Commentary

Op-ed

هل الخط الأحمر الذي رسمه أوباما هو ضوء أخضر؟

فُضِح موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأخيرا الاسبوع الماضي. جاء في رسالة وجّهها البيت الأبيض إلى المشرعين الأميريكيين أنّ وكالات المخابرات الأميريكية تعتقد “مع درجات متفاوتة من الثقة” أن سوريا قد استخدمت غاز الأعصاب السارين على “نطاق صغير”. وبالإضافة إلى هذه الرسالة، أرسلت كل من بريطانيا وفرنسا رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تزعم استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. ذلك وبالإضافة إلى تقييمات مماثلة من قبل المخابرات العسكرية الإسرائيلية في خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ومع ذلك، عبّرت إدارة الرئيس باراك أوباما عن قلقها. فحين سُئل مسؤول أميركي عما إذا كان الأسد قد تخطى “الخط الأحمر” الذي رسمه أوباما العام الماضي والذي قد يدفع الأميركيين إلى التدخل، قال: “لم نصل إلى هذا الحد بعد”.

لا يزال البيت الأبيض يعتزم أن الأدلة ليست “قاطعة” وأنها تحتاج إلى مزيد من التثبت. قال أوباما، في خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله يوم الجمعة، أنً “هناك أسئلة عديدة حول كيفية استخدام هذه الأسلحة ومتى، وأين تمّ استخدامها.”

في حين تعتبر هذه الأسئلة مهمة، خاصة بعد مرور عقد على فشل الاستخبارات الأميركية في العراق، تقدّم الأدلة التي تم جمعها من قبل الدول الغربية من داخل سوريا يقدم دليلا مهماً على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية. سأعرض في ما يلي ما أعرف حول استخدام النظام -والمنطق لاستخدام- للأسلحة الكيميائية في خلال الأشهر الستة الماضية.

يقوم علماء نظام الأسد لأكثر من عام بتجارب على غازات سامة يمكن استخدامها من أجل “تطهير مناطق” ما يسميه النظام “بالإرهابيين” -القوات المتمردة التي يقاتلها. عملت أجهزة النظام الأمنية والعسكرية على تصميم طرق لاستخدام سلاح المدفعية أو الطائرات لتفعيل الأسلحة الكيميائية “في مناطق محددة” – في مناطق لا تتعدى مساحتها كيلومتراً مربعاً واحداً أو كيلومتراً ونصف.

كانت فكرة النظام أن القصف المتواصل على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، بما في ذلك في الأحياء المجاورة للمدن الرئيسة في حلب، وحمص، ودمشق، قد أجبر معظم المدنيين على المغادرة. أدّى هذا التفكير المشوّه إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين والذي كان من الممكن أن يكون عددهم أقل لو استُخدمت الأسلحة الكيميائية في هذه المناطق. كان هذا ليكون بالأمر الهام لو أراد النظام تجنّب انتباه المجتمع الدولي، وبخاصةٍ الولايات المتحدة الأميركية، والتي من الواضح أنها لا تريد أن تتدخل في سوريا.

سمعت بهذه المعلومات المخيفة لأول مرة في أواخر صيف وخريف العام المنصرم من عدد قليل من السوريين الذين يسافرون من وإلى دمشق باستمرار. تعرّفت إليهم حتى بت أثق بهم، لا سيما وأن مصادر وأحداث أخرى كانت تؤيد معلوماتهم في كثير من الأحيان. غالباً ما كان أفراد هذه المجموعة على صلة بكبار ضباط الأمن الحاليين والسابقين وبشخصيات من قوات أمن نظام الأسد بما في ذلك الحرس الجمهوري، والمخابرات العسكرية السورية، ومخابرات القوات الجوية السورية – الذين عرف بعضهم هؤلاء الأشخاص منذ أيام طفولتهم. بعد الاستماع إليهم، بدا لي واضحاً أن النظام السوري كان ينوي استخدام تلك الأسلحة المريعة – وأنه سينفذ نواياه عند التعرض لمزيد من الضغط في المناطق الإستراتيجية الرئيسة، لا سيما في المدن الكبرى الواقعة غرب البلاد.

