في الأسبوع الماضي، تصدرت أزمة اللاجئين السوريين العناوين الرئيسية للعديد من الصحف حول العالم حيث بلغ عدد السوريين الذين يبحثون عن حق اللجوء السياسي في الخارج إلى مليون شخص. لكن هناك أزمة أخرى لا يُسلط عليها الضوء كثيرًا وهذه الأزمة تتعلق بالنزوح الداخلي. فلقد تجاوز عدد السكان النازحين داخليًا في سوريا مليوني نسمة منذ شهور وفقًا لبعض التقديرات، هناك أكثر من ثلاثة ملايين سوري أجبروا على النزوح داخل سوريا، أغلبهم لا يستطيعون الوصول إلى المساعدات الدولية أو الحصول على التغطية الإعلامية. تداعيات هذه الأزمة يمكن وصفها بالكارثية لكافة السكان النازحين، لا سيما بالنسبة للنساء والفتيات. واليوم العالمي للمرأة فرصة لتسليط الضوء على هذه التداعيات الخطيرة التي لم يُلتفت إليها بالقدر الكافي إلى الآن.
في مفارقة تبعث على الكآبة، يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للمرأة وهو أيضًا إجازة رسمية في سوريا، تخليدًا لذكرى انقلاب عام 1963 الذي أوصل حزب البعث إلى سدة الحكم وشهد تولي حافظ الأسد منصب قائد القوات الجوية السورية. وفي النهاية أصبح حافظ الأسد رئيسًا لسوريا، ورغم كل خطاياه كان نصيرًا للمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق. لكنه تحت حكم ابنه بشار الأسد، أصبحت سوريا جحيمًا لنسائها، خصوصًا بالنسبة لملايين النساء اللائي نزحن من بيوتهن منذ بدأت الأزمة في البلاد من عامين.
وضمن مسلسل الانتهاكات المستمرة التي تميز الصراع السوري، بزغ الاغتصاب باعتباره عنصرًا مميزًا لأزمة النزوح. تشير تقارير لجنة الإنقاذ الدولية، وهي وكالة مساعدات رائدة، إلى أنه بين اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، كان الاغتصاب دافعًا رئيسيًا لهروبهن. في داخل سوريا، يشير تزايد حوادث العنف الجنسي إلى أن الاغتصاب يستخدم كسلاح من أسلحة الحرب. وكما أشار مؤخرًا مساعد المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير رفعه لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، فإن أزمة النزوح “مصحوبة بجرائم ترتكب على أساس النوع الاجتماعي، وانتهاكات متعمدة ضد النساء والأطفال، وأيضًا انتهاكات صارخة ومخيفة ضد كرامة الإنسان”. وغالبًا ما تنفذ هذه الانتهاكات علنًا، ما يزيد من الإذلال والعار لمن بقي على قيد الحياة”.
وجزئيًا كنتيجة لهذا العنف. كثير من العائلات أُجبرت على النزوح مرات عديدة. قليل من النازحين عثروا على مأوى آمن أو مساعدات كافية. فعلى سبيل المثال، منذ يناير، لم تتمكن وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والمعروفة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من توصيل أكثر من قافلتين من المساعدات للنازحين داخليًا عبر خطوط النزاع. وفي حين أن هذه القوافل عمل لوجيستي ودبلوماسي مهم، فإن توزيع 15 ألف بطانية وألف خيمة من قبل بعثة 13 فبراير لا تتناسب إطلاقًا مع الملايين الذين يحتاجون إليها. ووفقًا لتقارير نُشرت مؤخرًا، وصلت برامج المساعدات النقدية التابعة للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى الآن إلى عدد يُقدر بـ 25 ألف سوري نزح داخليًا، وهي نسبة ضئيلة من إجمالي السكان النازحين داخليًا.
عدم كفاية المساعدات الإنسانية وتنامي الفقر بين السكان أدى إلى خلق دائرة خبيثة يتعرض فيها النساء والفتيات اللائي فررن من العنف الجنسي والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي للاستغلال بينما يكافحن للعثور على الطعام والوقود من أجل البقاء على قيد الحياة. وتتزايد معدلات العنف المحلي في مثل هذه الظروف، وكثير من الأسر اليائسة قامت بتزويج بناتها في سن أصغر من المعتاد وذلك لضمان قدر ضئيل من الحماية لهن، وتقليل عدد الأفراد الذين يلزم هذه الأسر إطعامهم في البيت.
في ظل غياب حل للنزاع، ما الذي يمكن فعله من أجل دعم النساء والفتيات النازحات داخل سوريا؟
أولًا، وكما قال جون هولمز، الوكيل السابق للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “يحتاج المتبرعون إلى التحرك والتعرف على مدى حدة الأزمة الإنسانية في سوريا وما حولها ومواجهة الحتمية الافتراضية بأن هذه الأزمة سوف تزداد سوءًا وسوف تدوم لوقت أطول بكثير مما كان متوقعًا في البداية”. هناك حاجة إلى مزيد من الدعم ليس من أجل لاجئي سوريا فحسب، ولكن من أجل النازحين داخليًا أيضًا. كما أن هناك حاجة إلى تجديد الجهود لاستكشاف الكيفية التي يمكن بها إيصال مزيد من المساعدات إلى النازحين في مناطق خارج هيمنة الحكومة السورية، بما يشمل نقل الإمدادات عبر الحدود بين سوريا والدول المجاورة، والبناء على الجهد الحالي للمنظمات المحلية غير الحكومية والجمعيات الدولية مثل أطباء بلا حدود.
ثانيًا، هناك حاجة إلى إعطاء مزيد من الاهتمام لمهمة منع العنف الجنسي ضد النساء والفتيات السوريات واتخاذ الإجراءات اللازمة حياله. ويجب أن يشمل هذا الرعاية الطبية والإرشاد النفسي وتعزيز الأمن في المعسكرات والأماكن التي يشغلها النازحون وتوفير المساعدات الاقتصادية لخفض المعدلات المرتفعة للزواج المبكر والاستغلال بما يشمل الجنس من أجل البقاء. أطلق وزير الخارجية البريطاني وليام هيج مبادرة للتحقيق في العنف الجنسي في سوريا ومكافحته، وحيث إن بريطانيا سوف تترأس مجموعة الثماني، فإنها سوف تروج لبروتوكول دولي جديد يُعنى بالتحقيق في العنف الجنسي خلال النزاع وتوثيقه. ويجب على الدول الأعضاء في مجموعة الثماني إضافة إلى حكومات أخرى مهمة أن تدعم هذه المبادرة دعمًا كاملًا.
اليوم العالمي للمرأة لحظة مثالية لتحقيق نقطة تحول من حالة الإفلات من العقاب والإهمال التي اتسمت به ردود الأفعال حيال انتهاكات الحقوق واحتياجات النساء النازحات في سوريا حتى يومنا هذا.
ملحوظة المحرر: هذا المقال نُشر في الأساس في ديلي بيست بعنوان “فرار النساء من جحيم الاغتصاب السوري”.
Commentary
Op-edأزمة سوريا غير المرئية: النازحات يواجهن الاغتصاب وعدم الأمان والفقر
March 8, 2013