Commentary

إعتاق الولايات المتحدة من عذاب الشرق الأوسط

An aerial view of the coast of the Red Sea and the two islands of Tiran and Sanafir is pictured through the window of an airplane near Sharm el-Sheikh, Egypt November 1, 2016. Picture taken November 1, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh - RC1B224A9E00

رغم كون الأمر مؤلماً، تحتاج الولايات المتحدة أن تباشر العمل للانسحاب من التزاماتها الكبيرة في الشرق الأوسط. هذه هي الخلاصة التي نقدمها في المقالة التي نُشِرت على فوراين أفيرز بعنوان “America’ East Purgatory: The case for doing Less”. وفي الوقت الذي تتراجع فيه مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بما يتماشى مع رغبة الشعب الأمريكي بالالتزامات في المنطقة، لا بد من أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة تجاه الشرق الأوسط تتّسم بمزيدٍ من الوضوح والنظام.‎ 

جهد كل من باراك أوباما ودونالد ترامب لتحقيق التوازن بين رغبتهما بتخفيض التزامات الولايات المتحدة الإقليمية من جهة وانهيار النظام الإقليمي والاحتجاجات الصاخبة للشركاء الأمريكيين الإقليميين من جهة أخرى. وقد أدّت ديناميكية التجاذب بين التفضيلات الأمريكية والإقليمية إلى خلق أسوأ نهجٍ لصناعة السياسات، يكون فيه التدخل الأمريكي كبيراً بما يكفي لتكبد تكاليف كبيرة، لكنه ليس بالقدر الكافي لدفع المنطقة نحو مسارٍ أكثر إيجابية.

وتعكس الحرب التي تدعمها المملكة العربية السعودية في اليمن هذه المشكلة بوضوح. إذ تدعم إدارة ترامب كمثيلتها السابقة، إدارة اوباما، الحملات الجوية السعودية لطرد المتمردين الحوثيين من الأراضي التي سيطروا عليها بعد اندلاع القتال في العام 2015. وقد أدى ذلك إلى معاناة مدنية كبيرة ولم ينتج عنه أي نصر حاسمٍ – مما دفع أغلبية النواب للتصويت لصالح تقديم قرار ينهي الدعم الأمريكي للحملة. وتقول المملكة العربية والإمارات العربية إنّ اليمن يشكل جبهة مهمّة في وجه التوسع الإيراني وتؤكد إدارة ترامب ذلك. إلّا أنّ ترامب لا يزال متردداً بين عدم الرغبة في استعمال نفوذه للحث على إنهاء القتال وعدم رغبته كذلك بالاستثمار مباشرة في أهداف شركائه العسكرية. نتيجة لذلك، تورّط ترامب والولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير في العواقب المروّعة لحربٍ لم يختَر أيهما خوضها ولا يملك أيهما سيطرة عليها، بالإضافة إلى أنّها تصرف الانتباه عن قضايا أخطر تتعلّق بالتعزيز الإيراني في بلاد الشام.‎

وقد أدّت الالتزامات العسكرية الشاملة وغير الحاسمة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية إلى جعل الكثير من الأمريكيين، بمن فيهم من هم في عالم السياسة، ينفرون من محاولات الولايات المتحدة لتحقيق إنجازات في الشرق الأوسط عبر بذل جهودٍ وحدها. ولتفادي الورطات، غالباً ما يتحدّث صانعو السياسات عن العمل “عبر” الشركاء الإقليميين و”معهم ومن خلالهم” بهدف تحقيق أهدافنا بكلفة أقلّ. غير أنّ النجاح يعتمد على عمل الشركاء الإقليميين لتحقيق الأهداف عينها كما نعمل نحن عليها. ففي الشرق الأوسط، فيما يتحارب الشركاء الإقليميون لبسط هيمنة إقليمية – وتتراجع أهمّية المنطقة في جدول مصالح واشنطن – يتزايد احتمال ألّا يكون هذا الحال. وفيما يستمرّ القادة الأمريكيون في تحويل الموارد اللازمة من أجل معالجة المنافسات على النفوذ مع روسيا والصين، يجدر بهم أن يكوّنوا نظرة أوضح حول مصالح شركائهم الشرق أوسطيين ومساوئهم وقدراتهم وقيودهم.

وفيما تتشارك الولايات المتحدة اهتمام المملكة العربية السعودية بمكافحة انتشار النفوذ الإيراني في المنطقة، يختلف الاثنان تماماً في كيفية تحقيق هذا الهدف ومكان تحقيقه. فلم يأتِ الدعم الأمريكي للحرب في اليمن وليدة ضرورةٍ استراتيجية أمريكية أو رؤيةٍ متشاطرة لكيفية دحر إيران، بل كتعويض للسعوديين عن الاتفاق النووي الإيراني.

وسيحمل الالتزام الأمريكي المتضائل في الشرق الأوسط مخاطر، ومن المرجّح أن تستمر المنطقة في تحمّلها مجموعة من التداعيات القاسية. لكن يبدو واضحاً أنّ الولايات المتحدة لا يمكنها واقعياً أن تحاول معالجة تحدّيات المنطقة الأساسية من دون استثمارات هائلة – وهي استثمارات لم تبدِ حتّى الآن استعداداً للقيام بها والتي قد لا تنجح حتّى. ونحن نعلم إلام يفضي القيام بالمزيد في الشرق الأوسط – وهو أمر ليس بجميل. وقد يبدو القيام بما هو أقلّ قبيحاً أيضاً، لكن نظراً إلى تكبّد واشنطن تكاليف عالية بإعطائها للشرق الأوسط الأولوية، آن الأوان للمحاولة.