Commentary

هل تعيد حماس حساباتها للتقرّب من مصر؟

Hamas Gaza Chief Yehya Al-Sinwar (C) and Hamas leader Ismail Haniyeh (L) take part in the funeral of senior militant Mazen Fuqaha in Gaza City March 25, 2017. REUTERS/Mohammed Salem - RTX32NQR

بعد مرور ثلاثين عاماً تقريباً على تأسيس حركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ها هي اليوم تعيد النظر في مبادئها التأسيسية. وتأتي هذه الخطوة عند نقطة تحوّل في الوقت الذي تجري فيه القيادة العليا أيضاً تعديلات كبيرة، وهي عملية لطالما شكلت موضع نقاش.

ومن المحتمل أن تتفاوت ردود فعل بلدان الشرق الأوسط والعواصم الغربية إزاء هذه التغييرات التي ترمي إلى طمأنة القواعد الشعبية المحلية والفصل إلى حد ما بين حماس والحركة الأم (حركة الإخوان المسلمين). بينما تأمل قيادة حماس أن تؤدي هذه التغييرات إلى تحسين العلاقات مع وسطاء القوى الإقليميين كمصر، إلا أنه من غير المحتمل أن تؤدي إلى التحول المعتدل الذي لطالما طلبه الدبلوماسيون الغربيون من الحركة.

خلال العام الماضي، عملت حركة حماس جاهدة لإعادة بناء علاقات مع مصر. وقد اعتبرت أن بلد الرئيس عبد الفتاح السيسي أساسياً في تحديد مستقبلها في قطاع غزة حيث يقيم قرابة مليوني نسمة.

ميثاق معتدل

أطلقت حركة حماس، التي تأسست في العام 1987، ميثاقها خلال ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى. برزت هذه الحركة الجديدة على الساحة السياسية المحلية معتمدة خطاباً حماسياً عن الجهاد والعداء ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الممتدة وفقاً لما ورد في ميثاقهم “من البحر المتوسط إلى نهر الأردن”. ارتكز وصف حماس لإسرائيل على عبارات مناهضة للسامية مستقاة من بروتوكولات حكماء صهيون.

وأعلن الميثاق أنّ حماس هي حركة مقاومة إسلامية تتنافس مع الفصائل التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح) المسيطرة في حينها. وقد ندد قادة حماس بحركة فتح لانفتاحها على التفاوض مع إسرائيل.

مع اتخاذ قادة حماس اليوم قراراً بإعادة النظر في هذا الميثاق، يكونوا قد وضعوا جانباً الحث على الجهاد ضد إسرائيل. ويشدد الميثاق الجديد على رغبة القادة الراسخة بالابتعاد عن مواقفهم المتطرفة. فعلى سبيل المثال، يتيح هذا الميثاق الجديد إمكانية موافقة الحركة على الحلول السياسية لإقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. باختصار، قد تكون هذه هي اللحظة التي تقبل فيها حماس بحلّ الدولتين.

تكلفة الفرصة البديلة؟

وقد تكمن قوة موقف حماس الجديدة في أنها قد أدخلت العناصر المتشددة في الحركة، بما في ذلك كتائب عز الدين القسام، إلى عملية صنع القرار. ويمثل هذا الميثاق المنقح شكلاً من أشكال التأثير المعتدل من قادة داخل حماس ممن أصروا على مواقف سياسية واقعية. وفي هذا الصدد، يكون ذلك انتصاراً للسياسة على المقاومة.

ويتجلى ذلك في إدراج يحيى السنوار، الذي يأخذ من غزة مقراً له، في البنى القيادية الجديدة، ليحل محل رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية السابق إسماعيل هنية (على الرغم من كونه متنازع عليه). كان السنوار أحد مؤسسي كتائب عزّ الدين القسام واختصر النمط المتصلّب الذي اعتمدته حماس في السنوات الأولى بعد تأسيسها. وعليه، فإن موقف حماس الجديد أقوى ويمثل نقاشاً وعملية صناعة قرار حازت على تأييد جميع الأجنحة وشملت كافة المواقف الأيديولوجية.

العودة

وبالتالي، فإنّ هذه المساومة في الموقف يمكن أن تشكّل نقطة عودة حماس إلى جانب القادة الإقليمين والدوليين. على سبيل المثال، لا يزال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤدي دور الوسيط بين قادة غزة والإسرائيليين.

إلا أن فرصة استغلال الغموض البناء القائم حول هذه المساومات ستعتمد على إرادة مصر بإبعاد حماس عن العنف ووضعها على المسار السياسي.

تراءى مستقبل وردي أمام قيادة حماس التي قويت غداة الربيع العربي بفعل وصول حركة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي إلى السلطة. ولكن عندما أطاح الجيش بقيادة السيسي بالإخوان المسلمين في العام 2013، ارتابت القيادة المصرية الجديدة في حركة حماس واعتبرتها جزءاً من المشكلة الأوسع للقوى الاسلامية.

وخلال تلك الفترة، حاول قادة حماس بجهد من أجل إعادة بناء الثقة مع القاهرة. إذ تدرك قيادة حماس إلى أي مدى يرتبط مصيرها ومصير الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة ليس بإسرائيل فحسب، بل أيضاً بالقاهرة.

لقد أدت القاهرة دوراً مهماً إلى جانب إسرائيل في فرض الحصار على قطاع غزة والإبقاء عليه. وقد نتج عن ذلك أزمة إنسانية وتفاقم الوضع الاقتصادي في الاراضي التي تسيطر عليها حركة حماس. رغم ذلك، استمرت الحركة في السلطة.

وسيشدد الميثاق المعدّل على فلسطينية الحركة. ومن المرجّح أن تسقط شعارات الماضي التي أعلنت أنّ حركة حماس هي “حلقة ضمن سلسلة” تحت جناح جماعة الإخوان المسلمين الأم في القاهرة. تدرك حركة حماس، شأنها شأن نظيراتها في الاْردن، أهمية الإبقاء على مسافة سياسية عما أُعلن أنه تهديد إرهابي في عواصمٍ كالقاهرة والرياض.

إن الطريق المنتظرة، المبينة في الميثاق المنقّح، والتغييرات المقبلة في القيادة السياسية مهمة جداً. من شأن هذه التغييرات أن تساعد على إعادة حماس للدائرة المصرية. تضطلع حكومة السيسي أصلاً بدور في تحديد مستقبل قطاع غزة، ومن شأنها أن يكون لها الفضل في إعادة توحيد فتح وحماس. إنّ الأزمة السياسية المستمرة في السياسة الفلسطينية تعرقل عملية إعادة إعمار قطاع غزة وتقوّض بدورها الأمن الإسرائيلي. سيكون من مصلحة الولايات المتحدة أن تشجّع الرئيس السيسي على أن يأخذ المبادرة في لعبة قوى الشرق الأوسط الفريدة هذه.

Authors