في 12 يونيو 2013، استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة سياسات شارك فيها كل من أنور بن ماجد بن أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية في جدة؛ وغريغوري غوس، زميل أول غير مقيم بمركز بروكنجز الدوحة؛ وعباس مالكي، أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة الشريف للتكنولوجيا في طهران؛ وباسل صلوخ، أستاذ مشارك في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأمريكية. تمحورت المناقشة، التي أدارها مدير المركز سلمان شيخ، حول تصورات الصراع الذي يثير الاستقطاب في سوريا وخارجها، وما إذا كانت الديناميات الجيوسياسية المحيطة بتلك الأزمة تؤدي إلى بداية “حرب باردة جديدة في منطقة الشرق الأوسط”.
قارن غوس السياسات الإقليمية الحالية بسياسات خمسينيات وستينيات القرن الماضي (وغالباً ما يشار إلى تلك الفترة “بالحرب العربية الباردة”)، قائلاً إنها شكلت حرباً لم تشنّها الجيوش، وإنما كانت وراءها السياسات الداخلية لعدة دول. وخلافاً للصراعات التقليدية في ثمانينات القرن الماضي، سعت الحكومات وقتها – كما هو الحال الآن – لتعزيز مصالحها من خلال دعم جماعات في دول أصبحت ضعيفة. مؤخراً، انضمت دول كانت قوية سابقاً، على غرار العراق وسوريا، إلى الدول التي عُرفت بضعفها كاليمن ولبنان، موسّعةً مجال الحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط. وقال غوس إنّه، وعلى خلاف الحرب الباردة في القرن الماضي ، فقد ضمّت هذه الحرب إليها إيران وتركيا وامتدت إلى ما وراء حدود العالم العربي.
ورداً على تصوير غوس للديناميات الجيوسياسية في المنطقة، حث عباس مالكي على عدم وصف هذا الصراع سواءً كان بارداً أم حاراً بالصراع السني-الشيعي. قال إنّ تسمية “حرب” غير مناسبة لوصف الخلل بين “10 في المئة من الشيعة و90 في المئة من السنة”، وأضاف مالكي أنّ العلاقات القوية بين إيران وسوريا لم تكن نتيجة للروابط الطائفية، وإنما حسابات أو سياسات قائمة على المصالح، بدءاً من تصدير النفط إلى سوريا بعد الحرب الإيرانية-العراقية. من جانبه، شدد أنور عشقي على البعد الواقعي للنضالات الجيوسياسية الحالية، قائلاً إن العديد من القوى – بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية – قامت باستغلال الفرصة بكل بساطة لتعزيز مصالحها (وسيطرتها) في المنطقة. غير أنه قال إنّ المملكة العربية السعودية تسعى إلى تجنب إقامة “الهلال الشيعي” الذي من شأنه أن يؤجج الصراع الطائفي. إذاً، أضحت الطائفية سمة بارزة للديناميات الإقليمية؛ وهو توجّهٌ مدفوعٌ بحقيقية مفادها أنّ الحكومات كانت تستخدم الطائفية “كأداة جيوسياسية”، بحسب باسم صلّوخ.
اعتبر صلوخ أنه في حين أن هناك أوجه تشابه بين الديناميات الجيوسياسية الحالية وتلك من منتصف القرن العشرين، هناك أيضاً اختلافات هامة. قال إنّ الشرق الأوسط كان دائماً خاضعاً لسياسات القوى العظمى. هذا وبالإضافة إلى أنّه لا طالما قامت بعض دول المنطقة باستخدام الأيديولوجية كجزء من سياساتها الخارجية، ساعيةً إلى إزالة الأنظمة المجاورة في أغلب الأحيان. غير أنّه، وبخلاف ما حدث في الخمسينيات، تشهد هذه الدول اليوم أيضا تغييراً من الداخل، إذ يقوم “المواطنون بإعادة تشكيل علاقاتهم مع الدولة”.
