في سبتمبر 2011، كنت من بين مجموعة متنوعة من الناشطين المصريين ضمّت ليبراليين وسلفيين، تمّ إنشاؤها لهدف واحد وهو إقناع جميع المرشحين للانتخابات الرئاسية بالالتزام بإبقاء الجيش خارج السياسة إلى الأبد.
وقّع جميع المرشحين ما عدا الدبلوماسي السابق للأمم المتحدة محمد البرادعي. وعندما أرسلنا عريضة إلى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، طالبين منهم الالتزام بالشيء نفسه إي إنهاء الحكم العسكري وتسليم السلطة للمدنيين لم يكلفوا أنفسهم بالرد.
أخبركم بذلك لإظهار كيف قلل قادة الجيش المصري من شأن السياسيين المدنيين منذ اليوم الأول. أما الآن ونزولاً عند مطالب الشعب (وليس هناك أدنى شكّ أن الكثير من المصريين أرادوا انقلاباً)، قام الجيش بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بخلع أول رئيس منتخب بحرية بعد عام واحد على تسلّمه السلطة. كما قام بتعليق الدستور المدني الذي صدّق عليه 64 بالمئة من الناخبين المصريين في ديسمبر 2012. من المرجح أن يقوم الجنرالات الآن بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد.
بين ليلة وضحاها، قام المجلس العسكري بإبطال 14 جولة انتخابات وطنية ديمقراطية حرة ونزيهة، من بينها ست جولات لمجلس الشعب في البرلمان، وأربع لمجلس الشورى، وجولتان للانتخابات الرئاسية، وجولتان للاستفتاءات الدستورية. فاز المرشحون نفسهم في كلّ جولة من هذه الجولات والذين يقبع بعضهم في السجون الآن. والخاسرون كانوا هم أنفسهم في كل مرة ومن بينهم كان البرادعي، الذي وافق في 6 يوليو على عرض تولي منصب رئيس الوزراء المؤقت، قبل أن يتم سحبه لمعارضة الحزب الإسلامي الوحيد الذي دعم الانقلاب.
ثلاثة سيناريوهات
من المهم جداً فهم كل هذا بشكل واضح بهدف فهم تفكير المجموعتين اللتين ستحددان مصير مصر الجيش وجماعة الإخوان المسلمين.في هذا الصدد، تُطرح أمامنا ثلاثة سيناريوهات.
السيناريو الأول، هو الأكثر تفاؤلاً والأقل احتمالاً، هو أن يكون الانقلاب نقطة انطلاق للديمقراطية الليبرالية في مصر. ولتحقيق ذلك، سيتوجب على الإخوان المسلمين الرضوخ والعودة سلمياً إلى النظام الانتخابي وبعد ذلك الخسارة في الانتخابات القادمة. يفترض في هذا السيناريو أن يقوم الجيش بالإشراف بسرعة على الانتخابات ويعود إلى الخلفية مرة أخرى، تاركاً الحرية للإخوان للترشح للانتخابات والفوز بها بدون عائق. ونظراً إلى الشعور العميق بالظلم من جهة والسخرية حيال السياسة المدنية من جهة أخرى، فهذا لن يحدث. في 5 يوليو، قتل 36 شخص في الاحتجاجات المؤيدة لمرسي في القاهرة، وفي اليوم التالي فجر مسلحون خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي إلى الأردن.
أمّا السيناريو الثاني، فهو يشبه تجربة تركيا في العام 1997، عندما أرسلت مجموعة من الجنرالات من مجلس الأمن القومي مذكرة إلى رئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان وطلبت منه الاستقالة. نفّذ أربكان الطلب، ثمّ جاءت حملة الاعتقالات والقمع بما في ذلك حلّ حزب الرفاه وسجن رجب طيب أردوغان، الذي كان آنذاك رئيس بلدية اسطنبول وعضو في ذلك الحزب الإسلامي.
يصف الأتراك، الذين لديهم خبرة واسعة مع الانقلابات، هذا الحدث بأنه “ما بعد الحداثة” للنتائج الخفيفة التي ترتبت عنه. لم يتم حل البرلمان، ولم يتم تعليق الدستور، ولم تكن هناك دبابات في الشوارع، وبقي الجيش في الخلفية، وتم السماح لأعضاء حزب الرفاه بخوض الانتخابات التالية. وفي العام 2002، فاز حزب العدالة والتنمية والتي لا تزال الحكومة المنتخبة ديمقراطياً حتى يومنا هذا.
أمّا السيناريو الثالث لمصر، وهو الأكثر احتمالاُ حدوثه والأكثر إثارة للقلق، فهو تكرار ما حدث في الجزائر في العام 1992. فقد قاد الجيش حملة قاسية على الإسلاميين المنتخبين، تلتها حرب أهلية شرسة.
