في السابع والثامن من تموز/يوليو من عام 2010، بعد أسابيع فقط من فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على إيران، تشارك مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط للمرة الثانية مع قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية ومكتب الدراسات الموجهة من الجيش لجمع ما يزيد عن 150 خبيرًا بما فيهم نائب رئيس قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية، الفريق جون ألن، لمناقشة تطورات الوضع في إيران.
وقد تضمن المؤتمر، الذي كان بعنوان الشراكة والقوة والتواجد: تلاقي المصالح والفرص الإقليمية في منطقة الخليج، ملاحظات رئيسية من رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال مايك مولن ووكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة ميشيل فلورنوي، واشتمل على دراسة للخيارات السياسية للحفاظ على الوحدة الدولية في التصدي للتحدي الذي تمثله إيران للمجتمع العالمي بسبب برنامجها النووي.
تتضمن وقائع المؤتمر ملخصات للجلسات واثنين من التحليلات المستمدة من المناقشات.
فرصة غير مؤكدة:
دراسة الوضع في مرحلة ما بعد العقوبات
سوزان مالوني
إن استمرار العداء بين الولايات المتحدة والنظام الحاكم في إيران على مدى ثلاثة عقود يضفي نوعًا من اللانهائية على بعض المناقشات التي تتناول سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. ودائمًا ما تقع القيادة الإيرانية في شرك الخلافات التعصبية، فيما تبحث واشنطن على الدوام عن وسائل أكثر فعالية للتأثير على سياسات إيران، وكلا الجانبين لا يلين في سعيهما للتأثير على بعضهما البعض. قد يكون مغريًا إذن أن نرفض سلوك إيران باعتبارها بعدًا مستعصيًا للوضع السياسي في الشرق الأوسط – المعضلة الدائمة التي لها معالم راسخة ومفهومة جيدًا.
ومع ذلك فتحت المظهر الخداع للاتساق، لا زالت إيران والآثار المترتبة على سياساتها على الأمن القومي الأميركي منذ فترة طويلة في حالة تغير مستمر. وعلى مدى السنة الماضية، حدثت تحولات هامة من شأنها تقديم مسارات جديدة للأمام، وصاحب هذه التحولات تحديات واجهت واشنطن. وازداد التركيز على هذه التحولات بشكل أكثر وضوحًا خلال المؤتمر السنوي الثاني حول إيران الذي شاركت في استضافته القيادة المركزية الأمريكية ومكتب الدراسات الموجهة من الجيش الأمريكي، ومركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنجز. وتمثلت القيمة الدائمة لهذا الحدث في إتاحة الفرصة للولوج إلى ما بعد الخطب المعتادة والنظر في الفروق الدقيقة لأية مسألة محورية في تعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفي إيران، شهدت السنة الماضية توازنًا جديدًا للنظام الإسلامي المُحاصر. حيث تلاشت الاحتجاجات الشعبية الهائلة التي اندلعت لفترة قصيرة في شوارع إيران وأجهضت آمال الغرب في العام الماضي في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها. كما تبددت الإمكانية والترقب اللذين قد أثرا إلى حد كبير على مناقشات السياسة في عام 2009 بفضل الحملة الوحشية الفعالة التي شنتها طهران لفرض النظام والولاء المستمر للحرس الثوري الإيراني لنظامها الإسلامي وقيادتها الحالية. كما أثبت بقاء النظام الثوري على مدار أربعة عقود النجاح المدهش للشراكة بين السلطتين البارزتين في البلاد، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد، والصدى المستمر للنظرة العالمية التي تنطوي على شكوك عميقة بالنسبة للمؤسسات والنخب الإيرانية الأخرى.
وفي إطار العروض الرسمية والأحاديث الجانبية التي جرت على هامش المؤتمر، لا يزال يبدو أن هناك توافق في الآراء على إن إيران تشهد مرحلة حرجة غير واضحة المسار. وعلى المدى القريب، على الزعماء الإيرانيين اجتياز مجموعة من العقبات الخطيرة في الداخل والخارج، لا سيما تداعيات فرض عقوبات دولية صارمة جديدة. ولا تزال الحركة الخضراء – على الرغم من القمع الواضح الذي تلقاه – قوة كامنة لا يُستهان بها، وإذا استطاعت إنشاء قيادة حازمة واستراتيجية أكثر تماسكًا، فربما توفر قناة للاستياء واسع النطاق الذي لا يزال منتشرًا بين الإيرانيين. لقد أثمر وصول جيل أصغر من المتشددين والنفوذ المتزايد للحرس الثوري عن شقوق جديدة بين المدافعين الأرثوذكسيين في النظام الثوري الذي فاقم البعد التنافسي لجميع المداولات المتعلقة بالسياسة. وعلى شاكلة المعارضة الإصلاحية في إيران والتي بزغت من العناصر الراديكالية اليسارية في تحالف ما بعد الثورة، فمن المرجح أن يتمخض التشرذم الواقع اليوم بين المحافظين عن تشكيل مستقبل إيران بشكل لا يمكن التنبؤ به.
