Commentary

Op-ed

وعد أوباما بالتعليم للعالم الإسلامي — بين الكلام والحقيقة؟

تعهد الرئيس أوباما “بالسعي لبداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في العالم” في خطابه المرتقب بالقاهرة. فبالإضافة إلى الإشارة إلى وجود تغيرات هامة في نهج أميركا تجاه التحديات السياسية، مثل الصراع العربي الإسرائيلي، أعلن أيضًا عن مسار جديد بالغ الأهمية لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للملايين من المسلمين في أنحاء العالم. فمع الاعتراف بأن التعليم هو محور أي تقدم على المدى الطويل في القرن الواحد والعشرين، وعد بأن يصبح شريكًا “في أي بلد إسلامي” لتحسين تعليم الفتيات وعمالة المرأة.

ولاقى هذا الوعد ترحيبًا كبيرًا، فالتركيز على دعم “أي بلد إسلامي”- وليس فقط تلك البلاد ذات الأهمية الجغرافية والسياسية مع الولايات المتحدة- لتحسين النقص المزمن في مجال التعليم هو خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين اليوم وخصوصًا في المستقبل. إن الاستثمار في مجال التعليم، لاسيما بالنسبة للنساء والفتيات، هو واحد من أذكى الاستثمارات التي يمكن أن يقوم بها الرئيس إن كان جادًا في مسألة العمل مع المجتمعات الإسلامية من أجل تحسين نوعية حياتهم؛ فتعليم النساء والفتيات يعد واحدًا من أعلى معدلات العائد من حيث نتائج التنمية، ولقد ثبت أنه يقوم بتحسين الإنتاجية الاقتصادية، ويؤدي إلى انخفاض وفيات الأطفال والأمهات، والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المعروف بالإيدز. وهناك بلدان كثيرة في العالم الإسلامي تتوق لرؤية زيادة المساواة بين الجنسين في التعليم، كما أن استطلاعات الرأي العام في مصر والأردن ولبنان والمغرب تشير إلى أن 98 % من السكان يؤيدون مسألة المساواة في التعليم بين البنات والبنين.

إن العالم الإسلامي يعد متنوعًا، وخاضعًا لعدة تعريفات- أبرزها هو مجموع البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تضم 57 بلدًا مفرقًا على أربع قارات. وعلى الرغم من عدم التجانس عبر وداخل هذه البلدان، هناك أربعة عناصر هامة لوضع إستراتيجية فعالة لتثقيف العالم الإسلامي.

إدراج

تتسم العديد من الدول في أنحاء العالم الإسلامي بأنماط تعليم استبعادية، حيث أن الفتيات يعتبرن أقل ميلاً في الحصول على التعليم من الأولاد، كما أن الأطفال في المناطق الريفية أقل احتمالاً للتعليم من أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية، بالإضافة إلى أن الأطفال الكبار والشباب ليس لديهم الكثير من الخيارات التعليمية مقارنةً بالأطفال الصغار. فعلى سبيل المثال، في مصر أن نسبة الفتيات التي لا ترتدن المدارس الابتدائية هي 96% من مجموع 232 ألف طفلاً ممن لا يرتادون المدارس الابتدائية. ووفقًا لمنظمة اليونسكو، تحوز الدول العربية، من جميع المناطق في العالم، على أعلى نسبة من الفتيات في سن الدراسة الابتدائية غير ملتحقات بالمدارس. ففي باكستان، لا يتم إلحاق الفتيات والفتيان في المناطق الريفية بالمدارس الابتدائية إلا بمعدلات أقل بكثير من نظيراتها في المدن. وفي إقليم بلوخستان، على سبيل المثال، يرتاد 85% من الفتيات المدارس في المناطق الحضرية في مقابل 40٪ في المناطق الريفية. أما في كثير من البلدان، مثل ساحل العاج، فإن الفتيات والفتيان الذين فاتهم سنوات من التعليم، أو بدأوا في وقت متأخر هم من “سن أكبر” من سن المدرسة، بحيث لم تترك لهم الدولة سوى خيارات قليلة – إن وجدت – لتعلم مهارات القراءة والكتابة الأساسية والحساب ومهارات التفكير النقدي. علاوةً على أن الأميين من الشباب والكبار لديهم عددًا أقل من الخيارات لتحسين قواعد المعرفة والمهارات. والملاحظ أنه عبر بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي، يوجد 293.9 مليون شخصًا في سن 15 عامًا فما فوق يعتبروا من الأميين، غالبيتهم من النساء. ولذا فإن أي سياسة تربوية سليمة للعالم الإسلامي ستحتاج إلى ضمان أن الاستثمارات التعليمية ستعالج أنماط الاستقصاء تلك خلال، ليس الجنس فحسب، بل والموقع والعمر أيضًا.

