صحيحٌ أنّ بالكاد ذُكر اليمن خلال زيارة الرئيس ترامب للمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، إلا أنّه ليس هناك أدنى شك في أنّه مركزيّ بالنسبة للتحالف الأمريكي-السعودي. وحذّر ترامب من التهديد الإيراني لليمن والمنطقة. وأشاد أيضاً بالتحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين. إلا أنّ وفاة الآلاف من اليمنيين الأبرياء لم تُذكر البتة خلال زيارة ترامب.
وما هي صفقات الأسلحة التي وقّعها ترامب والملك سلمان والبالغة قيمتها 110 مليارات دولار إلا مثال آخر على الأشواط المروّعة التي يقطعها البعض من أجل الاستفادة من صفقات حروب مربحة من دون الاعتراف بالخسائر بالأرواح والدمار الذي تسببه هذه الصفقات. وقد بدأت صفقات الأسلحة هذه في ظلّ إدارة أوباما التي أوقفتها لاحقاً بعد تقارير عن انتهاكات قام بها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. أما إدارة ترامب، فقد وقّعت على الصفقات في الرياض الأسبوع الماضي.
لقد فشل التحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يقاتل الحوثيين وحلفاء الرئيس السابق علي عبد الله صالح في اليمن منذ العام 2015 فشلاً ذريعاً في مهمته. ولا يزال الحوثيون يسيطرون على العديد من الأجزاء الاستراتيجية في البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. ومن شأن خطط التحالف لضرب ميناء الحديدة الاستراتيجي للغاية أن تؤدي إلى تفاقم الوضع السيئ أصلاً – علماً أنّ 70 بالمئة من الأغذية والمساعدات قد وُزّعت عبر هذا الميناء. وبعد الهجمات التي استهدفت الميناء في وقت سابق، عُرقل وصول هذه المساعدات إلى حد كبير، الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية التي اجتاحت البلاد. وعلاوة على ذلك، لا يبدو أنّ الحوثيين قد انزعجوا من الهجمات على الحديدة، حيث يحصلون على العديد من أسلحتهم.
وبالتالي، لم تعد حجة مكاسب السعودية العسكرية الاستراتيجية في اليمن لإجبار الحوثيين على الجلوس على طاولة الحوار قائمة. فقد قُتِل أكثر من 10 آلاف يمني، معظمهم من المدنيين الأبرياء، ويعاني الملايين سوء تغذية وجوع بعد أن اضطروا إلى النزوح. وتهدد المجاعة البلاد التي ضرب وباء الكوليرا مؤخّراً أعداداً كبيرة من سكانها.
هذا وأشاد ترامب بصفقات الأسلحة بأنها “استثمارات هائلة” من شأنها أن تخلق “فرص عمل، فرص عمل، وفرص عمل” للأميركيين. وأشار وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى أهمية الصفقات في مكافحة “التهديدات التي تطرحها إيران على الحدود السعودية من جميع الجوانب”. إلا أنّ شيئاً لم يُقل عن استمرار معاناة الملايين من ضحايا الحرب وصفقات الأسلحة.
وبحسب تقديرات اليونيسيف، يموت طفلٌ يمني بسبب المجاعة كل عشر دقائق. وهذا يعني أنّ ستة أطفال يمنيين ماتوا خلال خطاب ترامب والملك سلمان الذي استمر لمدة ساعة الأسبوع الماضي.
كما أن المملكة المتحدة كانت تستفيد من الحرب في اليمن منذ العام 2015 من خلال مبيعاتها من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية بقيمة 3,3 مليار جنيه إسترليني. وذلك على الرغم من النداءات المتكررة لوقف مبيعات الأسلحة، وبخاصةٍ نظراً للأدلة المتزايدة على انتهاكات القانون الإنساني الدولي من قبل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وبينما عانى اليمن منذ فترة طويلة من أزمة مائية وضغوط بيئية أخرى، فإن الحرب هناك لا تنبع من أزمة إنسانية لا طائل منها. وهي كارثة من صنع الإنسان، تغذيها الأعمال العسكرية والصناعية المربحة التي تتكون من صفقات أسلحة واسعة النطاق مثل تلك التي وقعت في الرياض الأسبوع الماضي.
