Commentary

Op-ed

أثر العدوى واللعبة السعودية الكبرى في الشرق الأوسط

Saudi Deputy Crown Prince Mohammed bin Salman attends a graduation ceremony and air show marking the 50th anniversary of the founding of King Faisal Air College in Riyadh, Saudi Arabia, January 25, 2017. REUTERS/Faisal Al Nasser
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الإنكليزية في موقع Open Democracy.

السياسة الداخلية في الشرق الأوسط، خاصة في بلد مثل المملكة العربية السعودية، لا تبقى داخلية لفترة طويلة. فالأحداث الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض تدل على تأثير العدوى ليس فقط على السياسة في الشرق الأوسط، بل على الصعيد الدولي أيضاً.

في 3 نوفمبر، شرعت الأجهزة الأمنية في المملكة في تطهير واعتقال بعض أقوى الشخصيات في السعودية. ووصف هذا التصرّف بأنه حملة لمكافحة الفساد، وتردد صدى “قضية الساعة” هذه بعض العواصم العالمية أيضاً، مثل واشنطن،

وعلى الرغم من استخدام حملة الفساد كغطاء، إلا أنه من الواضح أن هذه التحركات تعكس الاستيلاء المستمر على السلطة من قبل ولي العهد السعودي، الذي يبدو أنه يمهد الطريق، داخلياً وخارجياً، لتسلّم السلطة من والده وإزالة المعارضين المحتملين.

كان البعد الإقليمي للتحركات في الرياض واضحاً عندما قدّم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي قيل إنه استُدعي لزيارة العاصمة السعودية، استقالته من رئاسة الحكومة عبر إعلان متلفز.

كما اعترضت قوات الدفاع الجوي السعودي صاروخاً باليستياً استهدف مدينة الرياض أطلقه اليمن المجاور، وردّ النظام السعودي عليه بإغلاق الموانئ والحدود مع هذه الدولة المنكوبة.

إنّ المشهد السياسي الحالي في المملكة العربية السعودية يتم رسمه من قبل شخص طموح، تمت الإشادة به حتى الآن وإظهاره بمظهر “الإصلاحي” و “المعتدل”. كما اعتُبر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يشار إليه عادة باسم “ام. بي. اس”، القوة الدافعة وراء خطط المملكة العربية السعودية لإصلاح وتنويع الاقتصاد، الذي بات يشكّل مصدر قلق مع ارتفاع معدلات البطالة المحلية. وقد قوبلت الوعود بتعويم أرامكو تحت إشراف الأمير بالترحاب في الدوائر التجارية والمالية الدولية.

كذلك قامت بعض الأوساط الصحفية بتبجيل المبادرة المفاجئة التي رفعت حظر قيادة النساء للسيارات المطبّق منذ زمن بعيد في المملكة، واعتبرتها “إشارة” إلى “اعتدال” محمد بن سلمان. على السطح يبدو كل شيء حسن وجيد. لكن رغم ذلك، أدّت سلسلة من التحركات والحسابات السياسية في الأشهر الستة الماضية إلى التكهن بأن قبضة السلطة وطموحها يتجاوز حدود المملكة، التي تظهر فيها بوادر عدم الاستقرار على نحو متزايد.

تكمن أهمية هذا التزامن في الأحداث في تأثير العدوى على الشرق الأوسط، في وقت يتزايد فيه عدم الاستقرار والتوتر والصراع. هناك مخاوف من أن محمد بن سلمان قد يفكر في أخذ بلده إلى حافة الحرب مع إيران، والسعي لاسترداد بعض المجد الذي تشتد الحاجة إليه في أعقاب الإخفاقات الإقليمية في اليمن وسوريا على سبيل المثال.

سعت المملكة العربية السعودية لاستعادة بعض السلطة داخل المنطقة منذ اندلاع الثورات العربية في العام 2011. فقد أجبرت الحشود الشعبية أصدقاء السعودية، مثل الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، على التنحي، وقام المواطنون الذين تمت تعبئتهم بانتخاب إسلاميين شعبويين مثل الإخوان المسلمين وإيصالهم إلى السلطة.

