Commentary

Op-ed

أسلحة أمريكية مضادة للدبابات بين أيدي المتمردين السوريين

في ثلاثة مقاطع فيديو (واحد، اثنان، ثلاثة) نُشرت على موقع “يوتيوب” في 1 و5 أبريل، ظهر أفراد من الجماعة السورية المتمردة المعتدلة “حركة حزم” وهم يشغلون صواريخ لاو ( BGM-71 TOW) المضادة للدبابات الأمريكية الصنع. تم تصوير المقاطع الثلاثة داخل وحول بلدة حيش في شمال محافظة إدلب، ويظهر في مقطعين صاروخان مُعدان للإطلاق في حين يُظهر المقطع الثالث عدة صواريخ محملة في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة. تبيّن هذه المقاطع أن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها أسلحة مماثلة في سوريا منذ اندلاع الصراع في البلاد قبل ثلاث سنوات.

 للوهلة الأولى، يبدو ذلك تطوراً غاية في الأهمية. إلا أنه في هذه المرحلة، يجب الانتباه بعض الشيء للاستنتاجات التي يمكن استخلاصها حول ما يعنيه هذا الأمر. ولا شكّ أن تقديم المزيد من أشرطة الفيديو التي تُظهر وجود صواريخ لاو ( BGM-71 TOW) المضادة للدبابات مُستخدمة في سوريا – وفي شكلٍ خاص بين أيدي جماعات متمردة إضافية أو في مناطق أخرى من البلاد – سيكون ضرورياً لعرض برنامج محتمل يستند إلى الدولة لتوفير أسلحة قيّمة للمتمردين المعتدلين. ولكن حتى الآن، يبدو هذا الاحتمال أكثر وروداً من عدمه ويبدو وصول هذه الأسلحة الجديدة بشكل أو بآخر جديراً ببعض التحقيقات.

كانت شركة هيوز آيركرافت أول من طوّر صواريخ لاو المضادة للطيران في العام 1963 قبل أن تتبناها شركة رايثيون في العام 1997، وقد تم تصديرها على نطاقٍ واسع إلى أكثر من 40 حليف حالي وسابق للولايات المتحدة. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُعتقد حالياً أن إسرائيل، وتونس، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، والمغرب، ولبنان، والكويت، ومصر والأردن، واليمن، وتركيا تخزّن صواريخ لاو المضادة للدبابات أو سبق أن خزنتها.

في شكلٍ مثير للاهتمام والفضول، حصلت إيران أيضاً على عدة آلاف من صواريخ لاو المضادة للدبابات أثناء الأحداث الإيرانية في أواسط الثمانينيات، ويُعتقد أن حزب الله قد حصل على بعضها – كما يثبت ظاهراً من خلال استخدام الحزب في شكلٍ ظاهر لصواريخ لاو في حربه ضد إسرائيل في العام 2006. لكن، من غير المرجح أن يكون مصدر الصواريخ التي استعملها متمردو حركة حزم في سوريا هو حزب الله أو القوات الموالية للأسد لثلاثة أسباب هي: أولاً، لم يظهر أي دليل يؤكد أن القوات الموالية للحكومة استخدمت صواريخ لاو طوال فترة الصراع في سوريا. ثانياً، تعتمد إيران حالياً أكثر فأكثر على صواريخ لاو المنتجة محلياً والتي تُعرف باسم طوفان – والتي تختلف خصائصها اختلافاً جلياً عن أنظمة تمّ العثور عليها في سوريا. ثالثاً، تشير حالة الصواريخ ومنصات الإطلاق الجيدة، كما تظهر في مقاطع الفيديو المسجلة في سوريا، أنها لا تعود إلى الثمانينيات.

