Commentary

ماذا عنت الثورة الإيرانية بالنسبة إلى العراق؟

Iraqi President Saddam Hussein addresses the eigth anniversary of the Great Victory Day August 8. In his address marking the ceasefire in the 1980-88 Iraq-Iran war, Saddam rejected Western government accusations that he had spent a fortune on building palaces for himself while his people enjured poverty. He made no mention of his country's oil-for-food deal with the U.N. whose implementation the U.S. approved on Wednesday. - PBEAHUMWIBM

لقد أثّر انهيار حكومة الشاه في إيران في أوائل العام 1979 في العالم بأسره، إلّا أنّ العراق كان الأكثر تأثُّراً. كان نظام صدام حسين عدو الشاه اللدود، وقد استضاف آية الله الخميني في المنفى لسنوات، إلّا أنّ صدّام أصبح هدف الثّوار الخارجي الأوّل في طهران بعد أن تولّوا السلطة. فاجأت الثورة الإيرانية عدداً كبيراً من الدول، لكنّ وقع المفاجأة كان الأكبر في العراق. حيث نتج عنها نشوء حرب  أدّت إلى عقود من الصراع لم ينته إلى الآن. 

أُرسِل آية الله الخميني إلى المنفى في تركيا من قبل الشاه في العام 1964 بسبب دوره في قيادة الاحتجاجات ضد العلاقات الوطيدة التي تربط إيران بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي أكتوبر 1965، انتقل خميني إلى العراق إلى مدينة النجف الشريف الشيعيّة. وكانت لدى الحكومة العراقيّة حدود متنازع عليها مع إيران. كما أنّ الحكومتين كانتا على جانبي الحرب الباردة: إذ كان العراق المستفيد من المساعدة العسكرية السوفياتية على نطاقٍ واسع.

وكانت الولايات المتحدة قد بنت سياستها الشرق أوسطية حول إيران والشاه، إذ كان يمثّل الموقف الأمريكي في الخليج الفارسي. وأُرسلت الأسلحة بمليارات الدولارات إلى جيش الشاه. وكان سقوطه بمثابة كارثة في أذهان معظم الأمريكيين.

لم تربط الولايات المتحدة أي علاقات بالعراق. وشكّل هدفاً استخباراتياً صعباً. كان الإيرانيون في عهد الشاه يسارعون إلى إخبار الأمريكيين ما يظنّون أنّه يجري داخل العراق. إلّا أنّ غالباً ما كان تقييمهم خاطئاً.

ساعدت المخابرات العراقية الخميني في إدارة عملية تخريب سرّية من النجف ضدّ الشاه. وشكّلت رحلة حجّ الشيعة الإيرانيين إلى النجف غطاءً مفيداً للتواصل مع متعاونين من داخل إيران. وقد هُرِّبَت أشرطة مُسجّلة لمواعظ الخميني من النجف إلى إيران.

وفي العام 1968 تولّى صدام حسين السلطة عَقِبَ انقلاب، وحكم العراق من خلف الكواليس لعقدٍ من الزمن. واستمرّ في استخدام الخميني ضدّ الشاه، الذي قام من جانبه، بدعم تمرّدٍ كردي ضدّ صدّام بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. ثم في العام 1975، أبرم صدام والشاه اتفاقيّة سلام في الجزائر العاصمة مُنِحَت بموجبها إيران الأراضي المتنازع عليها على طول شط العرب مقابل التخلّي عن الأكراد.

لم يتخلَّ صدام عن الخميني ولا عن الأكراد، وظلّ في مركز التشدد الإسلامي ضد الشاه حتى بداية الثورة. كُلِّفتُ بمكتب إيران في وكالة المخابرات المركزية في نوفمبر 1978 وسط انتشار ادّعاءات بأنّ أجهزة الاستخبارات قد فشلت في توقّع الثورة.

