لقد سافرت بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال معظم سنين حياتي. وخلال العام الدراسي، كان جيراني وأصدقائي من المسيحيين الملتزمين في ولاية تكساس. وكنت أقضي العطلات الصيفية مع عائلتي الممتدة وأصدقائي الذين كانوا من المسلمين المتدينين على حد سواء في مصر.
وكان كلٌ من المجتمعين يعتقد أنّ المجتمع الآخر يقمع نساءه. كلاهما وصل إلى هذه الاستنتاجات بالاستناد إلى مدى تغطية جسد المرأة أو كشفه.
غالباً ما كان يمتعض أصدقائي المسيحيون كيف أنّ النساء المسلمات مجبرات على ارتداء الحجاب والعباءات الطويلة التي كانوا يفترضون أنها فُرضت عليهن من قبل الرجال. إنّ الحجاب، بمختلف أشكاله، أيد نقد المستشرقين بأن منطقة الشرق الأوسط قد فشلت في مواكبة العصر مع بقية العالم.
وفي الوقت نفسه، كان أصدقائي المسلمون يشفقون على النساء الأمريكيات لكشفهن الكثير من أجسادهم بسبب الحاجة المفترضة لإرضاء رغبات الرجال الجنسية في مجتمعٍ ذكوري. وليس البيكيني والتنانير القصيرة إلا دليلاً آخر على أن المرأة تخضع لمذهب المتعة والمادية في المجتمع الغربي.
وبالتالي، فإن النقاش القائم حالياً حول البوركيني هو مجرد تكرار أخير للتركيز العالمي على أجساد النساء في المناقشات العامة بدلاً عن التركيز على الأخلاق والحداثة والحرية – مع معنى جديد: أصبحت أجساد النساء الآن في قلب المخاوف الأمنية الوطنية.
وقبل أسابيع من حظر البوركيني في خمسة عشر مدينة فرنسية، دهس مواطنٌ فرنسي خمسة وثمانين شخصاً كان يقود شاحنة بين الحشود في مدينة نيس. وبطبيعة الحال، نتج عن هذه المأساة مناقشات حول كيفية تحسين الوضع الأمني في فرنسا.
إلا أنّ هويّة الجاني المسلمة أطلقت العنان لعقاب جماعي بحق كافة المسلمين في فرنسا، مع التركيز بشكلٍ خاص على النساء.
مما لا شك فيه أنّ الجدل الفرنسي حول حجاب النساء المسلمات قد تجاوز المطالبات المزعومة لحماية العلمانية. فقد أصبح لباس المرأة الآن متعلّقاً بشعور المواطنين بالأمان من الإرهاب. ولذلك، إن مجرد رؤية امرأة ترتدي البوركيني في فرنسا كفيل في زرع الخوف والقلق في قلوب المواطنين الفرنسيين (غير المسلمين).
تغلّبت هذه المخاوف غير المنطقية على التزام فرنسا باحترام الحرية الفردية، مع حرمان المرأة المسلمة من حقها في اختيار لباسها على شاطئ عام. فعوضاً عن اعتبارها مواطنة فرنسية تتمتع بحقوق وحريات، أصبحت تُعتبر ممثلة عن مجموعة يُنظر إليها بازدراء بسبب انتمائها الديني حصراً.
إلا أن الجدل القائم حول البوركيني في فرنسا لا يختلف كثيراً عن الحروب الثقافية حول الإجهاض في أمريكا. كما أنه لا يختلف عن الرموز الثقافية لشرف العائلة في الدول ذات الأغلبية المسلمة.
في أمريكا، يحتلّ جسم المرأة صلب الجدالات الأخلاقية حول الحياة والموت والأخلاق. في حال حملت امرأة، فخيارها بالحفاظ على جنينها حتى ولادته من عدمه لا يُعتبر مسألة حرية خاصة. إنما هو محور جدال عام ساخن حول متى تبدأ الحياة ومتى تقع الجريمة.
وفي الوقت الذي تناقش فيه الدعاوى القضائية والحملات الإعلامية هذه المسائل، تحولت أجسام النساء في أمريكا إلى إناء سلبي. وقد بلغ الفصل الأخير من فصول هذه الحرب الثقافية أوجّه مؤخراً حين انتقدت المحكمة العليا الأمريكية قانوناً في تكساس تم بموجبه إغلاق 50 بالمئة من عيادات الإجهاض في الولاية.
كذلك، في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، تتحمل المرأة عبء المحافظة على شرف العائلة وسمعتها أمام المجتمع. إن أظهر لباسها أو سلوكها نقصاً أخلاقياً أو تحرراً جنسياً، فإن في ذلك وصمة عار لسمعة العائلة بأكملها. ولكن في المقابل، غالباً ما يُغض النظر عن أي انتهاكات للمبادئ الدينية يقوم بها أقرباؤها الذكور.
بالتالي، ما تضعه المرأة على رأسها وجهها وجسدها هو مدعاة قلق في مجتمع ذكوري. وفي الوقت الذي تفرض فيه معظم المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة هذه الأحكام من خلال ممارسات ثقافية، قد أدرجت المملكة العربية السعودية وإيران في قوانينهما نصوصاً حول لباس المرأة في الميادين العامة – تماماً كما نصت قوانين المدينة الفرنسية على حظر البوركيني.
تواجه النساء في المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء إجراءات قسرية متعددة – من خلال القانون أو التعاليم الدينية أو الضغوط الاجتماعية – لإدارة أجسادهن بطرق تسترضي المعايير الذكورية.
لا يهم إذا كان الجدل قائماً حول أعضاء المرأة التناسلية أو شعرها، فإنّ حظر البوركيني الأخير يشير إلى أنّ التركيز على جسد المرأة هو ظاهرة عابرة للقارات.
وبالتالي، إلى حين لا يعد جسد المرأة طابة في ملعب مناقشات السياسة العامة التي لا تحترم كثيراً الحرية الفردية للمرأة، سيظل التمييز بين الجنسين مشكلة عابرة للحدود.
Commentary
Op-edردود الفعل على البوركيني: أحدث أشكال الجدل حول التمييز بين الجنسين
September 6, 2016