Commentary

Op-ed

حان الوقت لإيقاف الولايات المتحدة عن حماية إسرائيل

نحن الآن مهيئون لفترة ولاية ثالثة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبالرغم من أن أداء الائتلاف الذي يجمع حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحزب إسرائيل بيتنا لم يرقَ على ما يبدو إلى مستوى التوقعات، فإن أغلبية الأصوات سوف تمكنَّه من جديد من قيادة الحكومة الإسرائيلية.

لكنه حتى لو كانت حكومة نتنياهو معتدلة بدرجة ما، فإنها ستمضي قدمًا في اتخاذ مواقف متطرفة من شأنها تعريض الأمن الإقليمي والدولي للخطر. ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الطريقة المثلى التي تستطيع بها الولايات المتحدة أن تدفع إدارة يمينية أخرى نحو التصرف بما يتوافق مع مبادئ نظام الأمن الدولي وبما يناسب مصالحها القومية أيضًا.

خلال فترتي ولايته السابقتين، انتهج المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، نهجًا ليناً عند التعامل مع حكومة نتنياهو. وكان المأمول أن ينجح هذا النهج في احتواء المخاطر التي تشكلها هذه الحكومة المتطرفة بالنسبة للمجتمع الدولي. لكنه مثلما أخفقت هذه الإستراتيجية في تحقيق المأمول منها في الماضي، فإنها لن تصلح الآن. ولذا يتعين على الولايات المتحدة الآن أن تتخذ موقفًا أكثر تشددًا مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة، ينبغي أن تتحول من إستراتيجية الاستيعاب إلى إستراتيجية المواجهة ويجب أن تبدأ ذلك النهج الجديد بنزع غطائها الدبلوماسي.

لكي تحمي الولايات المتحدة إسرائيل من الضغوط الدولية، فإنها استخدمت حق الفيتو مرارًا وتكرارًا للاعتراض على قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ تلك القرارات التي تنتقد أفعال الحكومة الإسرائيلية بما يشمل القرارات المتعلقة ببناء المستوطنات والذي ترفضه الولايات المتحدة علنًا. في المقابل، سخر نتنياهو علنًا من الأولويات الأمريكية. كما أن أوروبا انتهجت أسلوب الاستيعاب مع حكومة نتنياهو. والنتيجة أن نتنياهو رفض طلبًا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حليفته الأوروبية الأقوى، لتجميد عملية بناء المستوطنات بشكل مؤقت. وفي غضون ذلك، رضخت اللجنة الرباعية الدولية — التي تتشكل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة — لموقف الحكومة الإسرائيلية منذ بدءها. وقد تلقت اللجنة الرباعية المكافأة في يناير الماضي خلال محادثات عمَّان. فقد طلبت اللجنة من طرفي التفاوض أن يتقدم بوثيقة خطية يعرب فيها عن رؤيته فيما يتصل بمحادثات الوضع النهائي. وفي حين أذعن الفلسطينيون للطلب، رفض نتنياهو طلب اللجنة، مُلحقًا بها هزيمة مذلة.

هذا التحمل الدولي زاد من اختلال ميزان القوة بين إسرائيل والفلسطينيين، وترك إسرائيل بلا محفز للرجوع إلى طاولة المفاوضات أو التوصل إلى حل وسط. ولم تعد ترى إسرائيل بزعامة نتنياهو، والتي يفوق جيشها واقتصادها وقوتها الدبلوماسية الحالية الفلسطينيين بمراحل أي داعٍ لأن تصبح طرفًا في حل دائم.

