Commentary

Op-ed

رسوم شخصية للمُختفين: الفنّ أداةً للمناصرة في سوريا

Akram Abu al-Foz decorates a Christmas tree with empty shells which he painted, in the rebel held besieged city of Douma, in the eastern Damascus suburb of Ghouta, Syria December 23, 2016. REUTERS/Bassam Khabieh     TPX IMAGES OF THE DAY

الفنّ وسيلة فعّالة للمناصرة في يد ضحايا المعانة الجماعية، على غرار الضحايا في سوريا. لهذا السبب لجأت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى الفنّ البصري للبحث عن الحقيقة والعدالة للمُختفين والمُعذَّبين في سوريا.

ويؤدّي الفنّ دوراً حاسماً في دعم أهداف العدالة الانتقالية في سوريا، ولا سيّما البحث عن الحقيقة والمساءلة والمصالحة. فقليلةٌ هي آلياتُ العدالة التي تحظى بفعالية الفنّ في التفاعل مع مجتمع بأسره. ويحيي الفنّ العام في أرجاء العالم ذكرى الضحايا السوريين ويرسّخ أسماءهم في العقل الشعبي، مذكّراً المجتمع بالتضحيات التي قدّمها هؤلاء الأفراد من أجل الوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً. بهذه الطريقة، يحمي الفنّ إرث الضحايا ويقاوم النزعة التعديلية التي تهدف إلى محو بعض الحكايات عن الماضي. والمهمّ في الموضوع أنّ الفنّ يمنح أيضاً خاتمة للناجين وعائلاتهم فيما يفضح علناً أولئك المتورّطين في ارتكاب الفظائع.

مئة رسم شخصي: عيّنة عن مئة ألف سوري مختفٍ قسراً

منذ اندلاع الصراع السوري في العام 2011، وصل عدد المختفين قسراً إلى حوالي مئة ألف سوري. لكنّ نكبتهم نادراً ما تتبوّأ الطليعة في الوعي العام المحلّي والإقليمي والدولي. فيتمّ النظر إلى المُختفين في سوريا كمجرّد رقم إحصائي آخر، في عالم فقدت فيه الإحصائيات التي تمثّل الخسارة البشرية الهائلة التي كبّدها الصراع قدرتها على إحداث تأثير صادم. علاوة على ذلك، مع ازدياد المعاناة الجماعيّة، تتلاشى الإنسانية الفردية للسوريين المختفين.

للمساعدة على عكس هذا المسار، طبعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان صوراً لمجموعة من الأفراد السوريين المُختفين ونشرتها. وقد اخترنا أولئك الأفراد عبر التمعّن في خلفيّة كلّ واحد منهم باستخدام بيانات جمعناها قبلاً، آخذين بعين الاعتبار تاريخهم في العمل الناشطي لحقوق الإنسان. وحرصنا أيضاً على أن يكون المختارون مجموعةً تمثيلية عبر اختيار أشخاص من كلّ محافظة سورية. وتمّ طبع كلّ صورة مع وصف موجز يُفصّل تاريخ الاعتقال ومكانه، بالإضافة إلى الجهة المعتقِلة.

ولأولئك المنخرطون في الحركة الشعبية المناهضة للحكومة، رسمنا صورهم رسماً عوضاً عن طبعها. فقد فضّلنا أن نرسم الصور عوضاً عن طبعهاً لأنّ عملية الرسم تمنح الوقت والانتباه وأهمّيةً خاصة للشخص موضوع الرسم. فصور الأشخاص المختفين شائعة جداً، أما الرسوم فليست شائعة بالقدر ذاته. بالتالي، رسم صورهم يجعلها ملفتة أكثر للمشاهد العام ويؤدّي دوراً في العمل الناشطي بحدّ ذاته.

