قام مركز بروكنجز الدوحة بإجراء حوار حول مرحلة ما بعد الانتخابات في العراق مع السفير الأمريكي بالعراق كريستوفر ر. هيل، وقد استهل الحوار شادي حميد نائب مدير مركز بروكنجز الدوحة بتوجيه أسئلة إلى سيادة السفير هيل حول تشكيل حكومة ائتلاف، والآثار الجانبية المتوقعة لكل من العراق والمنطقة, وأعقبت هذه المحادثة جلسة أسئلة وأجوبة, وقد حضر هذا اللقاء لفيف من الأكاديميين والتجاريين والدبلوماسيين والإعلاميين القطريين.
(اللقاء بالكامل متوفر صوتيًا باللغة الانجليزية)
وقد استهل السفير هيل انطباعاته العامة بالإشارة إلى أن الانتخابات قد تمت في ظل أجواء هادئة نسبيا بأقل قدر من الاضطرابات. وقد تحدى العراقيون التهديدات الأمنية وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة مما أسفر عن إقبال الناخبين بنسبة 62 بالمائة. وقد كانت إحدى النتائج المفاجئة هي الأداء القوي للتيار الصدري (وهو التيار الذي يقوده رجل الدين العراقي القومي مقتدى الصدر) الذي فاز بعدد مقاعد أكبر بكثير من المجلس الأعلى الإسلامي في العراق (وهو حزب شيعي آخر وكان من قبل هو الحزب المسيطر). وعلاوة على ذلك، فقد قام العديد من العرب السٌّنة، الذين يشكلّون نسبة تتراوح من 15 إلى 20 بالمائة من سكان العراق والذين قاموا بمقاطعة الانتخابات في عام 2005، بالتصويت بأعداد كبيرة لصالح حزب العراقية (وهو الحزب الذي يقوده إياد علاوي، رئيس مجلس الوزراء السابق خلال المرحلة الانتقالية ذو الخلفية الشيعية ولكنه يشتمل كذلك على رموز سياسية من الخلفية السٌّنية)، وفي ذات الوقت، يبدو أن الأحزاب العلمانية قد حققت نتائج أفضل من تلك الأحزاب الطائفية. وأشار هيل إلى أنه في الوقت الراهن فقد وضعت المؤسسات العراقية التي ما زالت هشة – الشرطة والجيش والرئاسة والبرلمان والمحاكم – على المحك في أعقاب الانتخابات. ومع ذلك وبرغم التحديات العديدة التي تواجه الدولة، كان السفير هيل يشعر بالتفاؤل.
وفي إطار الاتفاقية الأمنية المبرمة عام 2008 بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والعراق فقد أشار السفير الأمريكي إلى أنه سيتم إيقاف كافة العمليات العسكرية بحلول 31 آب/أغسطس 2010 مع تقليل إجمالي عدد القوات إلى 50000. وسوف تكون المهمة الوحيدة للقوات المتبقية هي “تقديم المشورة والمساعدة” إلى الجيش العراقي. وقد أقر السفير هيل بأنه بينما ينطوي التنفيذ الكامل للاتفاقية الأمنية على المخاطر فإن “المكسب الاستراتيجي يتجاوز بكثير ما تنطوي عليه من مخاطر تكتيكية”.
وقد قام حميد بسؤال السفير هيل، في ضوء الانتخابات، عن كيف سيرد السفير على العرب الذين ما زالوا يعتبرون الحرب علي العراق ظلم كبير من قبل الولايات المتحدة خصوصًا ما يتعلق بفقدان الحياة المدنية البريئة. وقد أجابه السفير قائلا “لقد كانت عملية فاجعة للغاية” إلا أن حل القضية الآن يكمن فيما يجب فعله حاليا والحاجة الماسة إلى استعادة سيادة العراق. وقد أكد هيل أنه لا يريد تكرار ما حدث في عام 2003 حيث أنه يؤمن بأن الولايات المتحدة كانت ملتزمة أخلاقيا بالإطاحة بصدام حسين من السلطة. وقد واصل حديثه بالإشارة إلي التقدم الإيجابي على أرض الواقع: فقد أصبحت الحكومة العراقية قادرة على إبرام عقود مع 12 شركة كبرى مما يمكّن العراق من استغلال حوالي 10 مليون برميل بترول يوميا لإعادة الإعمار والتطوير.
هذا وقد أيد السفير الأمريكي توطيد العلاقات بين العراق وجيرانها من الدول العربية، وأشاد كذلك بالعلاقة المتنامية بين العراق وتركيا وشدد على أن دول الجوار العراقي يجب أن تحترم السيادة العراقية وخاصة إيران.
وفي جلسة الأسئلة والإجابة، تقدم أحد الحاضرين بسؤال عما إذا كانت ديمقراطية العراق قد يكون لها آثار جانبية في العالم العربي، وإذا كان ذلك هو الحال، فهل من الممكن أن تتدخل الأنظمة الحاكمة العربية، القلقة على استقرارها الخاص، أو تتعدى على التقدم العراقي. وقد أجاب السفير هيل مؤكدا على أنه ينبغي على دول الشرق الأوسط أن تشارك في المستقبل الديمقراطي للعراق بدلا من أن تشعر بالتهديد منه، وقد حذر قائلا بأن الدور العراقي كنموذج للمنطقة هو نموذج حصري بسبب تاريخ العراق السياسي الفريد.
وقد سأل شخص آخر من الحاضرين عما يتم فعله لتحسين المؤسسات الأكاديمية العراقية لتمكين الطلاب من المشاركة الفعّالة في الاقتصاد المحلي. وقد وافق السفير هيل على أن نظام التعليم بالعراق بحاجة إلى أعادة البناء، وكذلك عبّر السفير عن ثقته بأن هناك تمويل كافي لتحقيق ذلك الهدف وقد نوّه عن الشراكة بين الجامعات الأمريكية والجامعات العراقية التي يتبادل بعضها البرامج كجزء هام من الجهود المبذولة لتحسين نظام التعليم.
وقد أكد السفير عندما طلب منه توضيح مشاعر الصدمة والتشاؤم المنتشرة على نطاق واسع بين عامة العراقيين كنتيجة للحرب، بأنه مدرك لمدى الإحباط بين العراقيين إلا أنه يثق بأن التفاؤل سوف يحل محل هذه المشاعر مع مرور الوقت والتقدم على أرض الواقع, وأشار إلى تجربته في كوسوفو معربا بأن كانت هناك حالة أولية من الشك وأكد على أنه “ليس التفاؤل هو أول ما يشعر به الناس” وقد اختتم حديثه قائلا “على من يخوض منا مثل هذه المواقف المتصارعة أن يمنح هؤلاء الناس شيئا من الأمل”.