نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 29 مايو 2016 لاستعراض أحداث مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني الأول من نوعه على الإطلاق، والذي جرى خلال الأسبوع الذي سبق في تركيا. شارك في الندوة ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ لدى الأمم المتحدة، وأدارها سلطان بركات، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة. حضر الندوة شخصيات دبلوماسية وأكاديمية وإعلامية وشخصيات في مجال العمل الإنساني في دولة قطر.
استهلّ أوبراين كلامه بتلخيص ما أسماه أكبر أزمة إنسانية شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. تسبّبت هذه الأزمة بجعل أكثر من 130 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية، و41 مليون شخص نازح و20 مليون في عداد اللاجئين. قال أوبراين إنّ الأمم المتحدة وشركائها يسعون لجمع 21 مليار دولار أمريكي لمساعدة 91 مليون شخص في 40 دولة هذا العام، إلا أنها لم يتلقّوا سوى 4 مليارات. وأضاف أن “الأسباب التي خلّفت المعاناة واضحة” وهي: الفشل السياسي في حل الصراعات والانتهاكات صارخة للقانون الإنساني الدولي، وتفاقم الكوارث الطبيعية وزيادتها، بالإضافة إلى تنامي الحس بعدم المساواة.
ونظراً للحاجة الواضحة لاستجابةٍ إنسانية موسعة ومحسنة، عقد الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمر قمة تحت عنوان “إنسانية واحدة ومسؤولية مشتركة”. لخّص أوبراين المسؤوليات الخمس الأساسية:
- الالتزام من أجل منع حدوث صراعات وحلها: وهو “أقوى إجراء يمكن أن يتخذه القادة”. تعهد عدد من الدول باتخاذ إجراءات مبكرة لحل الأزمات قبل أن تتفاقم.
- الالتزام بالقواعد التي تصون الإنسانية: “الحماية الأخيرة ضد الهمجية”. تحدّث أوبراين عن دول التزمت بتدريب قوات مسلحة حكومية وغير حكومية، بالإضافة إلى تقديم الدعم لتحسين نظم المراقبة والإبلاغ.
- عدم إغفال أحد: وهذا يخص متابعة الأهداف الإنمائية المستدامة. تعهد المشاركون بإيجاد حلول أفضل للنازحين على المدى الطويل، وكان هناك مسعى لزيادة مشاركة النساء وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب في الاستجابة الإنسانية.
- تغيير حياة الناس من خلال تلبية الاحتياجات: وقّعت الأمم المتحدة على عقد التزام بهدف التعاون بطريقة جديدة من شأنها تلبية الاحتياجات والحد من الضعف وإدارة المخاطر بشكل أفضل من خلال العمل لتحقيق نتائج جماعية.
- الاستثمار في الإنسانية: حُقّقت صفقات تمويلية كبيرة مع الجهات المانحة من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من الكفاءة والفعالية في مجال العمل الإنساني، بما في ذلك التعهّد بتمرير 25 بالمئة من الأموال مباشرة إلى المستجيبين على المستوى الوطني والمحلي بحلول عام 2020.
قال أوبراين إنّ القمة نجحت في خلق الإرادة السياسية والتفاؤل، إلا أنّ الآن أصبح على المشاركين الذين قدموا الالتزامات أن يقودوا عملية التغيير. وفي هذا الصدد، شكر دولة قطر على المساهمات المالية التي قدمتها وأشاد بدورها الريادي في المجال الإنساني في المنطقة.
سأل بركات إذا كان حضور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وحدها من بين زعماء مجموعة الدول السبعة يعكس عدم الاهتمام بالقمة، فأجابه أوبراين أن كل الدول السبعة قد مُثلت، بعضها كان تمثيلاً رفيع المستوى. كما وشدد على أهمية جعل الأطراف الأخرى تشارك بقوة أكثر. قال أوبراين إنها كانت بالفعل قمة عالمية حيث شاركت 173 دولة وحضر أكثر من 50 رئيس دولة ومُثّلت كل منطقة بنسبة أكثر من 70 بالمئة. وأوضح أوبراين أن عملية أصحاب المصلحة المتعددين لم تُعجب بعض الدول، إلا أن المنظمين تمسكوا بموافقهم لان أي استجابة إنسانية من هذا النوع تستوجب مشاركة مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة وليس طرفاً واحداً، علماً بأنّ ما من طرف يمكنه أن يتعامل مع هذه المسألة وحده.
استفسر بركات عن ضغط بعض الدول التي تقدم المساعدات من جهة وتأجج الصراع من جهة أخرى. فقال أوبراين إن هذه المسألة قد نوقشت، علماً بأنّ المشاركين ركّزوا بشكل أساسي على كيفية تحفيز التحول من الإنفاق على الأسلحة، الذي وصل إلى مبالغ طائلة، إلى المساعدات الإنسانية، التي سجّلت فرقاً بسيطاً نسبياً وصل إلى 15 مليار دولار. ورداً على الانتقادات الموجهة حيال كيف استخدام الأمم المتحدة للأموال، قال أوبراين إنه سيكون هناك دائماً تكلفة للمعاملات، مضيفاً أن الأساس هو أن تكون العملية فعالة قدر الإمكان. كما قال إنّ مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد تعهّد بخفض تكاليفه العامة من 13 إلى 7 بالمئة، مؤكّداً أن الإشاعات حول التكاليف العامة في الأمم المتحدة التي قد تصل إلى 70 بالمئة هي مجرّد خرافات.