وقد واجهت إيران في المنطقة في العام الماضي موقفا أكثر استقطابًا لم تشهده من قبل. ومع ذلك، فلا يبدو أن الاضطرابات الداخلية في إيران ولا إحياء سمعة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط سيتسببان في تقويض شعور إيران بتميزها بين جيرانها. فلا تزال طهران تحتفظ بثقة لافتة للنظر في قدرتها على مجاراة الضغط الدولي المعزز ودهائها في التعامل معه، على الأقل بشكل جزئي، من خلال قراءتها للبيئة الإقليمية وقدرتها المستمرة على الاستفادة من الاستياء الشعبي الذي يتجاوز حدودها. غير أن الموقف المتهور الذي تتخذه إيران يساعد في تفاقم التوترات مع معظم جيرانها، وكذلك مع واشنطن، والذين يرون أن جرأة إيران الإقليمية وإصرارها على مواصلة برنامجها النووي يمثلان تهديدًا واضحا ومتزايدًا.
قدم المتحدثون في المؤتمر وجهات نظر واضحة بشأن هذا الانحراف خلال المناقشات التي استمرت ليومين، والتي جرت وسط خلفية من التأييد العربي العام لاستخدام القوة لإحباط قدرة النووية الإيرانية. وسيتطلب إنشاء هيكل أكثر فعالية للأمني الإقليمي، لاسيما واحدًا يمكنه استدراج إيران إلى علاقة أكثر تعاونا مع جيرانها ومع واشنطن، في النهاية من الأطراف الفاعلة ذات الصلة التوصل إلى توافق في الآراء حول ما يشكل دورًا إقليميًا مقبولاً لإيران. ولا يزال تحقيق مثل هذا التفاهم وتحديد مسؤوليات كل دولة للحفاظ على توازن مستقر في الخليج يشكل تحديًا لواشنطن وشركائها الإقليميين، إنه التحدي الذي ينبغي أن يظل على رأس الأولويات شأنه شأن المتطلبات اليومية لشراكتنا الدبلوماسية. وقد شهد العام الماضي نجاح عملية الانتقال في نهج واشنطن المعروف باسم نهج “المسار المزدوج” تجاه إيران من التركيز على المشاركة إلى التركيز على تشديد الضغوط. وعلى الرغم من أن الضغوط كانت جزءًا ثابتا وكبيرًا من سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران منذ عقود، إلا أن الغزوة الأخيرة تبدو بالفعل مبشّرة أكثر من أي وقت مضى. وقد ساعدت مجموعة من التحولات على الصعيد الدولي – والتي بعضها تم التخطيط له بتأن من قبل واشنطن، مثل “إعادة صياغة” العلاقات مع موسكو، وبعضها الآخر هو مجرد نتاج للتزامن العرضي، مثل ما حدث في مرحلة ما بعد الانتخابات من ظهور حركة المعارضة الحقيقية الأولى في إيران في عدة عقود- في حشد المجتمع الدولي حول مجموعة من أصعب العقوبات الاقتصادية المتعددة الأطراف ضد إيران منذ ثورتها في عام 1979. أما إجراءات الأمم المتحدة فستدعمها القيود الأمريكية المفروضة من جانب واحد – والتي تستهدف اعتماد إيران على استيراد البنزين- وكذلك فرض عقوبات صارمة جديدة، والتي سبق أن أشار إليها الاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرين.
كما يمثل تبني المجتمع الدولي لتدابير عقابية مؤلمة ضد إيران تحولا تاريخيًا. ومع ذلك، لا يضمن هذا النجاح التكتيكي إحراز انتصار استراتيجي؛ فلا يزال الهدف النهائي – وهو التوصل إلى قرار دائم بشأن طموحات إيران النووية – أمرًا عسيرًا على الولايات المتحدة وحلفائها. وينبغي ألا يُستهان بقدرة إيران على تخفيف العقوبات والتهرب منها، ولا باستعداد طهران لتحمل تكاليف مؤلمة للحفاظ على بنيتها التحتية النووية. ولأجل إحداث تحول في مشكلة إيران الأبدية، ينبغي للولايات المتحدة الاستفادة من هذه الجولة الأخيرة من العقوبات كنقطة للانطلاق- وليس لمجرد فرض مزيد من العقوبات والضغط المستمر، ولكن بدلاً من ذلك، لخلق جهد دبلوماسي متعدد الجوانب تجاه طهران يكون من شأنه تقييد سياساتها الشائكة وإحداث تحول فيها. وبالنسبة لواشنطن، سيستلزم هذا التغلب على مجموعة من التحديات التي تبدو صعبة المراس: وهي تتمثل في الاستفادة من التنسيق التكتيكي مع روسيا والصين لخلق تقارب حقيقي للمصالح على إيران، وإنشاء مسار للتوفيق بين الهلع المبرر الذي يجتاح العالم بشأن الأنشطة النووية الإيرانية مع تمسك طهران القوي بحقوقها النووية الوهمية، وإيجاد وسيلة لإدماج الاهتمامات المختلفة بشأن الموقف الإيراني الإقليمي والسياسات المحلية مع التركيز الدولي المهيمن على البرنامج النووي. وسيمثل إحراز تقدم في جدول الأعمال العسير هذا نقلة هي الأكبر فائدة للجميع.