Commentary

الأزمة الاقتصادية العالمية: هل هي عامل للتغيير في المملكة العربية السعودية؟

كلمة المحرر: يواصل خبراء من مبادرة شباب الشرق الأوسط مراقبة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على أسواق المنطقة. ويناقش نافيج ديلون وحسن حكيميان، كبير المحاضرين السابقين في علوم الاقتصاد في كلية كاس لإدارة الأعمال، المشهد الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، وهي بلد لا يزال يتمتع حتى الآن بفوائد عائدات النفط، بما فيها المستويات المتدنية من الديون العامة ومشروعات التطوير الطموحة التي تقودها الدولة. ويأتي ذلك بوصفة متابعة لسلسلتنا السابقة:

“الغذاء، والوقود، والتمويل: كيف سيواجه الشرق الأوسط الأزمة الاقتصادية العالمية؟”

نافتيج ديلون: كيف ترى أن الهبوط في أسعار النفط وانكماش نمو إجمالي الناتج المحلي سيؤثر على الاقتصاد الحقيقي للمملكة العربية السعودية؟ وبمقارنتها بالدول الأخرى المصدرة للنفط، هل لدى المملكة أدوات لتخفيف الأزمة الاقتصادية الحالية؟

حسن حكيميان: إن تأثير الركود الحالي على المملكة العربية السعودية – كما هو الحال في أي مكان آخر – سيعتمد في النهاية على المدة الزمنية التي سيستمر هذا التباطؤ في الوجود. وكما هو الحال في دول النفط الأخرى بمنطقة الخليج، يبدأ هذا التباطؤ في المملكة وهي تحتل مركزًا قويًا بفرض أنه يحدث على خلفية العديد من السنوات التي كانت أسعر النفط خلالها مرتفعة، الأمر الذي جعل الخزانة العامة في المملكة في حالة طيبة بعد سنوات من العجز المزمن (انخفض الدين العام إلى أقل من 12% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كان 100% منذ بضع سنوات).

وبهذا القول، لا شك أن التأثير المباشر كبير للغاية – خاصة على القطاع الخاص الذي يتلقى الصدمة الأشد بسبب ممارسات البنوك المحافظة وتراجع أسواق الائتمان. وقد يبدو ذلك أمرًا مثيرًا للدهشة او للجدل، ولكن تواجد الحكومة في الاقتصاد قد يمثل مباركة للتخفي في ظل الظروف الحالية لأنه يمكن تبني الحوافز المالية والأنواع المتعددة من الإجراءات الكينزية المستخدمة لإنعاش الاقتصاديات الغربية في ظل آثار الركود، وذلك بطريقة أكثر سهولة نسبيًا هنا: إن الحكومة تتمتع بمركز مالي قوي (استفادت من الفوائض المالية منذ عام 2002) والإرادة السياسية لتفادي أسوأ آثار الركود متاحة أيضًا من خلال الكثير من الإجراءات.

ووفقًا لأخر تقديرات صندوق النقد الدولي (IMF)، من المتوقع حاليًا للمملكة العربية السعودية أن تسجل عجزًا ماليًا يصل إلى 3.1% من إجمالي الناتج المحلي، وهو عجز أقل بشكل ملحوظ من فوائض إجمالي الناتج المحلي التي بلغت 22.8% في عام 2008. وبالمثل، من المتوقع تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 0.8% في عام 2009 (أقل من 5.5 في عام 2008). ويتمثل الأثر الأساسي للأزمة العالمية في انخفاض أسعار النفط وعوائده، وهو ما يتوقع أن يقلل عوائد صادرات النفط بمعدل 50 بالمائة في عام 2009. ومن المحتمل أن يفسر ذلك نفسه في شكل هبوط في ميزانيات الحكومة بنسبة 36% تقريبًا خلال عام 2009.

ورغم ذلك، فآثار الأزمة المالية أخف في المملكة العربية السعودية مقارنةً بالدول الأخرى، لأن الإنفاق الحكومي لم يكن قويًا فحسب ولكنه ازداد في الواقع في ميزانية عام 2009. وحسبما يشير وزير المالية [إبراهيم عبد العزيز العساف]، رغم الآثار المجتمعة لانهيار أسعار النفط والزيادة المتوقعة في الإنفاق المحدد بالميزانية لعام 2009، وهو ما نتج عنه عجز متوقع في الميزانية يبلغ 65 مليار ريال سعودي (17.3 مليار دولار)، فإن الاحتياطيات المالية الضخمة بالمملكة ستكون “خط الدفاع الأول” لسد أي عجز لهذا العام والعام القادم، وهكذا يتم تفادي الحاجة إلى اللجوء إلى الاقتراض من الخارج.

