Commentary

انفجار الوضع الداخلي في ليبيا وما يعنيه للغرب

Smoke rises following what witnesses said was an air strike during a battle between Libyan forces allied with the U.N.-backed government and Islamic State militants in Sirte, Libya September 7, 2016. REUTERS/Hani Amara - RTX2OJ7B

يُعتقد أن نقطة المركز لحالة الفوضى التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط اليوم هي واضحة، تحديداً سوريا. ولكن مع استمرار توجيه الدبلوماسيين وصناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا لطاقاتهم هناك – بما في ذلك على وجه الخصوص احتواء التهديد الذي تشكله الدولة الإسلامية – سيكون لدوامة ليبيا آثار خطيرة على الجهات الفاعلة نفسها. ولذلك، لا بد أن تبقى ليبيا ضمن رؤية استراتيجية.

هناك خطر في أن يجعل التحول السوري الولايات المتحدة والعالم أكثر عرضة للمخاطر التي تختمر في ليبيا – والتي هي في نواحٍ كثيرة بنفس أهمية المخاطر التي يطرحها الوضع في سوريا. في الوقت الذي أبرز فيه موسم الحملات الانتخابية الأمريكية الخلاف حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تؤدي دوراً أكبر أو أقل في العالم، لا تزال هذه التهديدات تكبر – وهي سوف تؤثر على خيارات سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الأوسع في كلا الحالتين.

الفوضى الداخلية

اعتبرت حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة من الأمم المتحدة، حتى وقت قريب، وحشاً خجولاً. فقد وقعت أوامر وقيود الحكومة المنعزلة في قاعدة أبي ستة البحرية في طرابلس إلى حد كبير على آذان صماء في الوقت الذي تتعمّق الانقسامات الداخلية في كافة المناطق الليبية أكثر فأكثر. لقد تفاجأ العديد من المراقبين – ممن بنوا توقعات منخفضة – من أنّ حكومة الوفاق قد أقالت بعض وزراءها الغائبين في يوليو وانتقلت إلى مقر الحكومة الرسمي في طريق السكة في العاصمة طرابلس تحت أشعة الشمس الحارقة. قوبل هذا الإجراء بالمعارضة على الصعيد المحلي، وبخاصةٍ من قبل خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطني التي أطلقت على نفسها هذا الاسم والتي تأخذ من طرابلس أيضاً مقراً لها. من الواضح أن أمام ليبيا طريق طويل من أجل تأسيس قوة وحكم موحدين على كافة الأراضي الليبية.

ما زالت قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية وحكومة الإنقاذ الوطني وميليشيات أخرى تتنافس بشدة وبعنف ساعية للاستلاء على السلطة من خلال السيطرة على بلد يتميز بالمناطقية الموبوءة. وفي الوقت نفسه، أصبحت الدولة الإسلامية – التي واجهتها انتكاسات على الأراضي السورية والعراقية – تتوسع في ليبيا من حيث المقاتلين، وكذلك محاولاتها للاستيلاء على الأراضي والموارد الاقتصادية. صحيح أنّ داعش قد طُردت من معقلها في سرت، إلا أنها لم تُدمّر وطموحها في الصمود في ليبيا لا يزال قوياً كما كان دائماً. لقد استعادت ميليشيات مصراتة بعض الأراضي، إلا أنّ ذلك لا يهدئ المخاوف من أن قوات داعش الهاربة سوف تنتقل إلى مكان آخر وتنظم صفوفها وتستأنف شن الهجمات في جميع أنحاء البلاد. من شأن ذلك أن، من بين أمور أخرى، يطيل على الأرجح تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً واستراتيجياً ويعمّقه.

