Commentary

الأزمة السورية والسلطة الأخلاقية المتآكلة للدول الأوروبية

أكثر من نصف سكان سوريا أُجبِروا على مغادرة منازلهم وتمّ تهجيرهم داخل الأراضي السورية التي تلتهمها الحرب المستعرة أو إلى الخارج. وحسب ما بات معروفاً على نطاقٍ واسع، حاولت أوروبا التي قضت عقوداً تحاضر عن حقوق اللاجئين في دول الشرق الأوسط التنصل من مسؤوليتها في مساعدة أولئك اللاجئين حتى عند وصولهم إلى أراضيها منهكين وجائعين وخائفين.

ولكن بفضل ضغط وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة والمشاهير ووكالات الإغاثة، بدأ هذا الوضع يتغير. اقترحت المفوضية الأوروبية استقبال 120 ألف لاجئ سوري خلال السنتين المقبلتين، على أن يدخل معظمهم إلى دول كألمانيا والسويد والمملكة المتحدة. ولكن في الحقيقة، قد يتعين على أوروبا أن تستقبل، ومن دون تذمر، عدداً أكبر من ذلك بكثير في الأشهر والسنوات المقبلة.

سيكون من الضروري بالنسبة للاتحاد الأوروبي – ودول أخرى تستقبل اللاجئين كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا –  ألا يهتمّ بأعداد اللاجئين فحسب، بل أيضاً إلى احتياجاتهم وظروفهم على تنوّعها. في النهاية، يعاني الكثير ممن وصلوا إلى أوروبا العوز والهلع، ولكن أليست هي أيضاً حال مئات آلاف اللاجئين المرضى وكبار السن الموجودين في أماكن كالأردن ولبنان ممن لم يستطيعوا السفر ولم تظهر معاناتهم في فيديوهات يتناقلها المشاهير على موقع يوتيوب.

لا بدّ من وضع أحكام خاصة لمساعدة اللاجئين الذين يعانون أوضاعاً صحية مزمنة وأولئك الذين يحتاجون علاجاتٍ طبية هامة للوصول إلى أوروبا والحصول على المساعدة الضرورية. كذلك، لا بدّ أن تتدخّل الأمم المتحدة، بالتعاون مع الدول التي تستقبل اللاجئين، من أجل ضمان أنّ يُسمح للأسر اللاجئة التي تعيلها نساء والمؤلّفة من العديد من الأطفال– والتي قد تكون عاجزة عن السفر إلى أوروبا – أن تدخل إلى الدول المضيفة الأكثر ازدهاراً.  

أيام عصيبة في الدول المجاورة

بالطبع، لا يجب أن يصرف كل هذا الاهتمام الذي يحظى به اللاجئون في أوروبا النظر عن حقيقة أساسية، ألا وهي أن اللاجئين السوريين لم يقصدوا جميعهم هنغاريا أو ألمانيا، إنما بقي الكثير منهم في دول مجاورة لسوريا. يشعر العديد من العاملين في مجال الإغاثة واللاجئين بالقلق من أن يسلب التركيز الذي حظيت به أوروبا مؤخّراً الاهتمام والموارد من دولٍ وصل مجموع اللاجئين السوريين فيها إلى أكثر من 4 ملايين شخص كتركيا ولبنان والأردن.

إن حصل ذلك، فهو لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل المتزايدة لجمع الأموال لتلبية حاجات اللاجئين. لم تحصل الأمم المتحدة إلا على 37 بالمئة من الأموال الضرورية لدعم اللاجئين السوريين في العام 2015. ولهذا آثارٌ حقيقة وملموسة. فعلى سبيل المثال، انخفضت القسيمة الغذائية التي يخصصها برنامج الغذاء العالمي شهرياً لكلّ لاجئ سوري في لبنان من 30 دولار إلى 13,5 دولار فقط، رغم أن كلّ لاجئ يحتاج تقريباً إلى 50 دولاراً لشراء طعام يكفيه كلّ شهر. كما وأنّ تخفيض المساعدات قد أصبح واضحاً في الأردن وفي المنطقة كلها.

يعني هذا النقص في المساعدات أن الجوع سيُنهك الأسر، وسيُجبر الأطفال على ترك مدارسهم وقبول أعمال وضيعة، وسيقود الفتيات نحو “الزواج المبكر”، هذا وسينخفض الإنفاق على الصحة والتربية. وسيتجه المزيد من اللاجئين السوريين إلى أوروبا بسبب المساعدات غير الكافية التي يحصلون عليها في تركيا ولبنان والأردن وأماكن أخرى.