الخطوط الحمراء
ثمّة أمل وحيد يطمئننا أنه لن يحدث ذلك في مصر وهو أنه لم يتم تهديد الجيش حتى الآن. فبعد سقوط الرئيس حسني مبارك في العام 2011، كان لدى الجيش ثلاثة خطوط حمراء ليحميها. كان بحاجة إلى حق النقض في السياسات العليا، كالعلاقة مع إسرائيل، وإلى الحصانة من الملاحقات القضائية في المحاكم المدنية. كما وأنه طلب تأمين إمبراطوريته التجارية مع ما حققت له من أسعار صرف وجمركية تفضيلية والإعفاء من الضرائب وحق مصادرة الأراضي (من دون الدفع للخزينة) وعدد كبير من المجندين برواتب شبه مجانية. هذا هو الثقب الأسود في الاقتصاد الرسمي والذي يساوي بحسب التقديرات بين 20 و40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري.
حقّق مرسي هذه المطالب كلها، إما قولاً أو بالفعل عن طريق إدراجها في الدستور. وفي وقت سابق من هذا العام، قال لي ضباط في الجيش إن الأمر تمّ بطريقة جيّدة. وهذا هو نقيض النهج الذي اتبعته الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية للتعايش مع الجيش.
في العام 1990، أعلنت الجبهة أنها ستحاسب -ما إن تصل إلى السلطة- ضباط الجزائر بتهمة الفساد في مجال صناعة النفط. عندما فازت الجبهة في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 1991، استولى الضباط على السلطة وألغوا تصويت الجولة الثانية. وفي الحرب الأهلية التي أعقبت هذه الأحداث، تراوح عدد الإصابات ما بين 150 ألف و250 ألف إصابة وفقاً للتقديرات.
وحتى الآن، ما من شبهٍ يُذكر بين ما ورد وصفه أعلاه وبين انقلاب مصر. فقد جاءت أعمال الضباط والإخوان المسلمين أقل عدائية من أعمال نظرائهم الجزائريين في التسعينيات. وفي الوقت عينه، جاءت سمة الأحداث أقل تطابقاً مع سمات “ما بعد الحداثة” بالمقارنة مع الأحداث التي شهدتها تركيا. لم يتنحى مرسي بلطفٍ حين طُلب منه ذلك، وعلّق الجيش الدستور. أُرسِلت القوات إلى الشوارع، أُلقي القبض على قادة الحزب الفائز، فُتِشت منازلهم، وقُتِل بعض المتظاهرين المؤيدين لمرسي. ويبقى إعلان عدم شرعية الإخوان المسلمين احتمالاً وارداً.
أي من السيناريوهات سيستمر، الجزائري أم التركي؟ يعتمد الأمر على الخطوة التالية التي سيتخذها كلّ من الجانبين. في الجزائر، لم تبدأ الحرب الأهلية الشاملة حتى شهر سبتمبر من العام 1992، أي بعدما ألغى الجيش الانتخابات بتسعة أشهر. من المرجح أن تندلع مواجهات عنيفة في حال تصرّف السيسي ومجلسه العسكري مثلما تصرّف خالد نزار وزير الدفاع الجزائري الذي خلع الرئيس الإصلاح الجزائري في شهر يناير من العام 1992 وشكّل مجلساً عسكرياً.
المسار التركي
تقدّم تركيا سيناريو آخر: الانقلاب الذي شهدته في العام 1980 والذي نفذه الجنرال كنعان أفرين، الذي يتواجد حالياً في تركيا بانتظار محاكمته على ما اقترف من أفعال بعد أكثر من عقدين من الزمن. تماماً كما يحدث في مصر اليوم، تمتع انقلاب افرين بشعبية كبيرة بين شرائح الشعب التركي، إلا أن الأمور سرعان ما تبدّلت نحو الأسوأ، مما أدى إلى إصدار دستور رهيب وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع. أعاد تدخّل أفرين التقدّم الديمقراطي في تركيا في حينها 20 عاماً إلى الوراء.
كان تصاعد الهتافات من ميدان التحرير المطالبة بإنهاء العملية الديمقراطية وإلغاء أصوات ملايين المصريين في الأسبوع الماضي أمراً يفوق الخيال، لاسيما بعد أن هذا الميدان مثّل في العام 2011 الصراع نحو الديمقراطية والحرية العربية. في 3 يوليو 2013، لم يحتفل ميدان التحرير بتوسّع الحرية، بل بإقدام قسمٍ من الشعب المصري على إقصاء قسمٍ آخر. يستحيل على أي من الأطراف المتورطة التنبؤ بالعواقب التي ستحّل نتيجة للأحداث على الساحة المصرية.
Commentary
Op-edالمسار التركي أم الجزائري: أيهما سيختار الجيش المصري؟
July 7, 2013