Commentary

صفقة ترامب تمنح إسرائيل دعماً من قوّة عظمى لممارسة الفصل العنصري

Israeli Arabs take part in a protest against the U.S. President Donald Trump's Middle East peace plan in the town of Baqa Al-Gharbiyye, northern Israel February 1, 2020. REUTERS/Ammar Awad - RC2PRE9ALSW6
Editor's note:

يقول عمر حسن عبد الرحمن إنّه بصريح العبارة، الخطّة هي دعمٌ تقدّمه الدولة الأقوى في العالم لما يتعذّر تبريره. نُشرت هذه المقالة بدايةً على موقع “972+ ماغازين” (+972 Magazine)، وهذه ترجمة للنسخة الأصلية.

كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض يوم الثلاثاء عن “صفقة القرن” التي وضعها. وبينما ركّز الكثير من المراقبين على التوقيت المريب لطرح الخطّة، إذ تتزامن مع الوحول السياسية والقانونية التي يغرق فيها كلا القائدين، لا تسلّط مسألة التوقيت الضوء على ما تهدف الخطّة بحدّ ذاتها إلى تحقيقه.

فطوال سنوات، وضعت إسرائيل نفسها في موقع لا يمكن تبريره أخلاقياً ولا سياسياً في ما يخصّ احتلالها الأراضي الفلسطينية. والآن، تلجأ إسرائيل إلى الولايات المتحدة للمساعدة في الدفاع عنها. فسعيُ البلاد بلا هوادة إلى توطين مواطنيها اليهود في أرجاء الضفّة الغربية حال دون أيّ فرصة لتقسيم الأرض إلى كيانَين سياسيَّين مستقلَّين، ممّا ترك الملايين من الفلسطينيين بلا وطن يعيشون في ظلّ نظام عسكري لا ينتهي، من دون حقوق مدنية أو سياسية.

بناء على ذلك، “صفقة” ترامب مصمَّمة لدعم السيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين التاريخية، مع السماح لها بابتلاع أقسام الأراضي التي تعتبرها مرغوبة. أما أكثر ما عُرض على الفلسطينيين فهو استقلالية محدودة على أرخبيل من المناطق المحاصَرة الشبيهة بالأحياء. ومع العلم المُسبق بأنّ الفلسطينيين سيرفضون الخطّة رفضاً قاطعاً، كان من الواضح منذ اللحظة الأولى أنّ النيّة من هذه الخطّة لم تكن يوماً أن تُعتَبر خطّة سلام، بل ورقة موقف متنكِّرة كمبادرة دبلوماسية. بصريح العبارة، الخطّة هي دعم تقدّمه الدولة الأقوى في العالم لما يتعذّر تبريره.

لكن لطالما افتقر أولئك الإسرائيليون الذين يرغبون بالحصول على الأراضي بأسرع ما يمكن إلى خطّة واضحة لكيفية التوفيق بين الحفاظ على الأراضي والمحافظة على الحِرمان الدائم من حقّ التصويت للسواد الأعظم من قاطني هذه الأرض. وأدرك معظم المراقبين، من بينهم الكثير من الإسرائيليين، منذ زمن بعيد أنّ هذا الأمر يفضي إلى قيام دولة فصل عنصري، مع عيش الملايين من الناس معاً بشكل غير متكافئ تبعاً لانتمائهم الإثني الوطني. ودولة الفصل العنصري هذه هي بالضبط ما نشأ، ولا سيّما أنّ غير اليهوديين يشكّلون الآن أكثرية السكّان الخاضعين للسلطة الإسرائيلية.

لهذا يصعب على المرء أن يفهم كيف أنّ إسرائيل في العام 2020 تُدافع عن نظام حكمٍ دانَه العالم كلّه عندما كان قائماً في جنوب أفريقيا منذ مجرّد بضعة عقود خلت. وهذا الأمر محيّر أكثر نظراً إلى أيّ مدى كانت محاولات المسؤولين الإسرائيليين لتبرير هذا النظام مُضحكة.

ففي العام 2017 مثلاً، نشر عضو الكنيست والوزير الإسرائيلي بزاليل سموتريش، المنتمي إلى حزب البيت اليهودي، خطّة القرار التي يدافع فيها عن الضمّ الكامل للضفّة الغربية. وقال سومتريش إنّ هذا لا يُعتبر فصلاً عنصرياً، بل شكلاً من الديمقراطية الناقصة. فقد كتب سموتريش: “يمكن بسط السيادة الإسرائيلية على كامل مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية] من دون منح العرب القاطنين هناك حقّ التصويت للكنيست في اليوم الأول، ويبقى الأمر ديمقراطية. ليست ديمقراطية كاملة، ولكنّها ديمقراطية”.

وتابع سموتريش بتقديم خيار للفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية، فإما يبقون كقاطنين من دون حقوق متساوية مع المواطنين اليهود أو يهجرون بيوتهم ويغادرون البلاد، وهذا ما أسماه أحد الصحافيين الإسرائيليين “وعيد التنازل أو الإحالة”. في كلتا الحالتين، يقول سموتريش إنّ الدولة اليهودية لا ينبغي أن تُمسّ مهما كان الثمن، حتّى لو عنى ذلك وضع هيكليات مدنية وقانونية وديمقراطية جديدة لاستيعاب نظام من التقسيم العنصري.

