دائما ما بدت الدول العربية وكأنها ‘على حافة الهاوية’. وقد تبين أنها كانت كذلك بالفعل. لقد أخطأ الذين أكدوا لنا أن الأنظمة العربية الاستبدادية ستستمر لعقود طويلة، إن لم يكن لفترات أطول من العقود. وأعاد الأكاديميون والمحللون وبالطبع صناع القرار الغربيون، عقب الثورتين التونسية والمصرية، تقييم فهمهم لمنطقة تدخل عصر الديمقراطية.
ما حدث منذ يناير يدحض افتراضات ظلت رائجة لفترة طويلة حول كيفية ظهور الديمقراطيات في العالم العربي. حتى المحافظين الجدد، الذين تمسكوا بحماس بفكرة الثورة الديمقراطية، أخبرونا أن هذا سيكون صراع الأجيال. كان مطلوباً من الشعوب العربية التحلي بالصبر والانتظار. فمن أجل التحرك نحو الديمقراطية، سيكون عليهم بناء طبقة وسطى علمانية أولاً، والوصول إلى مستوى معين من النمو الاقتصادي، وتعزيز الثقافة الديمقراطية بطريقة أو بأخرى. ولم يتم قط إيضاح كيف يمكن لثقافة الديمقراطية أن تنشأ في ظل الديكتاتورية.
في أوائل التسعينيات من القرن العشرين بدأت الولايات المتحدة التركيز على تطوير المجتمع المدني في الشرق الأوسط. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 قامت إدارة الرئيس جورج بوش بزيادة المساعدات الأمريكية المقدمة للمنطقة. بحلول السنة المالية 2009، زاد حجم المساعدات السنوية المقدمة من الولايات المتحدة لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى أكثر من مجموع ما أنفق من أموال بين عامي 1991 و 2001.
لكن بينما صنفت هذه المساعدات على أنها معونة لدعم الديمقراطية، فلم تكن تعني بالضرورة تعزيز قضية الديمقراطية. يستتبع الديمقراطية ‘تداول السلطة’، ولكن معظم المنظمات غير الحكومية التي تلقت المساعدات الغربية تجنبت كل ما يمكن أن يفسر على أنه دعم يهدف إلى إحداث تغيير في النظام.
كان السبب بسيطاً. لقد دعمت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى ‘الإصلاح’، لكنها لم تهتم بقلب نظام قد أنشأ أنظمة عربية طائعة، حتى وإن كانت غير شرعية. أصبحت هذه الأنظمة جزءًا من ترتيب استراتيجي مريح قد أمّن المصالح الغربية في المنطقة، بما في ذلك تعزيز الوضع العسكري والحصول على موارد الطاقة وتعزيز أمن دولة إسرائيل. علاوة على ذلك، خشي الغرب أن يكون البديل هو تولي الحركات الإسلامية الراديكالية على غرار الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979.
الأنظمة نفسها، بما في ذلك تلك الموجودة في مصر والأردن والمغرب والجزائر واليمن، قد شكلت طواعية ملامح الإصلاح أكثر من مضمونه. فقد كانت عملية تأصيل الديمقراطية عملية ‘دفاعية’ و ‘مدارة’. لم تقصد هذه الأنظمة قيادة شعوبها نحو الديمقراطية، بل منع ظهور الديمقراطية. كانت نتيجة ذلك هو أنظمة استبدادية منشغلة دائما في إصلاح تدريجي لكنها لم تفعل شيئا يذكر لتغيير هيكل السلطة الأساسي. ووجد معارضو النظام أنفسهم متورطين فيما أسماه عالم السياسة دانيال برومبرغ ‘التحول اللانهائي’. هذا التحول اللانهائي دائما ما كان اقتراحًا خطيرًا، ولاسيما على المدى الطويل. فإذا قُدِّم وعد بإجراء تحول ولم يتحقق أبدًا، زاد هذا من نفاذ صبر الشعوب العربية.
كيف إذن يحدث التغيير؟ تتفق الولايات المتحدة والمجتمعات السياسة الأوروبية حول مفهوم ‘التدرج’. فالجميع تقريبا قالوا أنهم يؤيدون هدف الديمقراطية العربية، ولكن يبدو أن قلة منهم أبدت اعتقاد بأنه ينبغي القيام بشيء خلاق وجريء لتحقيق ذلك. لقد كان الأمر الأكثر جدوى أن يتم التركيز على الإصلاح الاقتصادي ثم التغيير السياسي في وقت لاحق. ربما يكون الأمر مجرد أن نكون واقعيين، أن نقبل السياسة – والسياسة الخارجية استطرادًا – أو ربما كان لك هو فن الممكن. لقد كانت الثورة مستحيلة.
لقد تدفقت مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الغربية إلى العالم العربي لدعم المنظمات غير الحكومية الصغيرة، ولدعم الأحزاب السياسية الضعيفة في كثير من الأحيان، وتمكين المرأة من الترشح للمناصب البرلمانية رغم ضعف سلطتها قليلا في المقام الأول. ورغم أن هذه المساعدات كانت ذات أهمية كبيرة للمنظمات التي تفتقر لأي مصدر من مصادر التمويل المحلية، فقد حققت أقل بكثير مما كان مطلوبا، وهو برنامج هجومي شامل لدعم الديمقراطية.
كان هناك شيئا رائعا عن المنظمات المؤيدة للديمقراطية، مثل الصندوق الوطني للديمقراطية والمعهد الديمقراطي الوطني، فقد كانت تعمل في ظل قيود صعبة في محاولة لدفع الأنظمة العربية للانفتاح، حتى ولو قليلا. حصلت هذه المنظمات على تمويل من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة التي لم تكن في الواقع على استعداد لدعم ديمقراطية حقيقة. لقد بدا أن دعم المجتمع المدني وتوفير التدريب والمساعدة التقنية للأحزاب السياسية العلمانية أنه حل وسط قابل للتطبيق.
Commentary
النضال من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط
April 26, 2011