وتركّز الفصائل المتحاربة أيضاً على الموارد الاقتصادية باعتبارها أساسية للشرعية السياسية. وكان ذلك كله جلياً جداً في يوليو عندما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة اندماجها مع شركة نفط متنافسة مقرها في شرق ليبيا، حيث تقوم حكومة ثالثة في بنغازي بقيادة رئيس الوزراء عبدالله الثني. طالبت حكومته أن يكون مقر المؤسسة الوطنية للنفط في بنغازي وأن تتلقى 40 بالمئة من عائدات النفط الصافية. وأبرزت تلك المطالب المنافسة على السلطة التي تظهر بينها وبين حكومة الوفاق الوطني. كما وأنّ الموانئ النفطية فتحت مجدداً فقط بعد تدخل مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر. بيد أنه ثمة شكوك بأن قوات حرس المنشآت النفطية، المسؤولة عن حماية موانئ النفط، قد حصلت على المال بالقوة (بما في ذلك رواتب قواتها المسلحة) مقابل إبقاء المرافئ مفتوحة. المخيف بالأمر هو أنّ ذلك سيشجّع الميليشيات الأخرى على القيام بالأمر نفسه، مما يترك هذا الاقتصاد المعتمد على النفط في حالة أكثر ضعفاً مما هو عليه أصلاً. وكان الدينار الليبي قد وصل إلى مستويات متدنية جديدة والسيولة النقدية قد قلّت، بالإضافة إلى تجدد الاحتجاجات على حالة الاقتصاد والتدخل الأجنبي، الأمر الذي أجبر حكومة الوفاق الوطني في طرابلس على إعلان حالة الطوارئ.

التدخل الغربي

زد على كل ما سبق التدخلات الخارجية. لا بد أن نقول إنّ الضربات الجوية الأمريكية المسماة “برق أوديسي” – وهي حملة جوية شنتها الولايات المتحدة في أوائل أغسطس لدعم القوات البرية الليبية تمحورت بمعظمها في مدينة سرت الساحلية وما حولها – كانت صدمة خارجية وعلى المدى القصير. كما وأنّ عواقب تدخّل حلف شمال الأطلسي المؤرقة في العام 2011 لا تزال ملائمة، إلا أنها أصبحت الآن تُقاس بحسب ما يبدو أنه تطفّل متزايد في أمور الشرق من قبل القوات الخاصة الفرنسية وجيوش الدول الغربية الأخرى، بالتعاون مع الجيش الوطني الليبي. (يقال إنه لديها الآن مركز عمليات مشتركة في بنينا.) بالإضافة إلى ذلك، تدعم فرنسا الفريق خليفة حفتر القوي، الذي لا يزال يرفض حكومة الوفاق الوطني.

أقل ما يُقال إنّ الشعب الليبي لا يحبّذ كثيراً هذا التدخل. قامت الاحتجاجات، فكان بعضها ضد مطالبة حكومة الوفاق الوطني بالاستيلاء على السلطة، على سبيل المثال، في حين استهدف بعضها الآخر فرنسا على وجه التحديد بسبب صلاتها بالفريق حفتر. تسلّط التجربة الفرنسية – أي تدخلها في المستنقع الليبي وأملها بأنها قد دعمت اللاعبين الصحيحين – الضوء على المخاطر للولايات المتحدة.

تبيّن الضربات الأمريكية مدى خطورة الوضع في ليبيا، والحقيقة هي أن للتطورات الأخيرة في البلاد عواقب مهمة للغرب. فأوروبا، على وجه الخصوص، تتصارع مع تهديدات إرهابية وزيادة مستمرة للمهاجرين واللاجئين من المياه الليبية – علماً أنّ من شان تفاقم الأزمة الإنسانية في ليبيا أن يزعزع استقرار جيرانها في شمال أفريقيا. مهما قام قادة التدخل العسكري في ليبيا في العام 2011 بتعزية أنفسهم بأنهم قاموا بالتصرف الصحيح، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تحمّل مسؤولية العواقب المترتبة عن هذا القرار.

في المستقبل المنظور، ستنفجر ليبيا أكثر من الداخل فقط، الأمر الذي سيشعل مناقشات استراتيجية في العديد من العواصم الغربية. أما في الوقت الحاضر، فيركّز الكثير من هذا النقاش على التدخل أو عدمه (في الشرق الأوسط أو حتى على نطاق أوسع)، إلا أنّ هذا هو النقاش الخطأ. كان عدم التدخل هو الهدف في ظل إدارة أوباما (وتحقق هذا الهدف في كثير من الحالات)، بيد أنّ الولايات المتحدة وجدت نفسها تتدخّل على أي حال، قد ترتّبت على ذلك عواقب أمنية مهمّة على مواطنيها في الداخل والخارج. وبالتالي، لا شكّ في أنّ إعادة النظر بقرار التدخل هو التحدي الذي ينتظرنا.