إنّ ما يسمى بـ “حرب اليمن المنسية” هي في الواقع الحرب بالوكالة التي توفّر فرص عمل للأمريكيين والسعوديين والبريطانيين مقابل حياة أطفال اليمن.
في اجتماع أممي عُقد في بروكسل الشهر الماضي، قدّم المانحون 1,1 مليار دولار لمساعدة اليمن – وهو نصف ما تعتبره الأمم المتحدة ضرورياً لتجنب مجاعة في البلاد. وبالرغم من أنّ هذه المساعدات مهمّة، إلا أنّها حلٌّ موقّت، لا سيما وأنّ اليمن يشهد اليوم أكبر أزمة إنسانية منذ العام 1945، أزمة لا يعرف سبعة ملايين شخص في ظلّها من أين سيحصلون على وجبتهم التالية.
إنّ التوصّل إلى تسوية سياسية تضع حداً لدائرة العنف هو أمرٌ أساسي، لو أُريد لليمن أن يستعيد عافيته من جديد. والخطوة الأولى والأساسية هو أن تتوقّف المملكة المتحدة والولايات المتحدة عن بيع الأسلحة. أما الخطوة التالية التي لا بدّ من تطبيقها على فوراً، فهي رفع الحصار عن المرافئ، على غرار مرفأ الحديدة، للسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى البلاد. كذلك، لا بدّ من إعطاء أولوية كبرى لإعادة إحياء مفاوضات السلام بشكلٍ جدي على أن تضم هذه المفاوضات مختلف أطراف الصراع.
نظراً لمرونة الحوثيين وحلفائهم، ولإلمامهم العالي بالأراضي حيث يمكن أن تدور المعارك، من غير المرجح أن ينجح استمرار القصف الجوي. كما وإنّ استمرار القصف لإجبار الحوثيين على الخضوع يعني المزيد من التهجير، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، وآلاف الضحايا. وقد أظهر العامان المنصرمان التكلفة البشرية المحزنة الناجمة عن هذه الحملة الجوية العنيفة. وبالتالي، لقد حان الوقت لتحويل مليارات الدولارات التي تُصرف على هذه الحرب الفاشلة للتوصل إلى حلول تعطي الأولوية للمساعدة الإنسانية والمفاوضات السياسية لإنهاء العنف. إلا أنّه يتعين على القوى الخارجية، على غرار المملكة المتحدة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، متابعة المفاوضات بجدية في حال أرادت ضمان لها فرصة النجاح. مما لا شكّ فيه أنّ الحرب في اليمن لم تجعل المنطقة أكثر أماناً على الإطلاق. وبالتالي، تقديم المزيد من الأسلحة لهذه الحرب إنما سيزيد من عدم استقرار اليمن والمنطقة.
المذنبون في حرب اليمن كثرٌ، وكذلك الدوافع لهذا الصراع. أمورٌ عديدة أودت بحياة المدنيين الأبرياء ومنها توزيع الموارد، والمنافسات القبلية، وما يسمى بمبادرات مكافحة الإرهاب، والتناحر الجيوسياسي القائم على الهيمنة التي يسعى إليها كلّ من إيران والسعودية. في الواقع، يمكن تجنّب هذه الوفيات، وكذلك انتشار الكوليرا والمجاعة. إلا أنّ الاتفاقيات غير الأخلاقية لا تزال تُبرم لبيع السلاح بعدة مليارات من الدولارات، هذا من دون أن نأتي على ذكر أولئك المتأثرين مباشرة بنتائج هذه الاتفاقيات المميتة.
Commentary
جني ثمار الحرب في اليمن
الثلاثاء، 30 مايو 2017