في مقاطع الفيديو، يدلّ سلك التوجيه الظاهر بين الصاروخ ومنصة الإطلاق على أن الأنظمة المستخدمة في سوريا ليست أحدث الأجهزة اللاسلكية المتقدمة التي تبيعها شركة رايثيون منذ أوائل سنوات القرن الواحد والعشرين. الأهم من ذلك، وفقاً للأحكام المشتركة ذات الصلة بالمبيعات العسكرية الأمريكية للدول الأجنبية، تكون الحكومات ملزمة تعاقدياً بالحصول على موافقة الولايات المتحدة قبل نقل الأسلحة أمريكية الصنع إلى الغير. لذلك، من الناحية الفنية، في حال قدمت دولة داعمة للمعارضة صواريخ لاو لحركة حزم، لا بد أن تكون الولايات المتحدة وإدارة أوباما قد عرفت مسبقاً بذلك وقد باركت عملية نقل هذه الأسلحة. بالنظر إلى واقع أن البيت الأبيض ومسؤولي وزارة الخارجية أشاروا في الأسابيع الأخيرة إلى إمكانية توسيع المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة للمعارضة السورية في القريب العاجل، فهل الأمر متعلّق بصواريخ لاو المضادة للدبابات تلك؟

يثير ذلك أسئلة لم نجد لها أجوبةً بعد عن مصدر هذه الصواريخ. في هذا السياق، أجدر بنا أن نبحث عن الجهة التي تمثلها حركة حزم ضمن ديناميكية المعارضة السورية الأوسع.

تأسست حركة حزم في 25 يناير 2014 عن طريق دمج 12 فصيل متمرد معتدل، من بينها عدداً من فصائل كتائب الفاروق المنحلة حالياً:

– كتائب فاروق الشمال

– الفرقة التاسعة التابعة للقوات الخاصة

– لواء المدرعات الأول

– لواء الإيمان بالله

– كتيبة أبي الحارث “فاروق حماه”

– لواء أحباب الله

– اللواء الستين

– كتيبة الشهيد عبد الغفار حاميش

– كتيبة الشهيد عبدالله بكار

– سرايا صوت الحق

– كتيبة أبو أسد النمر

يصف شريط الفيديو الذي يعرض معلومات عن تأسيس هذه الجماعة أنها مقسمة إلى قسم شمالي بقيادة مرشد الخالد (أبو المعتصم) وآخر جنوبي بقيادة محمد الضحيك (أبو حاتم). عُرف الأمين العام للمجموعة باسم بلال العطار (أبو عبده شام)، في حين ترأس عبدالله عودة (أبو زيد) العمليات العسكرية وتولى حمزة الشمالي (أبو هاشم) الشؤون السياسية.

وأكثر ما أثار الاهتمام في تلك الفترة كان حقيقة أن رئيس أركان المجلس العسكري الأعلى المدعوم من الغرب، الجنرال سليم إدريس، احتل مكان الصدارة في مقطع الفيديو الخاص بحركة حزم، فجلس في المقعد الأوسط ومنح المجموعة مباركته ودعمه الرسميين. لم تكن الخطوة هذه التي قام بها إدريس خطوة طبيعية في شكلٍ خاص وكانت على الأرجح جزءاَ من الديناميكية الأوسع وراء الكواليس.

عندها، كانت توترات مؤسسية وهيكلية خطيرة تأخذ مجراها داخل الائتلاف الوطني السوري والمجلس العسكري الأعلى، ولا سيما فيما يتعلق بدور إدريس داخل المعارضة الأساسية المدعومة من الغرب. وشوهد رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا ووزير الدفاع التابع له أسعد مصطفى يقومان بتنسيق عملية إعادة تنشيط المعارضة المسلحة المعتدلة. وبدا أن تشكيل جبهة ثوار سوريا في التاسع من ديسمبر 2013 تحت قيادة جمال معروف (ذو السمعة السيئة سابقاً) ونائبه هيثم عفيسي والهجوم ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في شمال سوريا في يناير 2014 يمثّل (إعادة) تركيز ضروري جداً على الوحدة داخل صفوف المعتدلين. ولكن في الكواليس، كان يتمّ التخطيط لتحركات ضد إدريس من شأنها أن تكون مضرة في الأسابيع المقبلة.