والاستمرار في دعم عملية تكرار حكومة نتنياهو ينذر بعدد كبير من العواقب الخطيرة التي يتعذر التنبؤ بها. فخطط نتنياهو الرامية إلى المضي قدمًا في توسيع النشاط الاستيطاني سوف تقضي لا محالة على جهود السلام في المنطقة. ففي يوم الثلاثاء الماضي، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج إن سياسة الاستيطان الإسرائيلية “سوف تجعل حل الدولتين أمرًا مستحيلًا”. ومن الممكن حاليًا أن يؤدي المزيد من التدهور في احتمالات تحقيق السلام إلى “ربيع فلسطيني” طال انتظاره. ربما نرى أولى شرارات هذا النوع من الاحتجاج السلمي الضخم في باب الشمس وباب الكرامة — وهما مخيمان هبَّا لعرقلة خطط التوسع الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. بيد أن الأمر الأكثر خطورة هو أن اتساع النشاط الاستيطاني من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى انهيار السلطة الفلسطينية، التي طالما بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها من أجل حمايتها ودعمها. والفراغ الذي قد يخلفه انهيار السلطة الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى تصاعد أعمال العنف، الأمر الذي قد يعتبره كثير من الفلسطينيين بمثابة البديل الشرعي الوحيد. ونفس هذا الفراغ قد يخلع الشرعية عن اللجنة الرباعية الدولية ويجعل مبررات تواجدها غير قانونية بل وقد يتطلب تدخلًا دوليًا مباشرًا لاستعادة النظام. كل هذا ناهيك عن احتمال أن يجر نتنياهو الولايات المتحدة نحو حرب جديدة تدور رحاها في المنطقة مع إيران في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا إلى إنهاء حروبها الطويلة وباهظة التكلفة في العراق وأفغانستان.

بالطبع هناك ما يدعو الآن إلى الاعتقاد بأن الدعم الدولي القوي لدولة إسرائيل قد يتغير. فقد حدث تحول تاريخي واضح في الدبلوماسية الأوروبية عندما صوتت مؤخرًا بعض الدول الأوروبية الأعضاء في الأمم المتحدة لصالح تأسيس دولة فلسطينية وامتنع بعضها عن التصويت. كما أن ترشيح الرئيس الأمريكي أوباما لتشاك هيجل وزيرًا للدفاع إضافة إلى رفضه سحب هذا الترشيح في ظل معارضة شرسة يشير أيضًا إلى تطور محتمل في السياسة الأمريكية. دخل أوباما فترته الرئاسية الثانية وهو مطلق اليدين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. ومواقف هيجل المعارضة للحرب وانفتاحه على الحوار مع إيران يشير ضمنيًا إلى أن أوباما قد يكون على استعداد لتحدي نتنياهو في مرحلة ما، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه سوف يحظى بدعم أوروبي ودولي.

إن إدارة أوباما تملك النفوذ وعليها أن تستخدمها. فالمزيد من النهج الاستيعابي مع نتنياهو وسياساته اليمينية لن تؤدي سوى إلى تفاقم المشكلات المعقدة والصعبة بالفعل المتعلقة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

يجب على الولايات المتحدة أن تضع حدًا في وقت ما، ويجب أن يحدث ذلك الآن. ويمكن أن تبدأ ذلك من خلال انتهاج نهج دبلوماسي أكثر حسمًا، وتحديدًا من خلال رفض تزويد الدولة العبرية بغطاء دبلوماسي للتحركات الخطيرة وغير البناءة والتي من بينها توسيع النشاط الاستيطاني. وإذا أراد نتنياهو الاستمرار في هذا الطريق، فعليه أن يعي أنه يتعين عليه القيام بذلك وحده. فسياسة الفيتو الأمريكية التي تستند إلى الدعم غير المشروط للممارسات الإسرائيلية غير القانونية ينبغي أن تتوقف، ومثل الأوروبيين، يجب على إدارة أوباما أن تترك بنيامين نتنياهو يواجه عواقب سياساته بمفرده.

ومن خلال سحب الولايات المتحدة لغطائها الدبلوماسي عن إسرائيل، يمكنها أن تتخلى عن سياستها الاستيعابية التي أثبتت فشلًا. وبذلك، يمكنها أن تحيي الأمل من جديد للتوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي ذات الوقت تضمن حماية مصالحها القومية في الشرق الأوسط.