Commentary

Op-ed

لماذا ينبغي محاكمة الجرائم الاقتصادية على أنّها جرائم دولية

Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed Bin Salman and Saudi Prince Miteb bin Abdullah take part in the Annual Horse Race ceremony, in Riyadh, Saudi Arabia, December 30, 2017. Picture taken December 30, 2017. Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.
Editor's note:

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في موقع بزنس داي .

في نوفمبر 2017، فوجئ الكثيرون بحملة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية التي أدّت إلى اعتقال عدد من الأعضاء البارزين من النخب السياسية ورجال الأعمال. وفي أواخر شهر ديسمبر، انتشرت أخبار محاكمة نائب الرئيس الإيراني السابق حميد بقائي لإساءة استخدام الأموال العامة في أثناء تولّيه منصبه. وحُكم على بقائي بالسَجن لمدّة 63 عاماً، وهي المدّة الأطول التي تصدر بحقّ مسؤول إيراني منذ عدّة عقود.

فهل تعني هذه الإجراءات اتّخاذ قرار جديد في الشرق الأوسط بمعاقبة الفساد؟

قد تبدو هذه التدابير للوهلة الأولى كبداية محاولة أوسع للقضاء على الفساد في المنطقة، لكنّ هذا وصف مبالغ فيه، إذ يبرز إجماع في صفوف المعلّقين على أنّ للاعتقالات في السعودية دوافعَ سياسية، فهي ناجمة عن محاولةٍ ولي العهد محمد بن سلمان بأن يُحكم قبضته على جميع فروع الحكومة ويدمّر كلّ الشبكات التي قد تعارض سلطته.

وترسل اعتقالاتُ أعضاءٍ من نخبة رجال الأعمال إشارةً إلى قطاع الأعمال بأنّ عليه تفضيل بعض الشبكات على غيرها وعليه ألا يفيد بأيّ شكل من الأشكال الشبكاتِ التي لها أهداف تحريضية. وقد رفض بن سلمان الادّعاءات بأنّ موجة مكافحة الفساد هدفها الإمساك بزمام الحكم، واعتبر أنّ هذه المحاكمات جزءٌ حيوي من الإصلاح الاقتصادي الذي يشكّل بدوره جزءاً من برنامج التغيير الوطني الذي ينتهجه. وبرّر بن سلمان قراره بالإشارة إلى حجم الفساد في السعودية، إذ تخسر الحكومة حوالي 10 في المئة من نفقاتها بسبب الفساد في كلّ عام.

وفي قضية إيران، تكثر الأسباب الداعية للشك في أسباب إدانة بقائي. فقد شغل منصبَ نائب الرئيس محمود أحمدي نجاد، ولطالما اعتُبر أقرب مؤتمنيه. وينبغي فهمَ محاكمته على خلفية الضغوطات المستمرّة بين السلطة القضائية والسياسية في إيران.

وفي أعقاب المحاكمة، وصف أحمدي نجاد رئيسَ السلطة القضائية آية الله صادق آملي لاريجاني بأنّه “غير كفوء”.

وفي تناقضٍ واضحٍ مع هذه الإدانة والعقوبة القاسية، لم تحاكم إيران أياً من أعضاء الحكومات الحالية أو السابقة على ارتكاب جرائم دولية. ويتماشى هذا السلوك مع الموجة الأوسع في الشرق الأوسط المائلة إلى تجنّب محاكمة الجرائم الدولية لما يسمّى بجرائم الإبادة الدولية الأساسية والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم التعذيب.

فقد حاكمت مصر مثلاً أولئك الذين ارتكبوا جرائم اقتصادية قبل “ثورة” العام 2011 الفاشلة وبعدها، لكن لا نيّة بإجراء محاكمات بحقّ مرتكبي الجرائم الدولية الأساسية الجارية.

ويُطلق على نوع الفساد الذي يُتّهم به أشخاصٌ مثل بقائي اسم “الفساد الكبير”، وهو عبارة عن استغلال لسلطة عالية المستوى تسبّب أذىً خطيراً وكبيراً للأفراد والمجتمع. ويختلف أيضاً الفساد الكبير عن أنواع الفساد الأخرى بأنه نظامي ويصبح جزءاً من النظامَين السياسي والقانوني اللذين يهدفان أصلاً إلى مكافحته. وقد شُبّه الفساد العادي بمرضٍ يصيب جسم الدولة، أمّا الفساد الكبير فاعتُبر سرطاناً يقلب نسيج الدولة بحدّ ذاتها على نفسها.

وعلى صعيد دولي، تُعاقَب أعمال الفساد الكبير بنسبة أقلّ من أعمال الفساد الأدنى مستوى. وقد أصبح هذا النوع من الفساد في السعودية شائعاً جداً إلى درجة أصبحت عبارة الفساد مرادفاً لعبارة الفساد الكبير تقريباً.

وعلى مرّ العقود الماضية، واجه عددٌ متزايد من القانويين الدوليين مسألة اعتبار الفساد جريمة دولية أم لا. ومن إحدى الحجج الملتفة التي أدّت إلى الارتقاء بالفساد إلى مصاف الجريمة الدولية هي أنّ آثاره قد تكون مدمّرة بقدر ما الجرائم الدولية “المقبولة” مدمّرة.

لكن للأسف أنّ الجرائم الاقتصادية منتشرة جداً لدرجة لا تعتبر مميزة. وعلى الرغم من أنّ الفساد العابر للحدود الوطنية ارتقى في السنوات الأخيرة ليصبح جريمة دولية، فهو لم يحظَ بعد بصفة الجريمة الدولية، ولا يُعتبر خطيراً بما يكفي لإخضاع رؤساء الدول أو أعضاء الحكومة لمحاكمات تجريها سلطات أجنبية بموجب سلطة قضائية عالمية.

ويُظهر اتفاقُ التعويض والحصانة المعقود مع رئيس زيمبابوي السابق روبرت موغابي، بالإضافة إلى التأجيل الدائم لهيئة المحاكمة الوطنية وعرقلتها في مسألة محاكمة الرئيس جاكوب زوما، أنّ القادة السياسيين في جنوب أفريقيا لا يحاكَمون بل يكافأون على أعمال الفساد التي يرتكبونها. ويتضمّن الاتفاق الذي عقده موغابي مع السلطة العسكرية حصانةً من محاكمته ومحاكمة أسرته، بما فيها المحاكمة على الجرائم الاقتصادية.

وفي قضية زوما، سرت شائعات بأنّه عُرض عليه المال والحصانة مقابل أن يتنحّى عن السلطة.

وستشكّل المحاكمات الجنائية لقادة الدول مصدر جدل دائماً، وستضطرّ باستمرار إلى تفادي التهمة بأنّ لها دوافع سياسية. وتُعتبر محاكمات الفساد في الشرق الأوسط مصدر جدل كبيراً، لكن على ضوء الحصانة الشاملة التي قُدّمت في جنوب أفريقيا، قد يكون من الحكمة متابعة التطورات في العالم العربي المحاصَر.

 

Authors