ولا تبدو هذه الخطّة الغاشمة وكأنّها ضرب من الجنون في إسرائيل حيث يشكّل السلوك السياسي الراديكالي المتحرّر من أيّ عواقب المعيارَ منذ عقود. واليوم، يدعو المسؤولون الإسرائيليون على امتداد الطيف السياسي علناً إلى شكلٍ من أشكال الضمّ للضفّة الغربية، لعلمهم أنّهم يحظَون بدعم البيت الأبيض الكامل.

وقد أفضت هذه البيئة إلى ظهور جيل من السياسيين من مجموعات مثل حزب اليمين الجديد الذي يناصر من أجل نظام من التفوّق اليهودي والذي مازح العام الماضي قائلاً إنّ الفاشية “أشبه بالديمقراطية” بدون أيّ شعور بالمفارقة في ما قاله والذي يزدري الديمقراطية الليبرالية شديد الازدراء. وقد هاجم المؤسسات الديمقراطية والصحافة الحرّة والمجتمع المدني والنظام القضائي في إسرائيل. وتتوّجت هذه العمليات مع تشريع قانون الدولة القومية لليهود في يوليو 2018، الذي يشدّد على أنّ لليهود الحقَّ الحصري بتقرير مصيرهم على الأرض التي تخضع لسيطرة دولة إسرائيل.

مع ذلك، في إسرائيل آخرون مدركون لمسار بلادهم المقلق. وحاول بعضهم بلا طائل إقناع أبناء بلادهم بتغيير هذا المسار قبل فوات الأوان. ويعلم آخرون أنّ الضّم يقتضي الفصل العنصري لكن لا مصلحة لهم في وقفه. في غضون ذلك، يقولون إنّ الخيار الأفضل لهم هو البحث عن دعم دولي للضمّ، حتّى لو أتى ذلك الدعم بشكل “صفقة سلام” أمريكية. فلا عجب إذاً أنّ عدداً من الشخصيات السياسية الإسرائيلية، من ضمنهم المتنافسان الأبرزان في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، أي نتنياهو وبيني غانتس، كان في واشنطن هذا الأسبوع لدعم خطّة ترامب.

حتّى الآن، اعتُبر هذا السيناريو على نطاق واسع إمكانية مستبعدة. ففيما حَمَت الحكومات الأمريكية السابقة إسرائيل على الساحة الدولية، ودعمت حتّى “حقّ” إسرائيل بالحفاظ على كُتل مستوطناتها في حال الوصول إلى اتّفاقية سلام (على الرغم من عدم شرعيّتها بموجب القانون الدولي)، ما من أحد دعم صراحة شرعيةَ المستوطنات الإسرائيلية أو مبدأ الاحتفاظ بالأراضي التي تمّ الاستيلاء عليها في الحروب.

بيد أنّ إدارة ترامب قامت بهذا الأمر بالضبط، ويشمل ذلك الإقرار بالسيادة الإسرائيلية على كامل القدس ومرتفعات الجولان ورفض عدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الدولي. ولهو ليس من باب الصدفة أنّ المسؤولين الأمريكيين الثلاثة الذين أنيطوا بوضع خطّة ترامب، أي صهره جاريد كوشنر والسفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان والمبعوث السابق جايسن غرينبلات، مناصرون منذ زمن بعيد للمستوطنات الإسرائيلية والإيديولوجية التي تدعمها. ويبدو الآن أنّهم يستغلّون مواقعهم في الحكومة الأمريكية لتكريس الاستيلاء الإسرائيلي السريع على الأراضي ويقومون بذلك بتنسيق شبه تام مع قادة اليمين الإسرائيليين ومناصري قيام إسرائيل الكبرى.

وسيكون على إسرائيل قريباً أن تدافع عن تأسيس دولة الفصل العنصري الفريدة خاصتها. ووقوف الولايات المتحدة بجانبها خطوة كبيرة في هذا الاتّجاه. ويتعزّز الوضع أكثر بفعل وهن النظام العالمي الليبرالي وتفريغ المؤسّسات الدولية والقانون الدولي والانهيار التامّ للسياسات الوطنية الفلسطينية. ومن الصعب التكهّن إلى أيّ حدّ المجتمع الدولي، في حالته المتغيّرة الراهنة، على استعداد للدفاع عن مبادئ نظّم نفسه على أساسها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لكنّ أمراً واحداً يبقى أكيداً: نحن ندخل مرحلة جديدة في هذا الصراع ننتقل فيها من تقاتل على الأراضي والسيادة إلى تقاتل عنوانه التصارع للمساواة والحقوق المدنية. ومن المرجّح أنّه عند هذه المرحلة، ستضُطرّ الدول في العالم إلى إعادة تقييم مواقفها وإلى اختيار جهة من الجهتَين. وسبق أن اختارت إدارة ترامب أيّ جهة تريد.

Authors