وبحسب الأشخاص الذين تكلمت معهم، استمدّ الأسد والمقربين منه شجاعتهم من ضعف ردّة فعل المجتمع الدولي على حملته العسكرية الدامية. في حين صرّحت الأمم المتحدة في فبراير أنً عدد القتلى الذين سقطوا جرّاء الإقتتال في سوريا كان أكثر من 70 ألف شخص، في حين، وفي خلال الشهر نفسه، قال ضابط برتبة ملازم في المخابرات العسكرية السورية لأحد معارفي السوريين أنّ حوالى 85 ألف مدني قد قتلوا وآلاف في عداد “المفقودين” بحسب تقديرات النظام.

أضاف مصدر خاص أنّ النظام قد قم بتفسير تصريحات متعاقبة لأوباما وكبار المسؤولين الأمريكيين بأنها “ضوء أخضر” لمواصلة حملته. وبحسب جنرالاً متقاعداً في دمشق، إنّ ما عزّز اعتقاد النظام أنّ “الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الغربيين لا تمانع العمليات العسكرية الحالية” هو التركيز الحصري على الحلول السياسية والدبلوماسية، فضلا عن ارتفاع تخوّف المجتمع الدولي من الجهاديين الإسلاميين. وأضاف: “في أي حرب، هناك جهود سياسية ودبلوماسية، ولكن الرابح هو من يملي الشروط النهاية”.

إذاً، يرى النظام أنّه يجب اختبار “الخط الأحمر” الذي رسمه أوباما لحظر استخدام الأسلحة الكيميائية –في أغسطس الماضي، في خضم الحملة الانتخابية.

وبحلول ديسمبر، أصبح من الواضح أن النظام قد بدأ باستخدام هذه الأسلحة. وسُجّل هجوم في 23 ديسمبر على احدى ضواحي حمص -وقال جنرال سوري متقاعد لأحد معارفي من دمشق بعد الهجوم بوقت قليل أن النظام كان الآن “يستخدم نوع من التركيبة أو الغاز” “كسلاح وقائي”. وفي حمص تحديداً، استخدم النظام “مزيجاً خفيفاً من السارين”. وبحسب قول ضابط برتبة رائد في الحرس الجمهوري السوري، إنّ الضباط يحملون الآن أقنعة واقية من الغاز السام. وتزامن هذا مع بدء مسؤولين غربيين كبار بالتكلّم عن استخدام محتمل للأسلحة الكيميائية من قبل نظام الأسد.

ولعبت الاستجابة الدولية الضعيفة على هجوم حمص دوراً في تشجيع النظام. فقد انتبه إلى التعليق الحذر لتومي فيتور، الذي كان في ذلك الوقت المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، حين قال أنّ تقارير الهجوم على حمص “لا تتوافق مع ما نظن بأنّه صحيح عن برنامج الأسلحة الكيميائية السورية”. قام فيتور يدحض الرأي الذي أعرب عنه دبلوماسيون أمريكيون في برقية مسربة من تركيا والذي يقول أنّ هناك “دليل مقنع” بأنّ قوات النظام قامت باستخدام الغازات السامة في حمص. كذلك اطمأنّ النظام بعد اعتراف الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس إدارة هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، في يناير بأنّ “الحؤول دون استخدام الأسلحة الكيميائية هو شبه مستحيل”.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، واصل النظام اختبار الخط الأحمرالذي رسمه أوباما. فقد استمر في استخدام كميات صغيرة من السارين، التي من المحتمل أن يكون قد تمّ مزجها بأنواع أخرى من الغازات السامة والمواد الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، عمل النظام على نقل هذه الأسلحة الكيميائية، وخصوصاً بعد تعرضه لضغط من القوات المتمردة. علمت من أحد معارفي من دمشق، أنّ أحد الضباط الكبار في مخابرات القوات الجوية قد اعترف مؤخراً أن النظام قام باستخدام الأسلحة الكيميائية في مارس في العتيبة وداريا إحدى ضواحي دمشق ، وكذلك في خان العسل في ضاحية حلب.