وأيّاً كان إخفاق الاستخبارات الأمريكية، من الواضح أنّ العراقيين لم يتوقعوا قوة الثورة وحجمها، هذه الثورة التي ساهموا في خلقها من خلال دعم الخميني طيلة سنوات في النجف. في الخامس من أكتوبر عام 1978، طرد صدام الخميني من النجف، الذي بدوره وجد ملجأ آخر في فرنسا خارج باريس. وقد قاد الخميني الأشهر الأخيرة من الثورة من قرية نوفل لوشاتو الفرنسية وعاد منتصراً إلى طهران في الأول من فبراير عام 1979. فقد أبعد صدام الرجل الذي كان يعمل لسنوات ضد الشاه قبل لحظة انتصاره. وكان ذلك خطأ فادحاً.

في غضون أسابيع من إنشاء الجمهورية الإسلامية، قام الخميني بعكس طرق التهريب التي استخدمها ضد الشاه من النجف ليحاول الآن تقويض نظام صدام البعثي في بغداد. وفي وكالة الاستخبارات المركزية، توقّعنا في ربيع العام 1979 أنّ العلاقات بين إيران والعراق كانت تتجه نحو الصراع. بدأ النظام الثوري الجديد في طهران بدعم موجة من الهجمات الإرهابية داخل العراق بهدف الإطاحة بصدام وإنشاء جمهورية إسلامية (وشيعية) ثانية في بغداد. فأصبحت المواجهات الحدودية أمراً طبيعياً.

كان صدام مصمّماً على المقاومة، فدعا جنرالات ساخطين من الجيش السابق للشاه إلى بغداد لتخطيط انقلاب للإطاحة بآية الله. انخرط الطرفان في مؤامرات ومخططات لتحطيم أحدهما الآخر، كما استهدفا مجتمعات الأقليات في الطرف المقابل من أجل عملية التقويض؛ فاستهدفت إيران الأكراد في حين استهدف العراق العرب في محافظة خوزستان وإقليم بلوشستان.

بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران، ضاعفت فرقة العمل على إيران التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية جهودها لمراقبة الحدود الإيرانية العراقية ترقّباً لحرب قادمة. كان غلام علي أويسي، القائد الأخير لجيش الشاه، من بين الجنرالات الذين كانوا يساعدون العراقيين. وقد غادر إيران في يناير 1979 لمنفاه في باريس. وقد استمر في الحفاظ على علاقات وثيقة مع الجيش الأمريكي الذي تطوّر في خلال فترة خدمته مع الشاه. وكان أويسي قد تدرّب في ولايتي فيرجينيا وكانساس الأمريكيتين.

وفي سبتمبر عام 1980، قدِم أويسي إلى نيويورك حيث استجوبته. وكان قد عاد من بغداد لتوه والتقى صدام. كانت الحرب وشيكة وفقاً لما قيل له. وكان الجيش العراقي مستعداً للغزو. وأكّد أويسي لصدام أنّ إيران ضعيفة وأن جيشها في حالة اضطراب. وهذا بالطبع ما كان صدام يريد سماعه.

أصدرت لجنة الاستخبارات مذكّرة تحذير فورية تشير إلى أنّ العراقيين كانوا سيجتاحون وأنّهم يقيّمون النتائج. وخلصت المذكرة إلى أنّه لم يكن من المحتمل أن يفوز العراق حرباً سريعة ورخيصة. وقد لخّص مستشار الأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي ذلك بوضوح في رسالته للرئيس جيمي كارتر: “إنّ العراق ألزم نفسه بأمور لا يمكن تحقيقها”.

اُغتِيل أويسي في باريس في السابع من فبراير عام 1984 من قبل فريق اغتيال إيراني. دامت الحرب ثماني سنوات وتسببت في مقتل نصف مليون شخص وإصابة مليون آخرين وخسائر تفوق قيمتها تريليون دولار. وتلت هذه الحرب ثلاث حروب أخرى. وكل ذلك كان نتيجة الأخطاء التي ارتكبها صدام في العامين 1978 و1979.