مع حلفاء مثل الإمارات العربية المتحدة، قامت المملكة العربية السعودية بتصميم واتباع مقاربات في السياسة الخارجية سعت من خلالها للتدخل في المناطق الإقليمية الساخنة للتغلب على ما يسمى توسّع الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى سفوح جنوب لبنان وحدود إسرائيل، ناهيك عن المطالبة بحق الهيمنة السنية من قبل جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين الشعبوية.

ولكن في إطار هذا السياق الإقليمي، كان على المملكة العربية السعودية أن تتعامل مع سجل من الإخفاقات بدلاً من النجاحات.

عدوى إقليمية

في ظل هذه الفترة القصيرة نسبياً من حكم محمد بن سلمان، يمكن وصف استراتيجيات السياسة الخارجية السعودية بأنها هجومية وتصادمية. فبدلا من إبعاد البلد عن الفوضى المتزايدة في المنطقة، نرى هذه الاستراتيجيات تفاقم بشكل متصاعد حالة عدم الاستقرار الإقليمي وتؤدي إلى احتمال أكبر للصراع والتدخل العسكري.

وعلى نحو فعال، تسهم المقاربات الاستراتيجية للسياسة الخارجية في ظل تأثير محمد بن سلمان في زيادة المخاوف الأمنية الوطنية والإقليمية، مع مخاوف متزامنة تتعلق بأمن إمدادات الطاقة والتحكّم بالسلطة من قبل الوكلاء الإقليميين.

وهذا واضح في الحملة التي قادتها السعودية مؤخراً ضد قطر. ففي يونيو 2017، قادت المملكة العربية السعودية حملة ضد قطر لا يمكن تفسيرها إلا بالهجوم على سيادتها. وقد فرضت السعودية وثلاث دول أخرى هي الإمارات والبحرين ومصر – حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على قطر، وقطعت العلاقات الدبلوماسية واتخذت إجراءات أخرى.

قدّمت هذه الدول لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ثلاثة عشر مطلباً وصلت إلى حد التدخّل في استقلال السياسة الداخلية أو الخارجية للدولة، ما لم تتماشى مع الإملاءات السعودية. لكن قطر لم تنصاع للخطة السعودية.

وقد أصبحت منطقة الخليج أقل استقراراً مع التداعيات التي ظهرت في التحالف الدولي ضد داعش ولبنان وليبيا والأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ودول أخرى. وتعثّرت بشكل خطير الثقة التي أبداها محمد بن سلمان من حيث فرض نظام إقليمي جديد وفقاً لأجندته الخاصة.

وتثير أجندة محمد بن سلمان الاستراتيجية مخاوف كبيرة حول تأثير العدوى الإقليمية للمكائد التي تُحاك في المملكة العربية السعودية.

وسوف يستمر اليمن في امتلاك مساحات غير خاضعة للسيطرة الحكومية ولا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تحلم أبداً في احتلالها إذا ما استمرت في حملتها العسكرية واحتجاز رئيسها وفرض إغلاق حدودها، الأمر الذي يمنع وصول أبسط المساعدات الإنسانية الأساسية لهذه الدولة المنهارة.

ولا تزال قطر صامدة وتتمتع بدعم قوي داخل الإدارة الأمريكية وفي عواصم أجنبية أخرى.

وإن دلّ ردّ حزب الله على استفزاز الحريري له الذي أطلقه من الرياض على شيء، فهو يدل على حسابات الحزب الاستراتيجية الأقوى وقبضته على السلطة في لبنان.

وهذه قبضة لن يستطيع محمد بن سلمان هزيمتها. وهذا هو الدرس الذي تعلمته إسرائيل عندما ذهبت إلى الحرب مع حزب الله في العام 2006.

إن استعداد محمد بن سلمان للشروع في سلسلة من التحركات ضد ما يمكن اعتباره حلفاء “سنيين” طبيعيين في المنطقة كجزء من تصوّر أوسع للأعمال العدائية ضد السلطة الإيرانية في الشرق الأوسط، إنما هو دليل على سوء تقدير كبير.

أن تتحول المملكة العربية السعودية إلى حلفائها الجدد، مثل إسرائيل، من أجل دعم اتحاد عسكري ناشئ يواجه طهران وشركاءها، إنما يدل على مدى تهور ولي العهد عندما يتعلق الأمر بالأداء الاستراتيجي للنظام الإقليمي ودور المملكة التي يطمح إلى الجلوس على عرشها.