدّة الحرب ضدّ الحوثيين. فقد توقّفت الضربات الجوية السعودية تقريباً وتوقفت تماماً هجمات الحوثيين بالقذائف والطائرات المسيّرة. فهل ستضغط الآن طهران على الحوثيين ليغيّروا المسار؟ ففي أواخر الشهر الماضي، هدّد الحوثيون بشكل غير متوقّع بشنّ موجة من الهجمات الجديدة على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تفوق الهجوم في مدينة بقيق سوءاً.

ويواجه السعوديون أيضاً مشكلة شيعية داخلية. فهم يتذكّرون أنّ الإيرانيين كانوا وراء الهجوم المميت في العام 1995 على الثكنات الأمريكية في أبراج الخُبر، بالتعاون مع السعوديين الشيعة وحزب الله أيضاً. وبالنسبة إلى الرياض، على غرار سائر المنطقة، إنّها فترة من القلق الشديد.

شبلي تلحمي (@ShibleyTelhami)، زميل أول غير مقيم في مركز سياسات الشرق الأوسط: كما وصفَت افتتاحية في صحيفة ذي واشنطن بوست في إطار تناولها موضوع الأزمة في العراق، حتّى قبل وفاة سليماني، “أوقع [الرئيس ترامب] نفسه في هذه الورطة عبر الانسحاب من الاتفاق النووي في العام 2015 مع إيران، على الرغم من شهادات الأمم المتحدة بالامتثال الإيراني وإطلاق حملة عقوبات ضخمة ألحقت ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإيراني”. وقد أفضى هذا الأمر إلى موقف لا يطاق، إذ لم تتمكّن إيران من تقبّل التكاليف التي سببتها سياسة “الضغط الأقصى” التي فرضتها الإدارة الأمريكية، وكان لا بدّ لها من أن تجعل الوضع الراهن غير مريح بالنسبة إلى الولايات المتحدة. بالتالي، ستشعر إدارة ترامب بأنّها مرغمة على الردّ، غير أنّها مقيّدة فقط بغريزة ترامب الظاهرية بتفادي التصعيد الذي يمكن أن يؤدّي إلى حرب مُمكنة مع إيران. زد على ذلك الجهات الفاعلة في المنطقة والمستشارون الصقوريون الذين لا يمانعون التصعيد ضدّ إيران، ليصبح بذلك التخوّف في مسار زلق منذ البداية. فما قد يبدو للرئيس (أو لقيادة إيران) ردّاً محدوداً على تصرّف الجهة الأخرى، قد يتّضح أنّه أكثر مما قد تتحمّله الجهة المقابلة، سواء أمن الناحية الاستراتيجية أم من الناحية السياسية، مما قد يسبّب تصعيداً سريعاً.

ولا يعني هذا الأمر أنّ إيران ستبذل جهداً كبيراً للتصعيد، فالمواجهة العسكرية الكاملة ليست من مصلحتها. غير أنّ سليماني مثَّل السياسة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان ولديه حلفاء أوفياء قد لا يخضعون بالكامل لسيطرة قادة إيران، زدْ على ذلك أنّ القادة الإيرانيين بذاتهم، الذين يشعرون أصلاً أنّهم في حالة حرب نظراً إلى الحرب الاقتصادية ضدّهم، يخاطرون بخسارة الكثير مع وفاة أحد جنرالاتهم الأكثر نفوذاً، فهو رمز سلطتهم الإقليمية. بالتالي، قد لا يكفي نفور ترامب الراسخ ظاهرياً من التصعيد ليتمكّن من تفاديه هذه المرة. وإن سلِمَت الجرّة هذه المرّة بفعل ضبط استثنائي للنفس، تحرص التناقضات التي سبّبتها تصرفات ترامب الأولى إزاء الاتفاق النووي والعقوبات المعزَّزة، مقرونة بالتناقضات الإيرانية، على أنّ تتفاقم الأزمة.

تمارا ويتس (@tcwittes)، زميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط: هل كانت إدارة ترامب محقّة باعتبار أنّ قتل سليماني يستحقّ عناء التعرّض لخطر التصعيد؟ لا أدري، وسأحتاج إلى معلومتَين محدّدتَين لمساعدتي على الإجابة على هذا السؤال.

المعلومة الأولى هي المعلومات الاستخباراتية التي كانت بحوزة الإدارة لتبرير تأكيدها أنّ الاغتيال حال دون وقوع هجوم وشيك. سليماني متورّط في استهداف موظفين ومنشآت ومصالح أمريكية لعدّة سنوات، والميليشيات المرتبطة بإيران تطلق الصواريخ على القواعد العراقية التي تستضيف أمريكيين لمدة أكثر من شهر. فما الداعي إذاً إلى الدفاع الداهم عن النفس في هذه اللحظة وفي هذا المكان؟ وعلى أيّ أساس تعتبر الإدارة أنّ قتل سليماني سيُجنّب فعلاً شنّ هجوم محدد؟ ستهمّ هذه المعلومة الحكومةَ العراقية عند اتّخاذها القرار في ما إذا كانت قادرة على غضّ النظر عن هذا الاعتداء المباشر على سيادة أراضيها. وستهمّ هذه المعلومة أيضاً حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها الذين ما كانوا على علم بالتصرّف الأمريكي، مرّة أخرى. وسيطرح أعضاء الكونغرس هذه الأسئلة أيضاً عند اتّخاذهم القرار في ما إذا كانوا سيمنحون الرئيس أيّ سلطة إضافية لاستخدام القوة ضدّ إيران. ويسمح ادّعاء الرئيس بالدفاع المداهم عن النفس بتبرير هذا الاغتيال وفقاً لصلاحيته بموجب المادّة الثانية، لكن في حال دخلت الولايات المتحدة وإيران في دوّامة تصعيدية، من المستبعد ألا يتمّ النظر في هذا الادّعاء.

أما المعلومة الثانية والأهم لأسباب شتى فهي: ما الهدف الاستراتيجي للإدارة في مواجهاتها مع إيران؟ ما الإنجاز الذي سيحقّقه هذا الاغتيال برأيها عدا التخلّص من هذا التهديد المُحدق الذي تدّعي به. في مراحل مختلفة، عرضت إدارة ترامب أهدافاً متباينة للغاية في حملتها الضاغطة على إيران، بما فيها تغيير النظام وكسب سطوة في المفاوضات المستجدّة ومنع إيران من افتعال المزيد من المتاعب. فهل تعتقد إدارة ترامب أنّ وفاة سليماني سيمنع إيران من ممارسة قدراتها في الحملات في المنطقة؟ هل تعتقد أنّ خسارة سليماني ستطيح بحكومة إيرانية ضعيفة أصلاً؟ هل تعتقد أنّ هذه الضربة المدمِّرة ستدفع بإيران إلى السعي إلى السلام وفقاً لشروط تفيد مصلحة واشنطن؟ أم أنّ هذه الضربة، كما اقترح بعضهم، هي خطوة وداع اتّخذتها إدارة ترامب قبل الانسحاب من العراق وسوريا، لتقول بالفعل لإسرائيل والدول العربية: “لقد قتلنا الشخصية الشريرة التي تخشونها وآن الأوان لنرحل”.

من دون معرفة الأهداف الأمريكية، سيصعب على الشركاء الإقليميين والدوليين القيام بأيّ أمر باستثناء الاتقاء من الاحتمال الأسوأ المتمثّل بمواجهة أمريكية إيرانية أوسع. ومن دون معرفة الأهداف الأمريكية، لن يكون للإيرانيين أمرٌ يقارنون به تصوّرَهم للتهديد ورغبتَهم في الثأر.

Authors