Commentary

Op-ed

القدس: حماية الأماكن المقدسة

The Dome of the Rock is seen in the background as a man waves a Palestinian flag upon entering the compound known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, after Israel removed all security measures it had installed at the compound, in Jerusalem's Old City July 27, 2017. REUTERS/Muammar Awad
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في موقع Open Democracy.

يسلّط الهجوم الدامي الذي استهدف مجمع مسجد الأقصى في القدس يوم 14 يوليو 2017  والأزمة التي تلته بين إسرائيل والفلسطينيين، الضوء على التحدي المستمر المتمثل في تأمين الأماكن المقدسة في مدنٍ مقسّمة بشدة كمدينة القدس.

وكانت الإجراءات الأمنية الإسرائيلية قد أدّت إلى تزايد القلق الدولي، إلا أنّ ثمة إدراك بأن هذه الإجراءات لن تؤثّر كثيراً في المدى الطويل على حلّ التحدي الذي تطرحه حرية المعتقد في منطقة مشتركة بين عددٍ من الأديان.  

المساحات في الأماكن المقدسة

يعتبر مليارات المؤمنين حول العالم – سواء أيهوداً كانوا أم مسيحيين أم مسلمين – مدينة القدس مكاناً مقدساً. فهي تعتبر مدينة السلام. وبالنسبة للمسلمين، إنّ المسجد الأقصى، الواقع في قلب الحي الإسلامي في مدينة القدس القديمة، هو ثالث الحرمين بعد مكة والمدينة. والأقصى أولى القبلتين، والمكان، الذي وفقاً للكتاب والسنة، أُسري بالنبي محمد إليه على البراق قبل أن يُعرج به إلى السماء.

قبل أن يعترف اليهود بحرمة المكان الإسلامية، وصفت الأعراف اليهودية هذا المجمع كموقع قام عليه يوماً المعبدان اليهوديان الأول والثاني. تحظر الشريعة اليهودية الدخول إلى المجمع والصلاة فيه على اعتباره أقدس الأقدسين. إلا أنّ ملايين اليهود يصلّون عند الحائط الغربي (أو حائط المبكى) وهو ما تبقى من المعبد اليهودي.

الرمزية

يولي الفلسطينيون وكذلك الإسرائيليون أهمية عظيمة للقدس. فالبنسبة للفلسطينيين، تشكّل المدينة، بما في ذلك الأماكن المقدسة، جوهر هويتهم الوطنية وحقهم بتقرير مصيرهم المعترف به دولياً. تتجاوز الوحدة حول المواقع المقدسة، كالمسجد الأقصى، عناصر الاختلاف السياسي. طوال نحو قرنٍ من الزمن، تحالف الفلسطينيون لحماية الأقصى، إلا أنه كان أيضاً ساحة نزاع وصراع مع إسرائيل منذ أن احتلت هذه الأخيرة النصف الشرقي من المدينة في العام 1967. وفي العام 2000، اندلعت الاحتجاجات الفلسطينية وتحولت إلى انتفاضة ثانية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها أرييل شارون إلى الأقصى.

في الواقع، حين استولت إسرائيل على مدينة القدس في يونيو 1967، أعلنتها العاصمة الموحدة للبلاد. وسيطرت إسرائيل على مساحة من منطقة المغاربة الواقعة على مقربة من الحائط الغربي، فتحولت مذاك إلى موقع يعجّ بالحجاج والمصلين.

رغم ذلك، استمرّ المجتمع الدولي في رفضه الاعتراف بسيطرة إسرائيل على القدس وفضّل  اتخاذ تل أبيب كموقعِ  للسفارات.

إرساء الأمن

لقد أظهرت موجات العنف والاحتجاجات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية منذ الحادث الدامي غياب الحوار والتعاون والاهتمام الجاد بين إسرائيل والفلسطينيين والجهات الأردنية الوصية على مجمع المسجد الأقصى. وقد اشتملت الخطوات الأمنية الإسرائيلية الأحادية الجانب على قرار بتركيب أجهزة كشف للمعادن وكاميرات حماية، وهي خطوات تُضاف إلى الإجراءات الأمنية المتشددة التي سمحت إسرائيل لنفسها باتخاذها بشكلٍ منتظم ضدّ المصلين المسلمين، ولا سيما الفلسطينيين، في ما يتعلق بحقهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية. على مدى عقود أدت صلاة الجمعة في المسجد الأقصى إلى اتخاذ إجراءات أمنية إسرائيلية للحد من وصول الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع إلى المسجد. وشمل ذلك، حظر دخول بعض الفئات العمرية، لا سيما الشباب الذكور، وإقامة الحواجز وتفتيش الهويات في أروقة الحي الإسلامي الضيقة والمكتظة بالمصلين في المدينة القديمة التي تؤدي إلى البوابات المؤدية إلى المسجد.

