Commentary

Op-ed

مبادرات المصالحة الفلسطينية على المستوى الشعبي تكشف إخفاقات قادة فتح وحماس

أعلنت مؤخراً قناة العربية الإخبارية عن مبادرة “المسامحة والعفو لأجل الوطن”، وهي مبادرة مصالحة شعبية أطلقتها عائلة الزعنون في غزة. وكانت العائلة قد فقدت ابنها، الذي خدم في قوات الأمن الوطنية الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح، في مواجهات بين الفلسطينيين في يونيو 2007. ومع أن المصافحة الأخيرة بين مسؤولي حماس وفتح حظيت بتغطية إعلامية واسعة، أولي انتباه محدود لجهود مماثلة تهدف إلى التغلّب على الخلافات بين الفصائل المحلية التي مزّقت المجتمع الفلسطيني في السنوات الثمانية الأخيرة.

وتكمن أهمية مبادرة هذه في تركيزها على فكرة المسامحة التي تُمثل، بالإضافة إلى الإقرار والمساءلة، أحد الأعمدة الرئيسية للمصالحة الفعّالة. وتعتبر القدرة على الترفع عن مشاعر الغضب والانتقام للمسامحة عنصراً أساسياً في تعزيز مشاريع التعافي بعد النزاع. أولت المجتمعات المسيحية والبوذية في دول كجنوب أفريقيا وكمبوديا مثلاً انتباهاً خاصاً لهذه القيم لتسهيل عملية المصالحة الوطنية.

كانت اتفاقيات المصالحة العالية المستوى في الشرق الأوسط قد تجاهلت لمدة طويلة هذه الأركان، مما أدى إلى اتفاقيات سطحية وتقدير محدود لجهود المصالحة من قبل العامة. ولا يزال على الشخصيات السياسية والدينية أن تقدر أهمية وقيمة هذه القيم في رعاية المصالحة الوطنية.

إجراءات بناء الثقة

هناك حاجة ماسة اليوم، نظراً للصراعات الداخلية في المنطقة، لمناقشة ممارسة الإقرار والمسامحة وتكريسهما كمبادئ إسلامية للرفاه البشري. علينا أن نقر أن إجراءات بناء الثقة المحلية هي التي ستحدد في النهاية نجاح أي اتفاقية مصالحة. فالصراعات بين الفصائل تمزق النسيج الاجتماعي وتبث انعدام الثقة والشك والكراهية.

شجّعت كل من فتح وحماس على هذه المشاعر خلال مراحل من العنف بين الفلسطينيين. فمنذ العام 2006 ومواقع حماس وفتح ومنشوراتهما تجرّم قادة الطرف الآخر وتتبادل اللوم على مراحل عدة من العنف وتستهدف أعضاء بعضها البعض. واعتبرت حركة حماس قادة فتح خبثاء و”الوجوه الخاطئة” فيما تعاونت فتح مع إسرائيل في الهجمات الأخيرة على حماس في العامين 2008 و2011. لذا على الفصيلين أن يتحملا المسؤولية ويقرا بأخطائهما ويعتمدا المبادرات التي تصلح العلاقات الفلسطينية على المستوى الشعبي.

الفلسطينيون العاديون

في الوقت الحالي، إنهم الفلسطينيون العاديون الذين يأخذون زمام المبادرة بإطلاق حملات المصالحة. فقد بدا سخط والد علاء الزعنون واضحاً في تقرير العربية. وحين سئل عن سبب إطلاق المبادرة أجاب: “نحن الفلسطينيون نعيش في المعاناة وقد طفح الكيل. نحن ]من جهتنا[ سنسامح ونتركهم يتصالحون ويريحوننا”.

ما من مراقب دقيق عاجز عن ملاحظة انتشار مبادرات المصالحة المحلية في فلسطين. وتشمل هذه المبادرات حملة “الفلسطينيون فوق كل اعتبار” (Palestinians above All) التي جمعت 9195 توقيعاً بين شهري أبريل ويونيو 2013 والتي تحث فتح وحماس على تطبيق اتفاقية المصالحة الوطنية التي وُقعت في مايو 2011 في كلٍ من الضفة الغربية وغزة.

وتبقى الحقيقة أن القادة الفلسطينيين في هذين الفصيلين قد فشلوا في الإعراب عن التزامهم الحقيقي والعملي تجاه المصالحة. فبعد كل اجتماع مهم على طريق المصالحة الفلسطينية الوعر، يسرع القادة الفلسطينيون إلى طلب الهبات للمساعدة على تطبيق إجراءات المصالحة، وهو طلب عكسه تقرير العربية. إلا أن الحاجات الملحّة بعقد الاجتماعات المحلية ولقاءات “الصُلحة” والاعتذارات العلنية الضرورية لمداواة الجروح الناتجة عن الاقتتال بين الفلسطينيين بقيت طي التجاهل ومهمّشة إلى حد بعيد.

آن الأوان لكل من فتح وحماس للاستثمار بشكل جدي في إجراءات بناء الثقة. فالمكاتب المحلية للفصيلين يمكنها أن توجّه الطاقات إلى هذه القضية وتستثمر في المستقبل المشترك للشباب الفلسطيني. تمتلك الثقافة العربية والإسلامية الكثير من الأمثلة والمبادئ والأدوات لتنفيذ ذلك. وقد يساعد إبراز النية الحسنة في الحد من موجات انعدام الثقة التي شجّع عليها الفصيلان في السنوات الماضية.

يتطلب تمكين هذه المساعي والاعتراف المجتمعي بها تغطية إعلامية ودعم القادة الدينيين المحليين و الإقليميين. وتقع على عاتق الواهبين مسؤولية في هذا المجال وهي توجيه التمويل لدعم المشاريع المحلية للمصالحة مع تشجيع مشاركة ضحايا العنف بين الفلسطينيين من كافة الأطراف في الوقت نفسه. وقد تشمل قنوات التمويل هذه مشاريع توليد الدخل ومشاريع الخدمات الاجتماعية أو مبادرات قيادة المجتمع المحلي.

ومن البديهي التذكير بأن إجراءات بناء الثقة لا تكفي لوحدها. فتَشارُك السلطة والاتفاقيات السياسية الملزمة بين اللاعبين السياسيين الفلسطينيين على القدر نفسه من الأهمية. إنّ حل نزاع طويل الأمد حول وضع منظمة التحرير الفلسطينية وعضويتها هو أولوية للفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسامات الطويلة الأمد. وفي هذا السياق، يمكن للاتفاقيات السياسية والمبادرات الشعبية أن تشجّع على جو من التعاون السياسي والمجتمعي يخدم المصالح الفلسطينية. وطالما أنّ هاذين المسارين لا يُتبعان بشكل دقيق، ستبقى اتفاقية المصالحة حبراً على ورق.