Commentary

فيما يتعلق بالمصاحف والممالك: علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي

بعد تسع سنوات من أحداث 11/9، لا تزال أمريكا تناضل من أجل معرفة من هم أصدقاؤها، ومن هم أعداؤها، وطبيعة التحديات التي تواجهها.

مع حلول الذكرى التاسعة للهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، لا تزال الولايات المتحدة منغمسة في حرب دموية في أفغانستان ضد حركة طالبان التي تعاظم أمرها. أما في العراق، فقد أعلنّا إنهاء العمليات القتالية، بيد أنه لا يزال لدينا 50000 جندي في البلاد ولا يزال البلد يعاني من فوضى عارمة. لقد تمخض عن غزونا للعراق اختلال ميزان القوى في المنطقة لصالح إيران، والتي لا تزال تعزز من طموحاتها النووية بالرغم من تشديد العقوبات عليها. وأخيراً، استأنف الفلسطينيون والإسرائيليون المحادثات المباشرة لكن البيئة السياسية التي تجرى فيها هذه المفاوضات غير مواتية للتوصل إلى تسوية نهائية.

وبعد مرور تسع سنوات، لم تعد تتمتع القاعدة بملاذ آمن في أفغانستان من أجل مواصلة تدريبها، وقد تدهورت الضربات العسكرية الأمريكية بشكل ملحوظ في قدرتها التنفيذية، لكن هناك نمو في مجموعة المجندين التابعين للتنظيم والخلايا المنبثقة عنه في أماكن مختلفة. فعلى المستوى الداخلي، اندلع جدل وطني حول مدى ملاءمة بناء مركز للجالية الإسلامية على بعد مبنيين من جراوند زيرو، وقد جذب قس ولاية فلوريدا اهتمام الصحف العالمية عندما هدد بحرق نسخ من القرآن الكريم.

كيف وصلنا إلى هذه الدرجة؟ إن تقدمنا المتعثر في تهميش القاعدة وإقامة علاقات قوية مع العالم الإسلامي على أساس راسخ ليس بسبب عدم وجود حل أو لعدم الرغبة في إراقة الدماء واستنزاف الأموال من قبل الإدارتين الأمريكيتين، ولكنه بالأحرى، نابع من عدم قدرتنا كأمة على تحديد بالضبط من هم أعداؤنا، ومن أصدقاؤنا، وطبيعة التحديات التي نواجهها

إن عدونا الأساسي، كما أشار الرئيسان بوش وأوباما، ليس الإسلام، وإنما هو تنظيم القاعدة وأي منظمة تتبنى أفكاره، وهي شبكة طليقة من الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى تشويه صورة الدين الإسلامي المحب للسلام من أجل تحقيق أغراضهم السياسية المعدومة. وبعد تسع سنوات من جهود مكافحة الإرهاب، لا تزال القاعدة صامدة ليس بسبب قوتها العسكرية أو براعتها التنظيمية بل بسبب قوتنا المدركة وإخفاقاتنا السياسية. فالقاعدة تستمد قوتها من الرواية الشائعة في العالم العربي والعالم الإسلامي الأوسع والتي مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من أن تستخدم قوتها في الارتقاء بحالة المسلمين في جميع أنحاء العالم، فهي في حالة حرب مع الإسلام ـــ عازمة على احتلال بلاد المسلمين وعلى قتل المسلمين الأبرياء. وعندما تفقد هجماتنا الدموية أهدافها، وعندما نلقي بالخطابات المضللة عن الحروب الصليبية والاستعمارية، وعندما ندنس الرموز الدينية الإسلامية المقدسة، فإننا نشترك دون وعي في حبك هذه الرواية.

في النهاية، سيكون أصدقاؤنا هم الـ 1.4 مليار مسلم الذي لا ينتمون إلى تنظيم القاعدة. وفي الوقت الذي قد يستاء فيه الكثيرون من سياسة الولايات المتحدة، فهم يرون أن عدمية تنظيم القاعدة ـــ التي يقعون دائماً الضحايا الرئيسيين لها ـــ أمراً غير مقبول على الإطلاق. إنهم يريدون الأشياء نفسها التي يريدها الناس في جميع أنحاء العالم: القدرة على إطعام أسرهم، وتعليم أبنائهم في مدارس جيدة، والمنافسة بنجاح في الاقتصاد العالمي، والتمتع بالحرية لإدراك إمكاناتهم الكامنة كبشر. وعندما ينجحون في بناء مستقبلهم الأكثر إيجابية، فلسوف يزول تنظيم القاعدة ويصبح غير ذي فائدة بالنسبة لهم.

إن التحديات التي نواجهها في المستقبل ـــ باستثناء محاولة التعامل مع العديد من الصراعات العنيفة التي تؤرق “العالم الإسلامي” – هي ذات شقين. حيث يتمثل الشق الأول في المساعدة في معالجة هذه المسألة الملحة التي تعاني منها العديد من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة: ألا وهي سوء الإدارة. إن فساد العديد من القادة السياسيين المحليين وعدم قدرتهم حتى على توفير أبسط الخدمات الاجتماعية يسهم في تقويض شرعية الدول وتماسكها، وخلق الفوضى وعدم الاستقرار، وهي أسباب نجاح تنظيم القاعدة. فينبغي لنا أن نجد وسيلة لتزويد المواطنيين العاديين بالمعرفة والأفكار والمهارات التي تمكّنهم من رفع أصواتهم حتى يسمعهم الآخرين ومن تأدية دور بناء في إيجاد مدارس أفضل، وطرق أفضل، ونظم رعاية صحية أفضل، واقتصاد أفضل، وفي النهاية، أداءٍ أفضل للحكومات.

ثانيًا، يتعين علينا تثقيف الأمريكيين حول مفهوم الإسلام. فبعد تسع سنوات من الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، لا تزال علاقاتنا مع “العالم الإسلامي” قائمة إلى حد كبير على الجهل والخوف. ولن تتوفر لدينا هذه الأجواء التي تمكننا من تعضيد هذه العلاقة حتى يتسنى لقادتنا السياسيين والرأي العام الأمريكي من التفريق بين الملتزمين وبين المتعصبين. وعندما نحرق القرآن الكريم، فنحن لا ندنس دينًا آخرًا – فضلاً عن مبادئنا القويمة كأمة – فحسب، بل إننا نهدم أيضًا أية إمكانية لبناء مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا لأبنائنا.