وصل كلّ ذلك إلى مرحلةٍ حرجة في 16 فبراير حين توصّل اجتماع سري عقده المجلس العسكري الأعلى في اسطنبول إلى إقالة سليم إدريس واستبداله بالعميد عبد الإله البشير، وهو قائد المجلس العسكري في محافظة القنيطرة، وغير معروف كثيراً. أثار هذا الإعلان انقسامات كبيرة في صفوف المجلس العسكري الأعلى والأركان العامة التابعة للجيش السوري الحر. تلا ذلك عدة بيانات صدرت بسرعة من داخل سوريا لدعم إدريس – بما في ذلك بيان صدر عن حركة حزم في 17 فبراير. بعد مرور يومين، ظهر إدريس في شريط فيديو إلى جانب 12 من كبار قادة المجلس العسكري الأعلى على مستوى المقاطعات وأعضاء من الأركان العامة التابعة للجيش السوري الحر التي رفضت تنحيته وادعت أنها تمثل في الواقع القيادة الشرعية في الجيش السوري الحر. في الواقع، تم تقسيم بنية المجلس العسكري الأعلى–الجيش السوري الحر إلى قسمين.

رغم الجهود التي بُذلت للتوسط في أمر هذه الانقسامات الخطيرة – بما في ذلك مجموعة من الاجتماعات التي عُقِدت في أوائل شهر مارس والتي انتهت بمشاجرة تعرّض أحمد الجربا في خلالها لثلاث لكمات – إلا أن الضرر وقع. اليوم، حلّت قيادة جديدة تماماً للمجلس العسكري الأعلى وتم إعادة تشكيلها في حين تُرِك إدريس ومختلف أنصاره المهمين داخل سوريا عائمين، يمثّلون بشكل أساسي بنية معارضة عسكرية ثانية متميزة. وتشكّل حركة حزم العنصر الأساسي لهذه البنية.

في العام 2013، كان من المقبول على نطاقٍ واسعٍ أن ينعم إدريس باحترام كبير في أوساط الإدارة الأمريكية لكونه وسيط موثوق مع ميول معتدلة. رغم افتقار إدريس إلى النفوذ المؤسسي الأوسع عند مقارنته بأواخر العام 2013، إلا أنه من الممكن أن يبقى بمثابة منسق المساعدات العسكرية الخارجية للمتمردين المعتدلين الأساسيين أمراً أكثر من مجدي – سواء أكان ذلك عن طريق الدوائر الرسمية أو غير الرسمية.

حتى وإن كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لإرسال الأسلحة مثل صواريخ لاو المضادة للدبابات هذه – وهو أمرٌ مرجح – تمتلك المملكة العربية السعودية: والتي تُعتبر واحدة من الداعمين العسكريين الأساسيين للمعارضة، آلاف الصواريخ في مستودعاتها وقد طلبت من رايثيون 13935 صاروخ لاو عالي التقنية، بقيمة تتراوح بين 900 مليون دولار ومليار دولار. أما قطر، الداعم الرئيسي الآخر للمعارضة، فلا تخزن صواريخ لاو، إلا أنها بدلاً من ذلك، تدير نظام صواريخ صوتية بصرية تُوجه عن بعد.

لكن، وكما سبق وقيل، ثمة حاجة إلى مزيد من المشاهد التي تُظهر هذه الصواريخ لتحديد ما إذا كانت جزء من شحنة أكبر ومبادرة أوسع. في الحقيقة لا يمكن تجاهل الإمكانية الضئيلة التي تفيد أن جهة غير حكومية أمّنت هذه الأسلحة على نطاق أدنى بوسائل غير مشروعة. ومن الجدير ذكره أيضاً أنه في حين تُعتبر صواريخ لاو أسلحة موثوق بها جداً، إلا أنها عند استخدامها بشكل انفرادي، فإنها تُظهر ميزة عسكرية ضئيلة عند مقارنتها مع الأسلحة السوفييتية 9M113 Konkurs والصينية Hongjian HJ-8 ATGMs الموجودة فعلياً بين أيدي المتمردين.

مع ذلك، وفي حال الحصول على المزيد من الأدلة التي تشير إلى إرسال كميات أكبر من صواريخ لاو إلى سوريا، ستُحدث التحسينات في قدرات المعارضة على مستوى مضادات للدبابات فرقاً في ديناميات الصراع الموضعية. في حين أن صواريخ لاو لن تهزم نظام الأسد لوحدها، إلا أنها قد أثبت أهميتها في تحييد قدرة الجيش للدفاع عن المرافق الرئيسية وفي قصف مراكز المعارضة والمناطق المدنية التابعة لها.