الجودة

غالبًا ما تكون جودة التعليم رديئة بالنسبة لأولئك الذين يمكنهم الحصول على التعليم. حيث أن ضعف تدريب المدرسين، وتكدس الفصول الدراسية مع قلة المواد التعليمية تعد مشكلات شائعة تعيق الطلاب عن العملية التعليمية. وفي كثير من البلدان في العالم الإسلامي، يضطر الطلاب لإعادة سنوات من الدراسة بسبب رداءة جودة الخدمات التعليمية، حيث تقدّر اليونسكو أن 4٪ من مجموع الطلبة في المدارس الابتدائية في المنطقة العربية يضطرون لإعادة السنة الدراسية. والشيء المثير هو أنه بالرغم من صعوبة الوصول إلى المدرسة، تبدو الفتيات أذكى من الفتيان – حيث أن 3.3 % فقط من البنات يُعدن السنة الدراسية في مقابل 4.6 % من الذكور. إن تحسين نوعية التعليم المقدم تعد شيئًا ضروريًا ليس فقط لضمان تعلم الطلاب الفعلي للمهارات الأساسية التي يحتاجونها ولكن أيضًا لضمان حفاظ الآباء والأمهات على وجود الفتيات في المدارس.

وثاقة الصلة

إن أي إستراتيجية تعليمية فعالة في العالم الإسلامي بحاجة إلى ضمان اكتساب الأطفال والشباب والبالغين للمهارات والمعارف ذات الصلة اللازمة لتحسين حياتهم. لذلك لا بد من وجود مسارات تعلم متعددة، فغالبًا ما تركز استثمارات التعليم على عملية التعليم الرسمي وليس على بدائل أخرى مثل التجمع الأمثل للتدريب التقني والتعليم الوظيفي والحساب وتنمية المهارات التجارية – وجميعها ينبغي أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمتطلبات سوق العمل. فالسواد الأعظم من مجموع 1.5 مليار نسمة في العالم الإسلامي (أي نحو 835.7 مليون نسمة) هم دون سن الرابعة والعشرين معظمهم من العاطلين عن العمل. وفي الشرق الأوسط، بلغت نسبة الشباب العاطلين عن العمل 25%، وفي حين أن وثائق التفويض الرسمية في المدارس غالبًا ما تلقى تقديرًا كبيرًا من قبل الشباب، فإن اكتسابهم لهذه المهارات لا يساعد دائمًا على إيجاد العمالة المنتجة. ففي مصر، بلغت نسبة البالغين ممن حصلوا على التعليم الثانوي 42% من السكان، ولكن نسبة العاطلين فيهم قُدّرت بنحو 80%، مما يشير إلى الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في كثير من جوانب النظام التعليمي، وخاصة في المناهج الدراسية.

حساسية الصراع

للأسف، إن وجود خطر التهديد الكبير من الصراع المسلح يعد أمرًا شائعًا نسبيًا في العالم الإسلامي، ذلك الخطر الذي تواجهه اثنين من كل ثلاثة بلدان. وقد كان لهذا التهديد آثارًا عميقةً حول كيفية التعامل مع الاستثمارات التعليمية، فلابد لأي إستراتيجية تعليمية فعالة أن تتعامل مع أمور مثل السكان المشردين، والدراسة المعطلة، وبيئات التعلم الغير آمنة، كما يجب أن تكون ذات حساسة تجاه الطابع السياسي على التعليم ذاته. وأكثر من أي قطاع آخر، فإن قطاع التعليم في أي بلد هو وسيلة للتأثير في بعض الحالات وخلق هوية وطنية. وهناك ملامح أساسية لأي نظام التعليم- مثل من الذين يمكنهم الحصول على التعليم، وفي أي لغة، وماذا سيُجري تدريسه – وهو ما يمكن التلاعب به إما لتعزيز الانقسام والقهر، واستبعاد عوامل مشتركة بين الصراع المسلح أو للتخفيف من ذلك. فعلى سبيل المثال، وفي عهد صدام حسين، أعلت مناهج التعليم العراقية بكثافة من شأن حزب البعث، وهي تركة لا يزال البلد يناضل من أجل التخلص منها. ويجب أن يكون جانب تحليل الصراعات، والذي نادرًا ما يكون له علاقة بالتعليم، جزءًا من أي تصميم وتنفيذ للتدخلات التعليمية في العالم الإسلامي.

ولبدء علاقة جديدة مع العالم الإسلامي، يجب على الرئيس أوباما الوفاء بالوعود التي قطعها في القاهرة في 4 حزيران/يونيو 2009، حين قال أنه ينبغي أن يصبح شريكًا للعالم الإسلامي في وضع إستراتيجية تعليم ملموسة وفعالة، وممولة تمويلاً جيدًا، كي تسعى لدعم البلدان على أساس الحاجة، وتعزز من التقدم والاستقرار والسلام، وتزيد من التنمية الطويلة الأجل بالنسبة للأطفال والشباب والبالغين.

المصادر:

منظمة اليونسكو تقرير الرصد العالمي (2009)؛ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقرير التنمية البشرية العربية (2005)؛ اليونيسيف الاستثمار في أطفال العالم الإسلامي (2005)؛ البنك الدولي الاستثمار في جميع الشعوب: تعليم المرأة في البلدان النامية (1994)؛ مؤسسة بروكينجز، هل يمكن أن يوجد تغيير نؤمن به؟ العالم الإسلامي وأميركا، ووعد أوباما (2009)؛ مؤسسة بروكينجز القضاء على الفقر وتعزيز السلام: المطلب من أجل الأمن العالمي (2006).