Commentary

بوتين لم يُضطرّ إلى دفع رواية الكرملين: ترامب تولّى المهمّة

Russian President Vladimir Putin listens as U.S. President Donald Trump speaks during their news conference in Helsinki, Finland July 16, 2018.  REUTERS/Kevin Lamarque - RC188258ED00
Editor's note:

في غضون دقائق في هلسنكي، وأمام العالم بأجمعه، ربح الكرملين الرواية وخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس ترامب متباهياً بالانتصار. نُشرت هذه المقالة لألينا بولياكوفا قد أساساً في صحيفة الواشنطن بوست.

لقد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميّاً بأربعة رؤساء أمريكيين، إلّا أنّه حصل أخيراً يوم الإثنين على القمّة التي لطالما أرادها. بالإضافة إلى أنّه لم يكن عليه قول الكثير، بل ترك الرئيس ترامب يتولّى هذه المهمّة عنه في ما يتعلّق بمسائل رئيسيّة كأوكرانيا وشبه جزيرة القرم وسوريا والتدخّل في الانتخابات. وفي غضون دقائق في هلسنكي، وأمام العالم بأجمعه، ربح الكرملين الرواية وخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس ترامب متباهياً بالانتصار. وقد برز الرئيس الروسي على قدم المساواة مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، إذ لم يتحدَّ ترامب بوتين قطّ. وألقى الرئيس الأمريكي اللّوم على كليْ الطرفين في ما يتعلّق بتراجع العلاقات بينهما قائلاً إنّ “الولايات المتّحدة الأمريكيّة تصرّفت بحماقة. وأعتقد أنّنا تصرّفنا كلنا كذلك… علينا أن نلوم أنفسنا”.

وفي خلال الفترة التمهيديّة للقمّة، بدا أنّ ترامب يفتح الباب لاعتراف الولايات المتّحدة الأمريكيّة بالضمّ القانوني لشبه جزيرة القرم (لقد سبق وأورد مستشار الأمن القومي التابع له هذا الموضوع، لكنّ ترامب لم يؤكّد عليه قطّ). أمّا في المؤتمر الصحفي الذي انعقد يوم الإثنين، فكان بوتين الوحيد الذي ذكر أوكرانيا ضمن ملاحظاته الاستهلاليّة، ملقياً اللّوم على كييف لعدم تنفيذ اتّفاق مينسك المتعلّق بوقف إطلاق النار وداعياً الولايات المتّحدة الأمريكيّة لممارسة ضغوط إضافيّة على أوكرانيا كي تنفّذ هذا الاتّفاق. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ترامب لم يتعارض مع خطّ الكرملين الذي يلقي اللّوم على أوكرانيا في الحرب المستمرّة على حدودها، غير أنّ السفير الأمريكي والمبعوث الخاصّ لإدارة ترامب إلى أوكرانيا كورت فولكر كان يقاوم الرواية الروسية هذه لأكثر من سنة. فمنذ بضعة أيّام فحسب، أعاد فولكر التأكيد على أنّ الصراع في شرق أوكرانيا إنّما هو النتيجة المباشرة للغزو الروسي والاحتلال المستمرّ لمنطقة دونباس. بيد أنّ بوتين هو من تطرّق إلى مسألة شبه جزيرة القرم وليس ترامب، فقد قال بوتين إنّ وجهة نظر ترامب حيال مسألة شبه جزيرة القرم معروفة: هو يعتبر أنّ ضمّها غير قانوني، فيما تعارضه روسيا الرأي وتعتبرها مسألة منتهية. فقد قال بوتين لترامب ما لم يستطع ترامب أن يقوله لنفسه.

وفي ما يتعلّق بسوريا، برزت تكهّنات كثيرة تشير إلى تحضير بوتين لعرض صفقة على ترامب. ففي الأسبوع الذي سبق اجتماع هلسنكي، استقبل بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي ومستشاري المرشد الأعلى الإيراني تحضيراً لتقديم مساعدة روسيّة، كما هو ظاهرٌ، لإبعاد الميليشيات المدعومة من إيران عن الحدود الإسرائيليّة. لكنّه لا يبدو أنّ هذه الصفقة قد تحقّقت في القمّة (على الرّغم من إمكانيّة تحقيقها في المستقبل). وحتّى هنا، سمح ترامب لبوتين بالتحدّث نيابةً عن كافّة الأطراف.

وفي حين لم يقدّم ترامب أيّ تفاصيل عن إحتمال عقد صفقة منوطة بسوريا لدى إجابته على أسئلة الصحفيّين، وإنْ كان ذلك لمجرّد الإشارة إلى أهميّة الأمن الإسرائيلي وضرورة قيامهم بـ”شيء لمساعدة الشعب السوري”، تولّى بوتين زمام الأمور لعرض وجهة نظره: ستسعى روسيا للعمل مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة وفرنسا وتركيّا وإيران بهدف تأمين حماية اللاجئين على نحو أفضل والعمل من أجل وضع حدّ للأزمة الإنسانيّة في سوريا. بتعبيرٍ آخر، روسيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تقرّب ما بين هذه الدّول المختلفة للعمل من أجل إيجاد حلّ إنسانيّ. وهنا، عاش بوتين لحظته الأجمل للاستمتاع بمدى تقدّمه: من ضابط استخبارات متوسّط الرتبة في الاستخبارات السوفييتيّة إلى رجل دولة عالميّ، يطفو فوق سياسة ضيّقة الأفق لحلّ أزمات جيوسياسيّة. ناهيك عن رغبة روسيا القليلة في تنفيذ هكذا اتفاق وحتى نيّتها الأقلّ للقيام بذلك― كما تعلّمت إدارة أوباما أيضاً عندما حاولت أن تتفاوض مع روسيا حول صفقة منوطة بسوريا. وعلى حدّ تعبير الكاتب بيتر بوميرانتسيف: “لا شيء صحيح وكلّ شيء ممكن”.

مما لا شكّ فيه أنّ كان لترامب عدّة فرص لمعارضة الرئيس الروسي، إلّا أنّه اختار عدم انتهازها. فعِوضاً عن ذلك، أكّد الرئيس على الرواية الروسية المضلّلة التي تلقي اللّوم على الولايات المتّحدة الأمريكيّة في وصول العلاقات إلى أدنى مستوى. وإنْ كسب ترامب أيّ شيء في القمّة، فلا نعرف ما هو (عدا عن كرة قدم جديدة لامعة). أمّا بوتين، فقد حصل على ما يريده بالضبط.