الوضع الراهن

لطالما كانت مدينة القدس مدينة متنازع عليها. في الأزمان المعاصرة، عملت السلطات الحاكمة في المدينة ضمن إطار عمل يراعي الوضع الراهن لإدارة المواقع كالمسجد الأقصى.

إلا أن منتقدي السياسة الإسرائيلية حول مجمع المسجد الأقصى يؤكدون أن ثمة دليل يُظهر تأكيداً متزايداً على سيادة إسرائيل على أجزاء من الموقع. ومع ذلك، تصارع إسرائيل معضلة الأمن الكبرى في المجمّع وحوله، لا سيما وأنه متاخم لحائط المبكى وتلبي مطالب المجموعات اليهودية المتطرفة التي تسعى للوصول إلى الأقصى.

المشاركة

لطالما اعترف المجتمع المدني بأهمية مدينة القدس وما تحويه من أماكن مقدسة. بعد فترة قصيرة من تشكيل الأمم المتحدة، وبذل ما بوسعها في محاولة لحلّ الصراع بين الحركة الصهيونية والفلسطينيين، سعت إلى تحديد الأماكن المقدسة وإلى اقتراح يجعل منها أماكن مشتركة بين الجميع. ورغم الخلافات الطويلة حول هذه المواقع، صُنِّف مجمع مسجد الأقصى كمكان تتشاركه الأديان كافةً. وتسعى الأمم المتحدة مجدداً لتجد صيغة من شأنها ضبط الأزمة الراهنة. إلا أنها تلجأ إلى شعارات وتحذيرات مستهلكة حين تنادي لكبح الوضع الراهن ومنعه من التفاقم. وستجد  الأطراف المعنية ذات الصلة المشاركة بما يحصل على أرض الواقع في القدس في ذلك لغواً غير مجدِ.

إلا أنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ظهرت لتؤدي دوراً مهماً على نحوٍ متزايد في كيفية إدارة الأقصى وغيره من المواقع الأخرى في القدس. إلا أنّ ارتياب بعض السياسيين الإسرائيليين إزاء المنظمة يزداد أكثر فأكثر. كما تدخّل زعماء روحيون بمن فيهم قادة من ديانات أخرى؛ إذ أعرب البابا فرنسيس عن “خوفه” من “التوترات الخطيرة والعنف” في القدس والأقصى، ودعا إلى الهدوء والحوار للتوصل إلى تسوية الخلاف وإرساء السلام.

ولكن في القدس، شدد السياسيون الإسرائيليون والمسؤولون في الحكومة على مخاوفهم الأمنية. واستمر المسؤولون من رجال الدين المسلمين في فلسطين والجهات الأردنية الوصية على الموقع المقدس في إدانة إسرائيل بوصفها قوة محتلة.

وقد أبدت جامعة الدول العربية رأيها في المسألة معتبرة القدس “خطاً أحمراً” ومتهمة إسرائيل باعتماد نهجٍ سياسي طائش ومحذرة من أنّ أي تدابير إسرائيلية حول الأقصى قد تتصاعد لتتحول إلى “أزمة مع العالم العربي والإسلامي”.

وتلقي الأحداث الراهنة الضوء على أن تقاسم المدينة، ولا سيما الأماكن المقدسة، لم يطرح يوماً تحديات أكبر، ويكشف أيضاً غياب الثقة بين المسؤولين الأمنيين والدينيين لدى كافة الجهات ذات الصلة. وقد يلاقي تراجع الحكومة الإسرائيلية عن أي قرار بوضع أجهزة كشف للمعادن في الأقصى ترحيباً، إذ قد يهدئ الأزمة الراهنة.

ولكن ثمّة جهات  مشاركة في مختلف جوانب النزاع الراهن لا بد أن يتواصل معها السياسيون الأمريكيون والحكومة الأمريكية وغيرهم من المنظمات للتشجيع على متابعة الحوار لتفادي الصراع. وفي النهاية، لا بدّ أن تبقى القدس مدينة السلام وليس الصراع.