Commentary

Op-ed

65 عاماً على النكبة وما من شيء يُفرح الفلسطينيين

سيحيي الفلسطينيون في 15 مايو الذكرى الخامسة والستين للنكبة. هكذا يصفون عام 1948، الذي شهد تدمير المجتمع الفلسطيني، تهجير 750 ألف فلسطيني من منازلهم، ومسح أكثر من 450 بلدة فلسطينية من عن الخريطة. اليوم، هناك أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (UNRWA). ورغم أنّ عام 1948 شكّل صدمة مروعة في ذاكرة الفلسطينيين، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى بداية رحلة طويلة من التشرد، والطرد، والنفي. فالنكبة الحقيقية هي إذاً مستمرة، والفلسطينيون يعيشونها يومياً داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها. وفي حين يلقي وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بنفسه في قلب عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: هل ستقرّب جهوده هذه المأساة الإنسانية من خط النهاية؟ أم أنّها ستزيد الأمر سوءاً ليس إلا؟

في خلال زيارةٍ قمت بها إلى لبنان مؤخّراً، حرصت على زيارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا. في العام 1982، أثناء احتلال الجيش الإسرائيلي لبيروت، قًتل ما بين 800 إلى 3500 لاجئ فلسطيني على يد ميليشيات مسيحية. أما في المخيمات اليوم، فيتجلّى الواقع المرير لحياة اللاجئين الفلسطينيين في المنفى: تنتصب وسط المخيمات مقبرة جماعية كبيرة لضحايا مذبحة عام 1982. وما هي هذه المقبرة الجماعية إلا تذكير يومي للاجئين بالمأساة الإنسانية الذين ما زالوا يعانون منها.

وأخذ الفلسطينيون في مخيم اليرموك في سوريا نصيبهم من مرارة التهجير والطرد. فمنذ بداية الثورة السورية في عام 2011، سقط اللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك، والذين بلغ عددهم 150 ألف لاجئ بحسب الأرقام الواردة، ضحيّة كافة أنواع الترهيب، والتخويف، والقتل. وفرّ العديد من المخيم وأصبحوا “لاجئين مزدوجين” في لبنان، ومصر، والأردن. “إنّها نكبة اليرموك”، هكذا وصفت أمّ مازن، وهي من بين اللذين تهجّروا مرتين، الحالة لجريدة الفايننشال تايمز.

كما أنّ النكبة لم تستثنِ الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد أضحى 1.7 مليون فلسطيني محاصرين في غزّة المحاصرة، وهي السجن الأكبر في العالم، وذلك بسبب سياسة العقاب الجماعي التي تتبعها إسرائيل. أما في الضفة الغربية، فتتجلّى “نكبة العصر الحديث” في العنف الذي يمارسه المستوطنون باستمرار، والتوسع الاستيطاني، والجدار الفاصل الذي ينتهك الأراضي الفلسطينية، وفي الكثير من الحالات، يحرم الناس من مورد رزقهم. ذلك وبالإضافة إلى الفلسطينيين في القدس الذين فقدوا حق العودة إلى وطنهم بعد أن عاشوا في الخارج لبضع سنوات ليس إلا.

وإزاء هذه الخلفية القاتمة، قطع كيري وعداً على العلن بإحلال السلام في المنطقة من خلال جهود دبلوماسية شخصية مكثفة. ولكن في حين قد يكون من السابق لأوانه الحكم على مبادرته، كان النهج الأميركي التقليدي إزاء هذا الصراع متوقّعاً وغير عملي. فعلى سبيل المثال، اقترحت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس وضع حدّ لعذاب الفلسطينيين اللاجئين المنفيين من خلال إرسالهم إلى … تشيلي والأرجنتين.

وكما قال لي إدوارد أبينغتون إنّ الرئيس ياسر عرفات قد حث بيل كلينتون على الطلب من بنيامين نتنياهو أن يوقف أو على الأقل يؤخّر بناء مستعمرة هارحوما – مستعمرة هدد بناؤها بانهيار عملية السلام برمتها. قال أبينغتون – القنصل العام الأميركي الأسبق في القدس ومسؤول الاتصال الرئيسي بين الولايات المتحدة والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في العام 1996 – إنّ عرفات توسّل إلى كلينتون مراراً وتكراراً، ولكن دون جدوى. وفي النهاية، قيل إنّ كلينتون قام بتمرير الطلب إلى مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية التي تمّ تعيينها حديثاً حينها. ولكنها لم تفعل أي شيء. وقال أبينغتون إنها كانت اللحظة التي أدرك عرفات فيها أنّه لا يمكن الاعتماد على الأمريكيين لإحداث فرق حقيقي.

تُعتبر النكبة الفلسطينية أحد الأسباب الأساسية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الحالي؛ إذا أراد وزير الخارجية كيري أن ينجح، فلا بد له أن يعالجه. فالحزمة الاقتصادية التي يخطط أن يقدمها قد تؤثر على الفلسطينيين في الضفة الغربية. إلا أنها لن تأتي بمنفعة “للاجئين المزدوجين” في اليرموك أو اللاجئين في شاتيلا – اللذين ما زال الموت يحيط بهم. اقتضت خطوة كيري الكبرى لإحياء عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية على تعديل خطة السلام العربية التي طُرحت منذ 11 عاماً لتتضمن تبادل الأراضي بين إسرائيل والجانب الفلسطيني. ستسمح هذه الخطة باستيعاب المستعمرات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية – بما فيها هارحوما. وإنّه لأمر سخيف أن يتحوّل موقف واشنطن من تجميد أنشطة الاستيطان في خلال فترة الولاية الأولى لإدارة أوباما إلى استيعاب تلك المستوطنات في فترة الولاية الثانية.

حُكم على جهود وساطة كيري بالفشل بمجرّد الضغط على العرب لقبول تبادل الأراضي حتى قبل البدء بالمفاوضات. لم يُترك أي حافز أمام حكومة نتنياهو للتفاوض، بل على العكس، الآن وبعد أن قبل العرب مبدئياً بتبادل الأراضي، سيستغل نتنياهو على الأرجح هذا التنازل ويقوم بتكثيف الأنشطة الاستيطانية.

لقد خرّب كيري نفسه عندما قدّم تبادل الأراضي لنتنياهو من دون أن يحصل منه على التزام ثابت لوقف بناء المستوطنات. غير أنّه سيكتشف أنّ جلّ ما تهتمّ له حكومة نتنياهو اليمينية هو استغلال كل فرصة ممكنة لتخريب جهود السلام، وبناء المزيد من المستعمرات، وبالتالي استمرار تفاقم أزمة صورة أمريكا ومصداقيتها في الشرق الأوسط. وللتأكيد على ذلك، قد أعلنت حكومة نتنياهو للتو، كردّ على خطة كيري لتبادل الأراضي، بناء 300 وحدة سكنية في قلب مدينة رام الله في الضفة الغربية.

أظهرت هذه المحصلة بوضوح أنّ خطة كيري للسلام لم تأتي بأيّ جديد وأن جهوده تنسجم كل الانسجام مع جهود الوساطة التقليدية لواشنطن والتي تسترضي الحكومات الإسرائيلية وتشوّه صورة أمريكا ومصداقيتها في المنطقة، وبالطبع تجعل ذكرى النكبة أكثرإيلاماًً في أذهان الفلسطينيين.