من غير المقبول أن تصبح مساعدة اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط – ودعم المجتمعات والحكومات المضيفة في تركيا والأردن ولبنان خصوصاً – مسألة ثانوية. بالتالي، لا بدّ أن تبذل الدول المانحة حول العالم المزيد من الجهد لتأمين الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والملجأ لللاجئين في هذه الدول وأيضاً للسوريين الذين بقوا في سوريا.

تحمّل جزء من المسؤولية التي يقع على عاتقها

هنا، يمكن لدول الخليج الغنية بالنفط أن تؤدي دوراً هاماً. في حين أن الدول القادرة كافةً، بما في ذلك إسرائيل، ملتزمة أخلاقياً بدعم اللاجئين والمتضررين من الكوارث العالمية، ليس من الضروري أن تساهم كلها بالطريقة عينها. فقد اختارت دول الخليج تأمين مساعدات إنسانية واسعة النطاق بدلاً من استقبال اللاجئين. لا يعكس ذلك وقائع سياسية وأمنية في المنطقة فحسب (كما ذكرت أدناه)؛ إنما يمثّل واقعاً بأنّ اللاجئين السوريين لم يكونوا مهتمين كثيراً بالتوجه جنوباً نحو شبه الجزيرة العربية.

لا ترغب دولٌ، كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، باستقبال أكثر من عددٍ محدد من اللاجئين غير أولئك الذين كانت قد سمحت لهم بدخول أراضيها كجزءٍ من دعمها للمعارضة السورية. إن عدد سكان هذه الدول الصغير يُشعرهم بعدم الراحة إزاء استقبال أعداد كبيرة من لاجئين لا شكّ أن إقامتهم ستطول على أراضيها، خصوصاً بالنظر إلى مستويات البطالة العالية جداً التي تعانيها (29 بالمئة في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال) وانخراطها المباشر في الصراع. إن معاقبة هذه الدول بسبب هذا الواقع السياسي الأساسي لا تنفع. بدلا من ذلك، يتعين على المجتمع الدولي ووسائل الإعلام أن تحثّ دول الخليج العربي للاستمرار في تقديم الدعم لللاجئين السوريين في أماكن أخرى من المنطقة.

منذ العام 2012، أفادت الأمم المتحدة أن دولة الكويت الصغيرة قد قدّمت حوالي مليار دولار من المساعدات الإنسانية لسوريا وللدول المضيفة الرئيسية. هذا وقد ساهمت دول أخرى؛ فقدمت المملكة العربية السعودية 586 مليون دولار، والإمارات العربية المتحدة 405 مليون دولار، وأرسلت دولة قطر 236 مليون دولار. تٌعد هذه المبالغ ضخمة جداً بالنسبة لحجم السكان في هذه الدول ولاقتصاد كلّ منها. من المهم أن تستمر هذه الدول في تقديم المساعدة وأن تزيدها إن أمكن.

معالجة المشكلة من مصدرها

أخيراً، من الضروري أن تبذل دول المنطقة والدول الأوروبية وفي أماكن أخرى المزيد من الجهود لإنهاء الحرب في سوريا، وبالتالي وضع حد لتدفق اللاجئين. إن المساعدات، أياً كان حجمها، لا تنهي الحروب. إنّ الدبلوماسيون وحدهم، مدعومين بتهديدات استخدام القوة العسكرية، هم القادرون على إنهاء الحرب.

إلا أن جهود الوساطة التي ترأستها الأمم المتحدة كانت باهتة ومفتتة. إذا تستمر روسيا وإيران في دعم حكومة بشار الأسد في حين أنّ معظم الدول الغربية تدعم المتمردين المناهضين لنظام الأسد، علماً بأنّ هذا الدعم لا يساوي الكثير عندما توضع الأمور في منظورها الصحيح. بالتالي، ليست هذه إلى صورة للأزمة ولاستمرار تدفق اللاجئين، خصوصاً في ظلّ توجه الاهتمام الدولي الأساسي حالياً إلى ما يُسمى بالدولة الإسلامية.

رغم هذه التحديات، إن الحلّ الحقيقي والوحيد لأزمة اللاجئين السوريين في أوروبا والمنطقة تستلزم تسوية سياسية فوضوية وغير شعبية تتطلّب مراقبة دقيقة. على المدى البعيد، من شأن نشر قوات حفظ السلام للمساعدة على خلق مناطق آمنة داخل سوريا، وتطبيق اتفاقية سلام، وتأمين مبالغ كبيرة للمساعدات لإعادة بناء الأجزاء المستقرة نسبياً في سوريا، أن يوفّر على أوروبا مبالغ ضخمة ويساعدها على استرجاع سلطتها الأخلاقية المتآكلة.