مقدمة
على مدى ربع القرن الماضي، كان خبراء الاقتصاد وصناع السياسة الأمريكية نشطاء جدًا في تقديم المشورة في مجال السياسات إلى البلدان الأخرى حول كيفية تجنب و/ أو إدارة الأزمات المالية؛ وفي كثير من الحالات، كانت خلاصة هذه المشورة هي انه ‘يجب عليك أن تقلدنا أكثر”. وفجأة، تعرضت الولايات المتحدة لأزمة مالية خاصة بها- وهو أمر غير عادي في اتساعه وشدته. وفي حين أن الذعر المالي السابق في كل بلد من البلدان أو المناطق المعنية كان يتضمن انخفاضات متساوية أو متفاوتة حجمًا في الناتج، فإن الأبعاد العالمية للأزمة الراهنة لم يسبق لها مثيل، فقد بدأت في الولايات المتحدة، لكنها امتدت الآن إلى أبعد حدود في الاقتصاد العالمي. حيث كانت قناة البث مع أوروبا إلى حد كبير من خلال الربطة بين الأسواق والمؤسسات المالية على جانبي الأطلسي والتي يتشارك بعضها في نفس الأخطاء والتجاوزات. وأما بالنسبة لآسيا وجزء كبير من العالم النامي، فقد تم البث إلى حد كبير من خلال حالة الانهيار الغير عادية في التجارة العالمية.
ويقوم هذا البحث بتلخيص بعض البحوث التي أُجريت على جذور الأزمة، كما يتتبع تطور حالة ذعر الائتمان التي أُثيرت في أواخر عام 2008، وأثرها على الاقتصاد الحقيقي، والإجراءات السياسية الغير العادية التي تم اتخاذها للتخفيف من الخسائر الاقتصادية. وكما هو الحال في الماضي مع الأزمات المالية، ستنتهي حالة الهبوط الحالي وسيسترد الاقتصاد عافيته مرةً أخرى. ولكن، وكما أشرنا أدناه، فإنه من المرجح أن الأزمة باتت تمثل تغييرًا كبيرًا في النظام، وإلى حد كبير تقوم بتغيير الشكل المستقبلي للولايات المتحدة والاقتصاديات العالمية. وقد انتهى عصر التنظيم الذاتي للمؤسسات المالية، علاوةً على أن دور السياسة النقدية قد تغير إلى حدٍ كبير، وأن صخب الإنفاق الاستهلاكي كما يبدو قد وصل إلى نهايته، لأن التركيز الآن يقع على إعادة المنازل لبناء ميزانياتها. وإذا كانت الولايات المتحدة قد باتت تحاول استعادة العمالة الكاملة، فيجب ألا يقتصر ذلك على إعادة بناء الصناعات المالية وإنما أيضًا تنشيط الصناعات التصديرية وتحقيق مزيد من التوازن الخارجي. وهذا يطرح اثنين من التحديات لبقية الاقتصاد العالمي. أولاً، يجب أن يتم تطوير محركات جديدة لنمو الطلب؛ فالبلدان لن تكون قادرة على الاعتماد المتزايد على الصادرات إلى السوق الأمريكي، وسوف يحتاجون إلى التأكيد على الحاجة إلى تطوير الأسواق الداخلية والإقليمية. ثانيًا، ربما يدفع الإحباط مع الجهود المبذولة لتطوير أسواق التصدير في الوقت الذي يتباطأ فيه النمو العالمي الساسة نحو مزيد من سياسات الحماية.