إنّ المكاسب الأخيرة التي حققتها الحملة العسكرية بقيادة السعودية من أجل استعادة السيطرة على اليمن لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي قد فتحت فصلاً جديداً من الحرب الأهلية المدمّرة التي تجتاح اليمن. إلا أنّ اختيارات قادة الجانبين هي التي تحدد ما إذا كان توازن القوى الجديد سيؤدي إلى حل سياسي أو إلى تقسيم قاسٍ لهذا البلد الذي طالت معاناته. وبعد حوالي 100 يوم على بدئها، حققت عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية نجاحاً مهماً الأسبوع الماضي، مما دفع المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح للانسحاب من عدد من المواقع الرئيسية – أهمها، ميناء عدن.
وقد سمح هذا الانسحاب لرئيس الوزراء خالد بحاح بنقل مكتبه من الرياض إلى عدن، واضعاً الحكومة اليمنية على أرض الواقع بين أنصارها ولم يعد يحاول أن يحكم من المنفى. وكانت قوات التحالف التي تقودها السعودية قد بدأت بالهبوط في مطار عدن وكذلك توريد الأسلحة الثقيلة لقوات هادي لتعزيز قبضتها على المدينة.
في الوقت نفسه، انسحب الحوثيون والقوات الموالية لصالح من أماكن أخرى في الجنوب، فاقدين السيطرة على محافظتي لحج وأبين ومعظم شبوة. ونظراً لكون إب، المحافظة الجنوبية الرئيسية، تحت الحصار الآن، يمكن لتحالف الحوثي-صالح أن يفقد السيطرة على معظم مناطق اليمن الجنوبية في المستقبل غير البعيد جداً.
حتى لو تحقق هذا الأمر، ليس ذلك سبباً لنتوقع أن انهيار قوات الحوثي-صالح بات أمراً وشيكاً. لا يتمتع الحوثيون بتأييد شعبي في الجنوب، وبدأت بعض قيادات الحركة تعترف أن بسط سيطرتها العسكرية هناك كان خطأً استراتيجياً. ولكن من شأن الانسحاب نحو الشمال أن يضع الحوثيين مرة أخرى بين أنصارهم، وبالتالي لن يواجهوا التحديات اللوجستية نفسها كما في الجنوب. بالنسبة لصالح، ستكون المعركة معركة وجودية وسيكون الشمال آخر معاقله.
من شأن إخراج الحوثيين وقوات صالح من مواقعهم المحصّنة في العاصمة صنعاء أن يمثل تحدياً كبيراً لقوات التحالف التي تقودها السعودية، كما وأنه قد يهدد بوقوع أعداد هائلة من الضحايا المدنيين. وكانت أجهزة صالح الأمنية موجودة هناك منذ عشرات السنين، واستثمر الحوثيون كثيراً في تقوية قبضتهم على العاصمة بعد ثورة العام 2011.
بالتالي، رغم التقدم الملحوظ على الأرض، إلا أنّ تحالف هادي ليس أكثر قدرة من خصمه تحالف صالح-الحوثي على تقديم حلّ عسكري حاسم. بيد أن طرد الحوثيين والقوات الموالية لصالح من عدن قد غيّر معادلة القوة على الأرض بشكلٍ كبير. ونظراً لأنه لم يعد الحوثيون يسيطرون على المدن والمواقع الرئيسية في الجنوب، يقدّم ميزان القوى الجديد لكلا الجانبين فرصة جديدة للتوصل إلى تسوية سياسية.
وقد خلق الوضع العسكري الجديد ميزان قوى أصبح مفقوداً منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014 دون أي مقاومة. لم تترك سيطرة الحوثيين على المشهد السياسي – مع وجود عدو هارب في الرياض – أي حافز لهم للتفاوض بجدية، أو حتى لتقديم التنازلات. ولم يكن مفاجئاً أن أعلن زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، على الملأ بعد خسارته الأخيرة لعدن أنه منفتح على حلول سياسية للأزمة. وقال إنها “ممكنة ومتاحة” وإنّ “أي جهود أو محاولات في هذا الصدد من أي أطراف عربية أو دولية غير متحيزة” موضع ترحيب.
إنّ تاريخ اليمن مليء بتسويات سياسية للصراعات العسكرية عندما تتوازن القوى. ما حال دون تحوّل تمرد العام 2011 ضد صالح إلى حالة عنفٍ وقمعٍ للمتظاهرين هو أن علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى المدرعة انشق وانضم إلى الثورة، مشكّلاً قوة موازية مضادة لأجهزة صالح الأمنية، على غرار الحرس الجمهوري. كان صالح والأحمر يخشيان مواجهة عسكرية كبيرة يترتّب عليها نتائج لا يمكن التنبؤ بها. وقد أدى الجمود الذي دام 11 شهراً، في نهاية المطاف، إلى تسوية سياسية عُرفت باسم المبادرة الخليجية والتي أصبحت إطار العمل لعملية الانتقال السياسي في اليمن.
وعندما كان هادي ورفاقه في الرياض وكان نفوذهم ضئيلاً على الأرض، لم يكونوا في وضعٍ يسمح لهم بانتزاع تنازلات من الحوثيين على طاولة المفاوضات. أما الآن، فقد أصبح الوضع مختلفاً. يستطيع هادي فرض النتيجة في الجنوب، في حين أن الحوثيين لم يعودوا قادرين على فرض إرادتهم بالقوة. ومن شأن هكذا توازن أن يكون حجر الأساس لتسوية سياسية، إذا ما تواجدت إرادة سياسية من الجانبين لتجنب تقسيمٍ آخر طويل الأمد أو الغرق في حالة من الفوضى كما هو الحال في ليبيا.
قد لا تتمكن قوات هادي من هزيمة الحوثيين في معاقلهم الشمالية، بينما قد يجد الحوثيون أن المدن التي طردوا منها بقوة السلاح في المعركة، كعدن، لن تقبل أبداً بوجودهم. (يمكنهم العودة إلى مدن انسحبوا منها بإرادتهم أو بموجب اتفاق سياسي، إلا أن الانسحاب تحت النار قد يكلفهم كثيراً في الوقت الحالي وفي المستقبل). يستشعر الحوثيون كذلك خطر نكسات عسكرية واسعة النطاق، لا سيما إن أبرم صالح اتفاقاً معيناً – وهو احتمال وارد دائماً – وتركهم معزولين.
قد توفّر إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية مخرجاً مشرّفاً لكل من هادي والحوثيين، الآن وقد وصلوا إلى مستوى واحد من القوة. وقد تعتمد قدرة هادي على إعادة بناء اليمن وحكمه على قدرته على دفع الحوثيين نحو ميثاق سياسي جديد. وهذا احتمال نشأ من التطورات الأخيرة على أرض المعركة، إلا أنه قد لا يعود له أي وجود إذا ما بقي كلٌ من الطرفين مقتنعاً أن بإمكانه أن يفرض سيطرته بقوة السلاح.
Commentary
Op-edاليمن: هل حان الوقت للتوصل إلى حل؟
August 15, 2015