تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية في موقع الجزيرة باللغة الإنجليزية.
يتزايد الاستياء في إيران حيال جهود الحرب في سوريا ويزداد التعبير عنه علناً.
فيما شكّلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية داعماً كبيراً لنظام بشّار الأسد في سوريا، صُرف النظر عن المواقف العامّة داخل البلاد.
ومع أنّ طهران حاولت أن تحافظ على تحكّمها الكامل بالمعلومات المتعلّقة بالحرب في سوريا والروايات عن تدخّلها العسكري، لم تتكلّل كلّ مساعيها بالنجاح. فلم تكفِ خطابات “الحرب على الإرهاب” و”محور المقاومة” لتليين الشعب الإيراني ومطالبه بالمساءلة.
وعلى الرغم من تعتيم الإعلام الحكومي الإيراني على مسائل تتعلّق بالحرب السورية، ساهم ميل الإيرانيين إلى مراجعة عدد كبير من المصادر الإعلامية الخارجية الناطقة باللغة الفارسية في إبقائهم على اطّلاع كبير على الوضع.
وقد قوّضت التوعية المجتمعية المتزايدة بشأن تدخّل طهران العسكري في سوريا استئثارَ النظام بتأويل الأحداث، واضطرّ المسؤولون الإيرانيون أكثر فأكثر إلى مواجهة أسئلة من الشعب حول أبعاد التدخّل الاقتصادية والأخلاقية.
فقد أظهرت الاحتجاجات واللقاءات العامّة الأخيرة استياء الإيرانيين المتزايد من تدخّل بلادهم في سوريا. إذ تُفاقم الحربُ الشكاوى الاجتماعيةَ الاقتصادية والسياسية التي هي أصلاً في حالة تزايد في البلاد.
المسؤولون الإيرانيون يتحدّثون إلى العلن
كان الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق ومرشد الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، أوّلَ مسؤول رفيع المستوى يتحدّث علناً ضدّ التدخّل في سوريا.
ففي أغسطس 2013 (بعد مرور أيّام على الهجوم الكيميائي على الغوطة)، قال رفسنجاني في خطاب اعتُبر الأوّل الذي يَعترف فيه علناً مسؤولٌ إيراني باستخدام الأسد لأسلحة كيميائية: “السجون مكتظّة وليس من أماكن إضافية شاغرة. لذلك، استولوا على بعض الملاعب لملئها أيضاً. يمرّ السوريون بظروف قاسية. فمن جهة، تقصفهم حكومتهم بموادّ كيميائية، ومن جهة أخرى، يمكنهم أن يتوقعوا سقوط قذائف أمريكية”.
ولم يكن المتشدّدون وحدهم مَن انتقد رفسنجاني على كلامه، بل إدارة روحاني أيضاً.
وفي أبريل 2017، انتقد أيضاً غلام حسين كرباشي، رئيس بلدية طهران الأسبق (بين العامَين 1990 و1998) وأحد قادة حزب كوادر البناء الذي أسّسه رفسنجاني في العام 1996، تدخُّل إيران في سوريا. فقال في خطاب ألقاه في مدينة أصفهان في خلال الحملة الانتخابية الداعمة لترشيح روحاني لولاية ثانية: “نعم، أنا أيضاً أتمنّى أن يحلّ السلام وتتمّ حماية المقموعين ويتقوّى المسلمون الشيعة في سوريا ولبنان واليمن وكلّ هذه الأماكن. لكن هل من الممكن تحقيق كلّ هذه الأهداف من خلال دفعات نقدية وتقديم أسلحة وعمليات القتل والضرب فحسب؟”
وأشار كرباشي إلى أنه ينبغي على إيران أن تلجأ إلى حلّ دبلوماسي لا عسكري. وقد رحّب المستمعون بتعليقاته وسط تصفيق حارّ.
ولم يُثر خطابه غضب الإعلام التابع لحرس الثورة الإسلامية فحسب، بل إعلام الحكومة أيضاً. فبعد يومَين، ردّ ناطق رسمي باسم إدارة روحاني على نقد كرباشي قائلاً: “عندما نتعامل مع إرهاب أعمى وتجاهل لحياة الناس، أعتقد أنّ القوّة هي اللغة التي يجب استخدامها للردّ على أعمالهم الجبانة”.
وبعد أيّام قليلة، رفع قسم العدل في محافظة أصفهان دعوى ضدّ كرباشي، بحجّة أنّ خطابه “شهادةٌ جنائية” و”إهانةٌ للشهداء المدافعين عن الأماكن المقدّسة”.
“دعوا سوريا وشأنها!”
بعد خطاب كرباشي، كتبت صحيفة كيهان: “تشبه تعليقات كرباشي تمرّد العام 2009 (المصطلح الذي يطلقه المتشددون على التحرّك الأخضر)، عندما تمّت مساءلة سياسة إيران الخارجية بشكل سافِر خلف غطاء الانتخابات الرئاسية والشعار الفاسد “لا غزّة ولا لبنان، أفدي بحياتي لإيران!”
وقد كان هذا الشعار تحديداً الشعارَ الذي رُفع في خلال التمرّد الذي اجتاح البلاد في ديسمبر-يناير. وقد كان في الواقع من بين عدد من الشعارات المنادى بها في الشوارع الإيرانية التي عبّرت صراحةً عن الاستياء الشعبي من سياسات إيران الإقليمية. أمّا الشعار الشعبي الآخر فكان: “دعوا سوريا وشأنها، وفكّروا فينا!”