الأسوء من ذلك، قال الضابط عينه أنه في حين لم يستخدم النظام أي أسلحة كيميائية أخرى يملكها، كالجمرة الخبيثة وغاز الأعصاب شديد السمية، فإنه “قد يستخدمها من دون تردد” إذا شعر بحاجة تستدعي استعمالها. وغير ذلك، قال مسؤول أمني آخر رفيع المستوى لأحد محاوريّ أنه “حين يحين الوقت المناسب، وحين يشعر النظام أن دمشق توشك على السقوط، سنستخدم مختلف أنواع الأسلحة والوسائل للمحافظة عليها”.

فهل هذه هي لحظة “تغيير اللعبة”، الآن وقد فرضت الأحداث – ناهيك عن احتجاجات بريطانيا وفرنسا

– على أوباما ضرورة التحرك؟ الجواب البسيط على هذا السؤال هو أنه ينبغي أن تكون كذلك. وفي الوقت الذي تسعى فيه الإدارة إلى كسب الوقت، يجدر التذكر أنّ الأسد وأزلامه – فضلا عن مؤيديه في طهران، ولبنان، والعراق- سيقوم بمراقبة جهود الولايات المتحدة لحل هذه المسألة عن كثب. ولعهّلها فرصة أوباما الأخيرة ليكون له تأثير حاسم على الإنزلاق نحو فوضى في سوريا والمنطقة. وقد وصف لي مسؤول أمريكي كبير حديثاّ لأنّ هذه الحالة أشبه “بأحد ثقوب فلوريدا الضخمة”.

ما العمل إذاَ؟ يعطي زميلي بروس ريدل الإجابة الصحيحة عندما يقول إن على أوباما اللجوء إلى الأمم المتحدة، كما فعل بوش الأب (بالتأكيد ليس الإبن) عندما عزل الدكتاتور العراقي صدام حسين بعد غزوه للكويت عام 1990. إنّها فرصة لعزل الأسد ونظامه دولياً، وهم لا شكّ يجب أن يتم عزلهم. وفي هذا الصدد، تكون الخطوة الأولى هي المطالبة بالسماح بالدخول الفوري للفريق التحقيق التابع للأمم المتحدة الذي أُسّس الشهر الماضي إلى سوريا، والإبلاغ بسرعة عن ما يجده هناك.

مما لا مفر منه أنّه سيكون هناك مقارنات مع الفترة التي سبقت حرب العراق، بيد أنّ سوريا مختلفة.

ففي هذه الحالة، تمّ إنشاء فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة، والغريب بالأمر أنّ نظام الأسد طالب بهذا الفريق بعد الهجوم الفاشل بالأسلحة الكيميائية على حلب في مارس. وهو حاليا في قبرص، وعلى استعداد للذهاب، ولكن الأسد ما زال يمنع دخوله الى البلاد ويمصر على أن يقتصر التحقيق على هجوم خان العسل. وعلى عكس العراق تماماً، فهذه المرة الأدلة موجودة ليتم فحصها. والحقيقة هي أنه لا يلوح في الأفق أي عمل عسكري منفرد من جانب الولايات المتحدة الأميركية.

إذا كان خيار اللجوء إلى الأمم المتحدة سيُنفّذ، يجب ألاّ تسمح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أن يماطل نظام الأسد. وإذا لزم الأمر، يجب أن ترفع قراراً جديداً لمجلس الأمن يطالب بدخول فريق التفتيش –ويجب أن تطرح على الصين وروسيا بعض الأسئلة الصعبة إذا ما رغبتا بتأجيل هذا الأمر أكثر.