واتفق المتحاورون على أن هذه التحولات الداخلية من شأنها أن تسهم في حل الصراعات والانقسامات التي تعاني منها بلدان المنطقة، وسوريا على وجه الخصوص. غير أنّ صلوخ قال إنّ القوى الخارجية أيضاً لديها دور تؤديه. وأضاف أنّ “تغلغل المصالح الجيوسياسية” يعقّد نضالات المواطنين من أجل الحرية. وأضاف صلوخ أنه عندما تركّز الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وغيرها من البلدان على التوصل إلى تسوية، يصبح السلام أمراً يسهل تحقيقه. ولكن في نهاية المطاف، قال غوس، لا يتم فرض هذه النضالات على دول مثل سوريا من الخارج. وأضاف قائلاً: “طالما أنّ الفاعلين السوريين عاجزون على الاتفاق ومستمرون في الصراع في ما بينهم، ستقوم القوى الخارجية باستغلال هذا الوضع والاستفادة منه. يمكن للقوى العظمى أن تساهم في تهيئة الظروف المواتية لاتخاذ قرار، ولكن يجب على المواطنين أنفسهم “أعطاء تعريف جديد لأنظمة حيث يمكنهم أن يعيشوا جنباً إلى جنب يتمتّعون بحقوق متساوية ولديهم التزامات متساوية”.
وحين سئل مالكي حول الآفاق المستقبلية للتعاون إقليمي أوسع بين إيران ودول الخليج، قال إنّ هناك منطق واضح للتعاون على الأمن الإقليمي. أضاف أنّ الدستور الإيراني نفسه يدعو إلى بناء علاقات قوية مع الدول المجاورة لإيران، ومع الدول الإسلامية، ومع دول العالم الثالث; وهي كلها، بحسب مالكي، فئات تندرج تحتها بلدان الخليج. في الواقع، كان شاه إيران قد اقترح ترتيبات أمنية شاملة في عام 1972. وقال إن وجود القوات الأجنبية في الخليج سيظل عقبة أمام هكذا تعاون في المستقبل المنظور.
من وجهة نظر دول الخليج، عبر عشقي كذلك عن تشاؤمه حول إمكانية إنشاء علاقات ودية على المدى القريب. وذكر عدداً من العقبات، بما في ذلك النزاعات المستمرة حول جزر في الخليج، و”التدخل الإيراني في الدول الإسلامية”، وعدم استنكار طهران لدعوات بعض رجال الدين لغزو مكة المكرمة. وقال إنه إذا غيرت إيران سياستها بشأن قضايا مثل هذه، فإنّ دول الخليج ستكون على استعداد للنقاش: “لا يهم من يقود، إذا كانوا يقودون نحو بناء السلام”. وأضاف صلوخ أن حسابات الجهات الفاعلة، مثل حزب الله، جعلت من المصالحة أمراً قلّ احتمال حدوثه. قال: “إنّ محور المقاومة يخوض الآن معركته الوجودية الخاصة به.”
وفي خلال جلسة الأسئلة والأجوبة التي تلت المناقشة، سأل أحد الحاضرين عن دور علماء الدين في منع أو دعم مدّ الطائفية. وفي هذا الصدد، أعرب مالكي عن دهشته من بيان أصدره مؤخراً الشيخ يوسف القرضاوي والذي دعا فيه المسلمين السنة إلى الانضمام إلى الجهاد في سوريا. من جانبه، قال عشقي إنه من “المؤسف” أن رجال الدين “يفتقرون في كثير من الأحيان إلى المعرفة السياسية”. وشدد على أهمية الجهود العامة لتجنب نموذج “الحرب الطائفية”، معتبراً أن كان لوجود الشيعة في المملكة العربية السعودية دوراً إيجابياً في هذا الشأن. وقال: “إذا غاب التنوع لدينا، لن نخلق إلا التطرف.”
حرب باردة جديدة في منطقة الشرق الأوسط
-
June 13
-
مشارك
أنور عشقي مؤسس ورئيس مجلس إدارة - مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، المملكة العربية السعوديةعباس مالكي أستاذ في سياسات الطاقة - جامعة شريف للتكنولوجياباسل صلوخ عميد مساعد، كلية الآداب والعلوم - الجامعة اللبنانية الأميركية
-