Commentary

Op-ed

ضغط السوق: الرابحون والخاسرون في سوق الطاقة

من المواضيع التي تخفيها التطورات الأخيرة في أوكرانيا هي التأثيرات الحالية والمستقبلية على أسواق الطاقة. إذ تحظى روسيا أصلاً بحصةٍ كبيرة في أسواق الهيدروكربون في العالم مع نحو 13 بالمئة من إنتاج النفط العالمي و20 بالمئة من إنتاج الغاز الطبيعي العالمي سيضيف وجودها في شبه جزيرة القرم المزيد من إحتياطات الغاز إلى محفظتها منقطعة النظير أصلاً. حصلت روسيا كذلك على إمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر البحر الأسود، علماً أن هذا البحر يُعتبر ممر تصدير محوري لتوصيل إنتاجها من الهيدروكربون إلى كلّ من أوروبا وبقية أنحاء العالم.

توفر روسيا أكثر من ثلث طلب أوروبا من الغاز. وقد يشجع ضغط السوق الحالي على الأسعار مستهلكي أوروبا لطلب إمدادات بديلة. ولكن ما هو مصدر هذه الإمدادات؟ قد يحاول المنتجون الأوروبيون كالنرويج وهولندا زيادة الإنتاج ولكن من غير المُحتمل أن يوسعوا الإنتاج بشكل كبير. رغم أن الشرق الأوسط يمتلك احتياطي كبير من الغاز، إلا أن معظم هذا المخزون لا يزال غير معالجٍ باستثناء قطر. سيحتاج المنتجون الإقليميون إلى تطوير الأنابيب التي تصل إلى أوروبا أكثر فأكثر لتكون مصدر تزويد فعّال، في حين يطرح الاستقرار السياسي المتزعزع والطلب المتزايد محلياً أسئلةً حول صلاحيتها على المدى الطويل. رغم ذلك، يشير الطلب المحلي المتزايد في المنطقة وكذلك احتمال التصدير إلى أوروبا وآسيا إلى ضرورة إجراء المزيد من التطوير على هذه الموارد.

أسواق الغاز هي أسواق إقليمية وتتميز أسعارها بالتباين الواسع. في الوقت الراهن، يبلغ سعر الغاز الطبيعي المسال في أوروبا نحو 9.5 دولار لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، ليرتفع إلى أكثر من 16.5 دولار لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية في الشرق الأقصى، وهو معدل أقل بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة، حيث ساعدت حيوية سوق السلع الحاضرة على المحافظة على الأسعار لتبقى أقل من 5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. مع ذلك، مارس نقص الامدادات في الشرق الأوسط والطلب المتزايد جداً في آسيا ضغطاً على الأسعار في مختلف الأسواق الإقليمية. سيتطلب ذلك تطويرات جديدة في الأنابيب وفي بنية النقل للاستفادة من هذه الفروقات الواسعة في الأسعار.

دخلت الولايات المتحدة حديثاً إلى سوق التصدير وهي تعمل حالياً على تحويل مرافق استيراد الغاز الطبيعي المسال إلى محطات تصدير مع استمرار إمداداتها غير التقليدية من الغاز الحجري في الارتفاع، لترتفع إلى أكثر من 20 بالمئة في خلال السنوات الخمسة الماضية. تحرص المؤسسات المسؤولة عن هذا النمو على طلب هوامش ربحية أعلى عبر التصدير إلى الخارج. قد يشهد برنامج التصدير الأمريكي تسارعاً في الأشهر المقبلة. نتيجة للأزمة، تنتظر شركات الغاز والنفط الأمريكية متعددة الجنسيات، والمساهمون وأرصدة التجارة الأمريكية الاستفادة من أسعار أعلى ناتجة عن الشكّ والاضطراب الذي يطغى على أسواق الغاز.

مع وجود سوق واسع وجاذب نسبياً في أوروبا، يمكن أن تتطلع روسيا إلى المدى الطويل في ما تطور أسواق جديدة من خلال طرق نقل محسنة وهو أمر ضروري نظراً لواقع يفيد أن النفط والغاز يعتمد بنسبة 70 بالمئة على صادرات روسيا وأكثر من 50 بالمئة من عائد الدولة كاملاً. ستستفيد قطر، المنتج الأكبر في العالم، من ارتفاع الأسعار لا سيما في حال زاد إنتاجها ليتخطى حدودها الراهنة. ستواجه الدول المصدرة أسعاراً أعلى لا سيما مع تعافي الاقتصاد وارتفاع الطلب في العالم.

وفي غضون ذلك، قيّدت الحواجز السياسية البلدين الذين يتمتعان بالقدرة على تزويد السوق العالمية بغاز ونفط بأسعار معقولة أكثر إيران والعراق سواء أتجسدت هذه الحواجز في عقوبات اقتصادية دولية أم في الحاجة إلى مكافحة حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي والإرهاب. يتميز هذان البلدان بالقدرة على زيادة إنتاج النفط والغاز بشكلٍ كبير: فإيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم في حين أن احتياطيات العراق غير المطورة من الغاز قد تتضاعف مع الإستكشاف السليم.

عاد التقدم البطيء في تطوير موارد هذه البلدان بالفائدة على شركات النفط متعددة الجنسيات المجاورة على حساب المستهلكين في العالم، الذين تحملوا أسعاراً مرتفعة وآيلة إلى الارتفاع نتيجةً لذلك.

سيشجع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال الدول المستوردة على تسريع الاستثمار في مصادرها غير التقليدية، والسعي إلى إقامة شراكات استثمارية مع الموردين المحتملين مثل إيران والعراق ودول مختلفة في شمال أفريقيا. ستتجه أنظار الصين والهند وغيرها من الدول الآسيوية المستهلكة الكبيرة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أفريقيا وأستراليا وروسيا لتأمين الإمدادات، في حين قد تكون اليابان أكثر حرصاً على إعادة تشغيل منشآتها النووية لتقليل الاعتماد على النفط والغاز الطبيعي المسال المكلفين. وفي الوقت عينه، سيتعين على الإتحاد الأوروبي أن يبدأ التكسير الهيدروليكي على أرضه في حال أراد تجنب تسديد أسعار أعلى لقاء الحصول على الغاز في المستقبل.

باختصار، تعود التطورات التي طرأت على السوق الحالية العالمية بالفائدة على مُصدّري الغاز وعلى أولئك المشاركين في شحن وضخّ الغاز حول العالم، وتشجع الاستثمار في تطوير موارد الغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويبقى المستهلك الأوروبي والآسيوي الخاسرين اللذان سيتكبدان أسعار أعلى في الفترة المقبلة.