في العام 2010-2011، أتاحت الثورات الشعبية في شمال أفريقيا فرصةً غير معهودة للمجموعات المعارضة من مختلف الأطياف السياسية لكي تشارك أخيراً في حكم بلادها. ومن بين جميع هذه الأحزاب السياسية، كانت الأحزاب الإسلامية أفضل من تمكّن من اغتنام هذه الفرصة، مع تحقيق حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب فوزاً لافتاً في الانتخابات.
وبعد مرور سبع سنوات، نجد أنّ حزب العدالة والتنمية فاز بالأكثرية النسبية من جديد في الانتخابات النيابية في المغرب، في حين تشكل حركة النهضة شريكاً صغيراً في الائتلاف الحاكم في تونس. أما جماعةَ الإخوان المسلمين، فهي تمرّ بمرحلة انهيار حادّ بعد أن أطاح بها الجيش في مصر. وفيما تختلف أفعال هذه المجموعات الثلاثة ومصيرها إلى حدّ كبير، سلّطت فترة وجودها في الحكم منذ العام 2011 الضوء على مواقف الأحزاب في مجالات متنوّعة. وتتضمّن هذه “المناطق الرمادية” أيديولوجياتها والتزامها بالتعدّدية واحترامها لحقوق المرأة والأقليات. في هذه الورقة، يقارن عادل عبدالغفار وبيل هيس كيفية تصرُّف حزب العدالة والتنمية وحركة النهضة وحزب الحرية والعدالة في خلال تجربة كلّ منها في السلطة لأوّل مرّة، وتهدف إلى تقييم سبب نجاحها في الحكم بفعالية أو فشلها فيه. ويقول المؤلّفان إنّ برغماتية حركة النهضة وحزب العدالة والتنمية ومرونتهما وقدرتهما على التعاون مع قوى سياسية أخرى أتاحت لهما أن يشاركا ويصمدا سياسياً في مرحلة ما بعد العام 2011. في المقابل، غالباً ما تصرّف حزب الحرية والعدالة بطريقة أحادية وسعى بشدّة إلى إحداث تغيير في النظام السياسي في مصر، ممّا أدّى في نهاية المطاف إلى طرد الإخوان المسلمين من هذا النظام. وكان السياقُ الوطني الذي عمل فيه كلّ حزب والتحدّياتُ المتأصّلة للمراحل الانتقالية السياسية الواسعة من العوامل المهمّة أيضاً.
أهم التوصيات:
1- الحكم على الإسلاميين بحسب أفعالهم لا أقوالهم
على غرار الكثير من الأحزاب السياسية، غيّرت الأحزاب الإسلامية خطابها بالاستناد إلى عوامل مثل السياق والجمهور. وقد يكون من المغري التركيز على استنتاجات واستخلاصها من تصريحات مقتضبة محدّدة، أإيجابية كانت أم سلبية. غير أنّه ينبغي على صانعي السياسات الذين يدرسون ما إذا كان عليهم التعاطي مع أحزاب إسلامية معيّنة والسماح لها بالمشاركة في سياسة البلاد أن يحتفظوا بالحكم النهائي حتّى تبدأ هذه الأحزاب باتّخاذ خطوات فعليّة. ومن التحرّكات الأهمّ بناءُ التحالفات والتنحّي عن السلطة بطريقة سلمية.
2- الإقصاء ملاذٌ أخير
تمنع الأنظمة القائمة في السلطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستمرار قيامَ قوى معارضة لها، مانعة الجهات الفاعلة الشرعية من المشاركة في العملية السياسية وحتّى ناعتةً إياها بالإرهابية لمصلحتها. وغالباً ما تُطبَّق هذه الأساليب التكتيكية الإقصائية على المجموعات الإسلامية، ويعود ذلك في بعض الأحيان إلى واقع أنّها إسلامية لا أكثر. لكنّ إقصاءها لا يؤكّد أنّ هذه المجموعات، التي غالباً ما تكون ذات تأثير كبير، لن تشكّل خطراً على الأنظمة القائمة أو تكتسب نفوذاً سياسياً. غير أنّ منع المجموعات الإسلامية من ممارسة السياسة يزيد من احتمال أن تُظهر قلّة جهوزية للحكم بفعالية وبرضى جميع الأطراف في حال تغيّرت حظوظها، وسيكون ذلك على حساب مصلحة بلادها. علاوة على ذلك، يعزّز منعُ الأحزاب السياسية الإسلامية من الحصول على فرص سياسية حججَ المتطرّفين الذين يرون في اللجوء إلى العنف الطريقة الوحيدة لإحداث تغيير. وفي أجواء انتقالية مستقبلية، قد يؤدّي إقصاء الإسلاميين عن العملية السياسية إلى وضع شرعية أيّ إطار عمل وحكومة جديدَين موضعاً للشكّ. فما دامت الكثير من المجموعات الإسلامية تتميّز بأنها أكثر ديمقراطية وشمولية من نظيراتها العلمانية، قد يؤدّي إقصاؤها إلى إدامة ازدواجية المعايير.
3- تقوية المجتمع المدني، من الداخل والخارج
على صانعي السياسات الذين يرغبون في انخراط الأحزاب الإسلامية بنجاح في أنظمة بلادهم السياسية أن يستثمروا في مجتمعات بلدانهم المدنية. فباستطاعة المجتمع المدني المحلّي المفعم بالحيوية أن يؤدّي وظيفيتَين مهمّتَين في حال دخول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم. أوّلاً، كما في تونس ومصر، بإمكان منظّمات المجتمع المدني أن تكون قوّة موازنة للأحزاب الإسلامية التي تسعى إلى تخطّيها. فقد كان المحامون في مصر مَن استطاعوا بنجاح الطعن في شرعية الجمعية التأسيسية الأولى وحلّها. وفي تونس، تمكّن اتّحاد العمّال البارز من الوقوف في وجه حركة النهضة عندما كانت الأحزاب السياسية الأخرى منقسمة ومفكّكة للغاية إلى حدّ أنّها عجزت عن القيام بذلك بشكل فعّال. ثانياً، بإمكان منظّمات المجتمع المدني الدولية أن تساعد الأحزاب على حُكم ساحات سياسية بفعالية أكبر وبتعدّدية أكثر.