بالطبع ستستمر حالة الشك بشأن ما إذا كانت ستواصل روسيا منع تحرك الأمم المتحدة. ولكن من الممكن أن يجعل هذا الحدث موسكو تغير موقفها: في أوائل ديسمبر، حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نظيره السوري وليد المعلم من استخدام الأسلحة الكيميائية. وبحسب مصدر في دمشق على اتصال مع كبار شخصيات النظام، أن لافروف قال إن استخدام مثل هذه الأسلحة “سيضع روسيا في موقف حرج”، وألمح إلى أنه لن تكون روسيا قادرة على تقديم الدعم الدولي لسوريا. وها هو استخدام النظام الإجرامي لهذه الأسلحة قد وضع موسكو الآن في مثل هذا الموقف.

وبطبيعة الحال، لا شيء يضمن أن الجهود الدبلوماسية المبذولة لدى الأمم المتحدة يمكن أن تردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية أو وضع حد لقتل المدنيين يومياً في سوريا. فكما بات العديد من السوريين على يقين الآن، لقد أثبت هذا النظام مراراً وتكراراً بأنّ ما من شيء لن يفعله للبقاء في السلطة.

بالتالي، يجب أن تركّز الدبلوماسية الأميركية أيضاً على كسب الدعم الدولي للتهديد الفعلي لاستخدام القوة إذا ما استمر نظام الأسد في خرق القانون الدولي. وتُعتبر عدم قدرة المجتمع الدولي في حماية المدنيين في سوريا واحدة من أكبر إخفاقاته في الآونة الأخيرة. كان يجب أن يكون استخدام قوات فرق الموت شبه العسكرية، التي ارتكبت مجازر بحق المدنيين؛ وقصف المناطق المدنية؛ واستخدام طائرات الهليكوبتر وطائرات النظام الحربية لقصف أحياء برمّتها؛ وطوابير الخبز والمخابز؛ واستخدام أكثر من 200 صواريخ سكود، خطوط حمراء للمجتمع الدولي في سوريا.

إنّ غياب ردّة فعل دولية على هذه الاعتداءات ما كان من شأنه إلا تشجيع الأسد على استخدام تدابير وحشية على نحو متزايد ضد شعبه. في خلال حديث أجريتُه مؤخّراً مع زائر من دمشق، نقل لي تصريحاً تقشعر لها الأبدان من عضو بارز في النظام: “إن النظام ينتقم من الشعب. لقد دمّروا البلاد وأنفسهم. لقد دمّرونا.”

لقد حان الوقت لكي يتحرّك العالم قبل أن يقوم نظام الأسد باستخدام طرق أكثر وحشية لقتل شعبه. يتطلّب استمرار استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا إنشاء منطقة حظر جوي ومناطق آمنة للناس، لحماية السوريين الذين قد لا يجدون مكانا آخر يذهبون إليه، والذين يواجهون نظام الأسد الذي يحاصرهم وينتقم منهم بشكل متزايد.

فكما حدث في رواندا، والبوسنة، وأحداث أخرى غطّت عليها المماطلة الدولية، إنّ التاريخ لن ينصف أولئك الذين أيّدوا عدم التحرّك. عندما تُرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية داخل سوريا، يكون الوقت قد حان لكي يقوم المجتمع الدولي -بخاصةٍ الجهات التي يمكنها أن تؤثّر عليه – بالوفاء لتعهّداته بالنسبة لخطوطه الحمراء.

قد يكون إيجاد دبلوماسية هادفة، مدعّمة بنية استخدام القوة إذا لزم الأمر، السبيل الوحيد لجعل الأسد يفهم أن القانون الدولي والقيم الإنسانية الأساسية لم تعد مادة قابلة للتفاوض في سوريا. وينبغي لهذه الجهود أن تقوم بدعم إنشاء ميثاق وطني شامل يطمئن ويوحّد جميع السوريين. يجب على أوباما والولايات المتحدة الأميركية الآن قيادة جهود دولية حاسمة وحازمة من أجل حماية السوريين من نظامهم.