وتعاون فريق ملف المعتقلين، برئاسة نور الخطيب، مع قسم الضحايا، برئاسة هلا هشام، لاختيار 50 اسماً من مختلف المحافظات السورية لنساء ورجال كان لهم أثرٌ لافت في مجتمعاتهم المحلّية وتمّ اعتقالهم وإخفاؤهم قسراً بسبب عملهم الناشطي في الحركة الهادفة إلى الوصول إلى تغيير ديمقراطي. بعد ذلك، رسمت رئيسة قسم التصميم آية السمان الصور الشخصية للمعتقلين. وقد استغرق هذا العمل كلّه أكثر من عشرة أشهر.

وتضمّ جماهيرنا المستهدفة عائلات المختفين والمجتمع السوري ككلّ والمجتمع الدولي. وقد طبعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصور الشخصية وأرسلتها إلى عائلات المعتقلين والمختفين. وعبّرت عائلات كثيرة عن تقديرها لهذه الصور وعن وجعها أيضاً. واستعمل البعض هذه الصور كصور لملفّ تعريفهم على حساباتهم على موقعَي فيسبوك وتويتر كجهد منهم لزيادة الوعي للوصول إلى الحقيقة حول مصير أحبّائهم المختفين. وقد حثّنا ردّ فعل العائلات الإيجابي إلى إتمام المرحلة الثانية من هذا المشروع الفنّي عبر إضافة 50 صورةٍ شخصيةٍ أخرى، ليصل المجموع إلى مئة. وطبعنا أربعيناً من هذه الصور وعرضناها في فعالية هامشية جرت في اجتماع للجمعية العامّة للأمم المتّحدة في سبتمبر 2019. وجرى هذا المعرض الذي حمل عنوان “العدالة والمساءلة في سوريا” برعاية الأمم المتّحدة والمملكة المتّحدة وألمانيا وفرنسا وهولندا، وقد ساعد على أنسنة الضحايا السوريين وجذب الانتباه إلى القضية السورية على المستوى الدولي.

رسم أساليب التعذيب

منذ العام 2011، أجرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقابلة مع 115 ألف ناجٍ من التعذيب واستعانت بهذه الشهادات لتطرح نحو مئة تقرير عن التعذيب الوحشي للمعتقلين في مراكز الاعتقال والمراكز الأمنية. وعوضاً عن وصف هذه الممارسات بالكلام، قرّرنا أن نلجأ إلى الفنّ لنصوّر أساليب التعذيب المستخدمة التي فاق عددها السبعين، فنبيّن وحشيّتها وقساوتها بشكل رسوم. وكانت النيّة الإقرار بالتضحيات التي بذلها الناجون من التعذيب وعائلاتهم فضلاً عن زيادة الوعي في المجتمع السوري وفي العالم. ويشكّل اللجوء إلى الفنّ لعرض أساليب التعذيب استراتيجية مناصرة مهمّة لحثّ المجتمع الدولي على التحرّك إزاء هذه الممارسات الشنيعة. وكان هذا المشروع مُنهِكاً ذهنياً وعاطفياً، لكنّه كان طريقة مهمّة لكشف حقيقة ما فعله السجّانون بمَن هم في الأسر.

وتشكّل هذه الرسوم أيضاً سجلاً عاماً، أو نوعاً من الشهادة للممارسات الفظيعة التي يشيع استخدامها في السجون في سوريا. وهي مصدر مهمّ للفضح العلني لكلّ مَن تورّط في اقتراف أعمال التعذيب هذه وما زال متورّطاً. ويتمحور هدف الشبكة السورية لحقوق الإنسان حول استخدام هذا الفنّ للمطالبة بالمساءلة عبر الضغط على صانعي القرارات الدوليين لكي يناشدوا بالعدالة للضحايا السوريين.

في النهاية، ليس الفنّ عاملاً حاسماً في العمل على تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، بل هو يعزّز أهداف آليات العدالة الأخرى. وينبغي أن تأتي بعد العمل الناشطي خطواتٌ ملموسة. مع ذلك، تبرهن مشاريع الشبكة السورية على أنّ الفنّ قادرٌ بالفعل على دعم أسس العدالة الانتقالية بعد تعزيز الحقيقة والمساءلة والمصالحة وعبر القضاء على الانقسامات في المجتمع السوري.