وفي ما يتعلّق تزايد دور القطاع الخاص، أصر أوبراين أنه لا بأس بتحقيق الأرباح، إذ إنها تخلّف الفعالية، ومن شأنها أن تولد المزيد من الأموال لإعادة الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، تضم الشركات أقساماً لا تركّز على تحقيق الأرباح وتقوم أيضاً بأعمال خيرية، كالتبرعات بعد الكوارث. تحدث أوبراين أيضاً عن أهمية المساعدات “غير المرتبطة” بأي مصالح وطنية أو جماعية، والتي تُنفذ بشفافية مطلقة. إلا أنه قال: “دعونا لا نحصر عروض المساعدة”.
ورداً على سؤال حول الاستخدام المتزايد للنقد قال أوبراين إن المسألة كانت مرتبطة بالتمكين والمساواة بين الجنسين. وقال “إن جرت الأمور بشكلٍ عادل بالنسبة للفتيات والنساء، سينعكس ذلك على التنمية. انتهى الموضوع”، مضيفاً أنه لا بدّ من حلّ مسألة تحويل الأموال، إلا أنها مشكلة صغيرة نسبياً، والنقد يكمن استبداله أكثر مما يمكن استبدال المساعدة العينية.
طرح بركات مشكلة صعف الدولة والجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط، فردّ أوبراين أنه يتعين على العالم أن يجد الشجاعة السياسية ليتدخل في وقتِ أبكر. يكمن التحدي في تبيان الوضع المعاكس – إظهار المسؤولية عند استثمار ما يُعتبر أموالاً عامة لمنع أمر معين من الحدوث.
ورداً على أسئلة الحضور، اعترف أوبراين أن الالتزامات التي أنيطت إلى القمة كانت طوعية، إلا أنه أشار لو استخدمت الأمم المتحدة مقاربة حكومية معتمدة بياناً ملزماً، ما كانت هذه القمة لتنعقد أبداً. وأضاف: “إن ركزنا على العملية سنضيع”، مشدداً مجدداً على أهمية إشراك أصحاب المصلحة جميعاً وعلى الإرادة التي تولدها هذه القمة.
أما في ما يتعلق بمسالة اللاجئين، أوضح أوبراين أن اجتماعاً سيُعقد لمناقشة هذه المسألة بشكل خاص في سبتمبر، وأن القمة شكلت تمهيداً له. وبشكلٍ عام، شدد على أهمية الثقة – لتشجيع أصحاب المصلحة على العودة والمشاركة مرة ثانية. وقال إنّ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يرمي، من خلال استشاراته، إلى دعم رؤية، والأفعال من خلال التزامات، والتي لخصها أوبراين “أعلى عامل مشترك”.
ورداً على سؤال حول سبب عدم تسليط الضوء على احتياجات مجموعات معيّنة كالفلسطينيين خلال فعاليات مؤتمر القمة هذا، قال أوبراين إنه من المهم جداً بالنسبة للأمم المتحدة أن تتجنّب السياسة وتحافظ على الحيادية لتتمكن من تلبية الاحتياجات متى ما وُجِدت. إلا أنه أشار إلى أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) شاركت مشاركةً كاملةً في القمة. اعترف أوبراين أيضاً بصعوبة جمع الأموال لتأمين المساعدة الإنسانية وقال إنه يعرف أن مبلغ 21 مليار دولار المطلوب لا يمكن جمعه في القمة، مشيراً إلى أعداد خطط الاستجابة الإنسانية التي لم تحظى بالتمويل الضروري. وختم قائلاً: “إننا نواجه أزمة موارد كبيرة”.
أما بالنسبة لليمن، أعرب بركات عن قلقه جراء إلقاء مسؤولية مساعدة الشعب اليمني على السعوديين. أشار أوبراين أن “ضجة كبيرة” رافقت المسألة وأن الأمم المتحدة كانت تساعد يومياً 3,5 مليون شخص يومياً، إلا أنه قال إن الصراع المستمر قد صعّب الوضع وأنّ الاحتجاجات الضرورية قد زادت.
وتطرقت الأسئلة الأخيرة إلى الأموال التي تنتهي في يد الجهات الخطأ، وعدم ثقة المنظمات غير الحكومية بالأمم المتحدة وإعادة هيكلة الهيئة. طلب أوبراين من أي شخص يرى سوء استخدام لأموال الأمم المتحدة أن يبلّغ عن الأمر بهدف الحرص على تأمين الاستجابة الصحيحة. وأشار إلى أنّ الشك موجود دائماً بين الجهات الفاعلة المحلية والمؤسسات، لكنه قال إنه “لا بدّ أن نحاكم على أساس أعمالنا”، مضيفاً أنّ الحاجة الكبيرة تعني “ضرورة إقامة تلك الشراكة”. أخيراً، قال أوبراين إنّ الأمم المتحدة تحتاج إلى أن تقدم أداءً أفضل بهدف تحسين التنسيق وسرعة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية.
-
May 30
-
مدير الجلسة
Sultan Barakat زميل سابق في بروكنجز -
المتحدث
-