ديلون: إن قطاعات المقاولات والتصنيع في منطقة الخليج يسيطر عليها بشكل عام أشخاص من غير أبناء البلد. فإلى أي مدى سيؤثر التباطؤ الاقتصادي على هجرة القوة العاملة بالمملكة العربية السعودية، وماذا سيعني ذلك بالنسبة للقوة العاملة المحلية؟

حكيميان: سوف نشعر بالتباطؤ في الأساس في القطاع الخاص وفيما يتعلق بالعديد من مشروعات الإنشاء والمقاولات قيد التنفيذ. ويُحتمل هنا أن يكمن التأثير الملموس الأكبر الناتج عن التباطؤ الاقتصادي. إن وجود عدد ضخم من السكان المغتربين – رغم أن ذلك لا يتناسب مع دول الخليج الصغرى الأخرى، التي تصل فيها نسبة المغتربين إلى المواطنين إلى 90 : 10 – يوفر للمملكة العربية السعودية الخط الأول من الدفاع ضد تقلبات دورة الأعمال. ولذلك، فإن أعداد العمال المهاجرين الضخمة (خاصة في قطاع الإنشاء والمقاولات) تبدو معرضة لخطر التسريح من العمل في الشهور القادمة. وقد دقت هذه العملية ناقوس الخطر في دبي، مع ارتفاع حالات التسريح من القطاع الخاص التي تم الإبلاغ عنها مؤخرًا، وقد اتخذت الحكومة خطوات غير عادية لاعتبار تسريح مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل كيانات القطاع الخاص أمرًا خارجًا على القانون. وفي المملكة العربية السعودية، تصل أعداد المغتربين إلى حد ضخم يربو على 6 ملايين نسمة (نحو ثلث سكان البلاد) وبالرغم من أنهم دائمًا لا يتنافسون بشكل مباشر على الوظائف مع الشباب من مواطني المملكة ممن تبلغ نسبة العاطلين بينهم ذروتها، فإن التباطؤ الاقتصادي الحالي قد يوفر للحكومة طريقة أسرع (نظريًا على الأقل) لتحقيق بعض الأهداف الأكثر طموحًا التي وضعتها لنفسها بغية إضفاء “الصبغة السعودية” على القوة العاملة المحلية في السنوات القادمة.

ديلون: كيف يمكن للحكومة أن تؤثر في الأزمة الاقتصادية باعتبارها قوة دافعة للإصلاح الداخلي؟

حكيميان: من المحتمل وجود نقطة مضيئة أخرى في المملكة العربية السعودية – في خضم سيل الأخبار المتشائمة من كافة أنحاء العالم – وهي أن النظام المالكي المتهالك اتخذ خطوةً غير عادية بشأن إدخال تعديل على مجلس الوزراء. فمن النادر أن حدث تعديل وزاري في المملكة العربية السعودية، ولكن هذه المرة، من خلال قانون مزدوج، وضع الملك عبد الله زمام السلطة في أنظمة القضاء والتعليم السعودية في أيدي إصلاحيين بعيدين عن النزعة المحافظة للمؤسسة الدينية. وعلاوة على ذلك، عين الملك أول امرأة في منصب رفيع المستوى بالحكومة (تقلدت منصب نائب وزير التعليم لتعليم الفتيات، الذي كان يخضع حتى فترة قريبة لإشراف الهيئات الدينية وليس وزارة التعليم).

وبطبيعة الحال، أثارت المملكة الكثير من الاهتمام الخارجي لأسباب تتعلق بأهمية النفط بوصفه السلعة العالمية الأساسية وبمركز المملكة في الجغرافيا السياسية لأمن منطقة الخليج. وقد تكون الديناميات الداخلية للتغيير هذه المرة على نفس درجة الأهمية في مواجهة الركود الحالي وبنفس أهمية التغيرات السياسية والاقتصادية وفي بلد يتميز بتركيبة سكانية كبيرة من الشباب – الأشخاص من الفئة العمرية الأقل من 30 سنة يشكلون ما يزيد على 60 بالمائة من السكان—فإن الحاجة إلى التغيير لم تكن بنفس القوة على مدة فترة طويلة، ويتنبأ الموقف الحالي بجمع نادر بين كلا التحديين منذ فترة طويلة وفرصة فريدة لمواجهتهما.