وقد ربط الكثيرُ من الإيرانيين شكاواهم المحلّية الخاصة ربطاً مباشراً بالحرب في سوريا، معتقدين أنّ الأموال المنفَقة على الصراع (والمقدَّرة بما يتراوح بين 6 مليارات و20 ملياراً سنوياً) يجب أن تُنفَق على حاجات الشعب في الوطن.
وقد تمّ التعبير أيضاً عن هذه الآراء في حرم الجامعات على الرغم من قمع الطلّاب المستمرّ.
ففي ديسمبر 2016، في خلال فعالية يوم الطالب المنظَّمة في جامعة أمير كبير للتكنولوجيا في طهران بحضور النائب الإيراني المحافظ علي مطهري، اعتلى طالبٌ ناشط المنصّةَ وتحدّى لحظات مهمّة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، بما فيه تدخّلها في سوريا. فقال وسط التصفيق:
“أخشى اليوم الذي سيحاكمنا فيه التاريخ على سبب بقائنا صامتين إزاء الإبادة الفظيعة التي تحدث في سوريا وأنا على يقين أنّ التاريخ سيحاكمنا… يا سيّد مطهري، مع كلّ ما يجري في سوريا، هل نقف فعلياً واجهةً للبِرّ؟ لقد قُتل 500 ألف شخص. نأتي على ذكر هذه الأرقام بسهولة لكنّ أجيالاً في سوريا قد أبيدت. وتحوّلت سوريا إلى دمار. أين نقف نحن في هذه اللعبة؟… لا شكّ في أنّنا مذنبون أمام دموع الأطفال السوريين”.
وفي أبريل 2017، في خلال فعالية منظَّمة في جامعة تبريز بحضور المنظّر في حرس الثورة الإسلامية حسن عبّاسي، تحدّاه طالبٌ على المنصّة، وقال وسط الهتافات والتصفيق:
“يا حسن عبّاسي، أيديولوجيّتك هي أيديولوجية الإرهاب والخوف وإرسال الأسلحة إلى الدكتاتور المتعطّش للدّم بشّار الأسد ودعمه. أيديولوجيّتك تقضي بالتلاعب بمعتقدات الشعب الوطنية والدينية وبالمدافعة عن أضرحة وهميّة في حمص وإدلب. أيّ أضرحة؟ … أيديولوجيّتك تحيل موازنة إيران إلى الحساب المصرفي لحزب الله في لبنان. وبإقرار حسن نصر الله بذاته، يحصل الحزب على أسلحته وإعالته اليومية وطعامه وحتّى ملابسه الداخلية من موازنة الشعب الإيراني. كلمتي الأخيرة هي أنّنا لن نسامح خيانتك وجرائمك ولن ننساها أبداً”.
ويبدو أنّ بعض الارتباك بشأن الحرب في سوريا انتشر أيضاً في صفوف بعض المجنّدين الإيرانيين. ففيما تطوّع الكثيرون في السنوات الأولى من الصراع للذهاب إلى سوريا والعراق، بات الحماس أخفّ اليوم. فقد أخبر مجنّد عسكري صحيفةً أسبوعية ألمانية العام الماضي:
“أرى ماذا يحدث في حلب وحمص وإدلب وأفكّر في نفسي: لِمَ كلّ هذا؟ أعلم أنّ هذه الحرب ظالمة وأنّنا نحن الإيرانيين متورّطون للغاية… لا شكّ في أنّهم سيرسلونني إلى الخارج. لا أريد حقّاً أن أقتل أطفالاً في سوريا لكن أعتقد أنّه عليّ أن أقوم بذلك… لا مشكلة لديّ مع عقيدة الشهداء الإيرانيين، لكن إن لم أكن أعرف سبب موتي وقتلي للناس الآخرين، أجد صعوبة في التحمّس لتنفيذ واجبي”.
لقد وضعت حملة إيران في سوريا حدّاً لأسطورة تدخّل الجمهورية الإسلامية في الصراع بغية الدفاع عن النفس لا أكثر. فيبدو أنّ الكثيرين من الشعب الإيراني يفهمون أنّ نظام الأسد، الذي تدافع عنه إيران، وداعش يغذّيان الواحد وحشيّة الآخر.
والآن مع إعلان النصر على داعش وبقاء الجيش الإيراني منتشراً في سوريا، سيُطرح المزيد من الأسئلة. ولن يعد خطاب “الحرب على الإرهاب” مقنعاً بالقدر الذي كان عليه منذ بضع سنوات.
وتَظهر بشكل متزايد التكاليف البشرية والاقتصادية الناجمة عن تدخّل طهران في سوريا. لذلك، ستضطرّ نخبة إيران إلى التحرّك بحذر على ضوء الوعي المتزايد حول سوريا والاحتجاجات السياسية والاقتصادية الاجتماعية المستمرّة.
في خلال التمرّد الأخير، عُلّقت لوحات تُظهر مشاهد مروّعة من حلب، محذّرةً الإيرانيين من الانضمام إلى الاحتجاجات التي قد “تحوّل” بلادهم إلى سوريا أخرى. ومع بروز صورة الجمهورية الإسلامية كمخلّص نبيل لسوريا المتداعية، لن يكفي هذا النوع من أساليب التخويف لإسكات الشكاوى العامّة حول المسائل المحلّية والإقليمية على حدّ سواء.
Commentary
Op-edالإيرانيون يردّون على النظام: “دعوا سوريا وشأنها!”
الأربعاء، 02 مايو 2018